جاء رد فعل موسكو ضعيفاً على سقف الأسعار على النفط الروسي الذي فرضته دول مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي مؤخراً، بشكل أثار دهشة المراقبين وسط تساؤلات، هل السبب في ذلك أن العقوبات لم تضر روسيا أم أنها تحضّر لانتقام أكبر؟
وفي 2 ديسمبر/كانون الأول 2022، اتفقت دول مجموعة السبع على تطبيق سعر أقصى يبلغ 60 دولاراً لبرميل النفط المنقول بحراً من روسيا، كما اتخذ الاتحاد الأوروبي قراراً مماثلاً، وبدأ تطبيق سقف الأسعار على النفط الروسي ذاته في 5 ديسمبر/كانون الأول، فيما وُصف بأنه أحدث إجراء غربي لمعاقبة موسكو على غزوها لأوكرانيا.
وفي المقابل، وقَّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الثلاثاء 27 ديسمبر/كانون الأول 2022، مرسوماً رئاسياً يحظر بمقتضاه تصدير النفط الخام والمنتجات النفطية إلى المشترين الأجانب الذين يلتزمون سقف الأسعار على النفط الروسي الذي فرضته عقوبات مجموعة الدول السبع الكبرى.
إلى مدى سيؤثر سقف الأسعار على النفط الروسي على عائدات موسكو؟
ووصف بعض الخبراء هذا الرد على العقوبات الغربية بأنه ردٌّ رمزي في هذه المرحلة، لأن الدول التي انضمت إلى تلك العقوبات قد توقف معظمها عن شراء النفط الروسي بالفعل، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
كما أن روسيا تضطر إلى أن تبيع جزءاً كبيراً من نفطها بخصومات عن سعر السوق السائد؛ لجذب المشترين خاصة في آسيا، ومن ثم هي غالباً تبيع بأقل من الحدود السعرية التي وضعتها الدول الغربية.
ويحدَّد سقف أسعار النفط الروسي بموجب العقوبات الغربية عند مستوى أقل بـ5% على الأقل من سعر السوق للنفط الخام، وستحظر دول مجموعة السبع شركات الشحن الخاصة بها من تسهيل شحنات النفط الروسية إذا تم بيعها بأكثر من 60 دولاراً للبرميل.
بوتين ينتظر أن يرى تأثير القرار على الأسواق
كان مسؤولون روس هددوا بالفعل مسبقاً بعزم موسكو خفض إنتاجها من النفط بما يتراوح بين 5 و7% مطلع عام 2023، وحظر بيعه للدول التي تدعم فرض حدود قصوى على أسعار خام ومنتجات النفط الروسي.
وبدا رد الرئيس الروسي في ظاهره متماشياً مع تعهداته السابقة، ولكنه لم يُقْدِم على قرار يُعرقل إمدادات الخام العالمية، لكن الواقع أن الكرملين ترك لنفسه فسحةً لاتخاذ موقف أكثر صرامة فيما بعد، حسب الوكالة الأمريكية.
ففي تعليق يحمل أوجه تفسير مختلفة، أشار ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، إلى أن مرسوم الرئيس الروسي ينطبق على عقود التوريد التي تمتثل "بطريق مباشر أو غير مباشر" لآلية تسقيف الأسعار التي أقرتها الدول الغربية، وعلى العقود السارية حالياً، إن تضمنت إشارة إلى الحد الأقصى للتسعير.
في غضون ذلك، أمر بوتين في المرسوم مجلس وزرائه بصياغة "التدابير القانونية اللازمة لتنفيذ الحظر" الذي أقرَّه في مرسومه، وكذلك لتحديد "الإجراءات المطلوبة لمراقبة التنفيذ".
ولما كان الحظر الرئاسي على صادرات الخام يبدأ سريانه في الأول من فبراير/شباط، ومن المقرر أن تستمر العطلة الشتوية في روسيا حتى 9 يناير/كانون الثاني، فإن الحكومة الروسية لا يزال أمامها بضعة أسابيع للنظر في مزيد من الخطوات الانتقامية رداً على العقوبات الغربية، وتحديد موعد البدء في حظر المنتجات النفطية وقائمة هذه المنتجات.
وقالت مصادر مطلعة في وقت سابق من هذا الشهر، إن الحكومة الروسية ستراقب سوق النفط في الربع الأول من العام الجديد قبل أن تحسم قرارها إن كانت ستتخذ إجراءات أخرى للرد مثل وضع حد أدنى لأسعار نفطها الخام أم غير ذلك.
لهذه الأسباب لم يلجأ للانتقام من الغرب بوقف أو تخفيض إنتاج النفط الروسي
مهما كان القرار الذي ستتخذه روسيا، فلكي يكون له تأثير فعال قد يتعيَّن عليها أن توازن بين خسائر تخفيض إنتاجها [للرد على العقوبات الغربية] من جهة، وإمكان تحقيق عائدات إضافية من ارتفاع الأسعار من الجهة الأخرى، ومن ثم فهو قرار حرج ومحفوف بالمخاطر.
وقال ألكسندر إيساكوف، الخبير في اقتصاد روسيا وأوروبا بوكالة Bloomberg Economics، إن "ردَّ روسيا على سقف أسعار النفط وحظر الواردات سيكون رداً رمزياً إلى حد كبير"، فهي تعتمد على عوائد بيع النفط لتمويل الواردات وإبقاء التضخم تحت السيطرة.
وأشار إيساكوف إلى أن خفض إنتاج النفط قد يزيد من رفع سعر التعادل المالي للنفط (الذي زاد بالفعل من 60 دولاراً العام الماضي، إلى ما بين 95 و100 دولار للبرميل هذا العام)، أي السعر اللازم لموازنة نفقات الميزانية العامة مع الإيرادات، ومن ثم "يجعل النظام المالي الروسي أكثر هشاشة" وأشد عرضة للأزمات. لا سيما أن ذلك يأتي فيما يُتوقع أن تحقق عائدات النفط والغاز الروسية في عام 2023 ما يقرب من ثلث إيرادات الميزانية الروسية.
ومن الجدير بالإشارة أن شركات الشحن والتجارة تواجه بالفعل مصاعب جمة في شحن النفط الروسي بسبب العقوبات الغربية، وقد بدأت بالفعل وطأة العقوبات يظهر أثرها على صادرات البلاد. وهو أحد الأسباب الكثيرة الباعثة على القلق لبعض الشركات.
لماذا تجنب الغرب محاولة حظر بيع النفط الروسي تماماً مثلما فعل ترامب مع إيران؟
وفي الأغلب لم يكن رد فعل روسيا على تحديد الغرب سقفاً لأسعار نفطها فقط هو الرمزي، ولكن العقوبات الغربية نفسها أيضاً رمزية.
لأنه كما سبق القول فإن روسيا تبيع بالفعل جزءاً كبيراً من نفطها بأسعار أقل من السقف المحدد.
ومن الواضح أن الغرب كانت لديه خيارات أقوى لمعاقبة روسيا نفطياً، من ضمنها فرض حظر شبه شامل على صادرات النفط الروسية للدول غير الغربية مثلما فعل ترامب بعد خروجه من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018 عندما فرض عقوبات أمريكية على أي مشترين للنفط الإيراني، خاصةً العقوبات المتعلقة بالنظام المصرفي، والتي دفعت كثيراً من شركاء إيران إلى الابتعاد عن نفطها أو التقليل منه وشرائه بشكل غير رسمي مثل الصين والهند.
وقد يكون السبب أن وزن روسيا النفطي أكبر بكثير من وزن طهران، حيث تنتج أكثر من 10 ملايين برميل مقابل نحو 4 ملايين برميل لإيران في ذروة إنتاجها.
وتصدر روسيا ما يزيد على خمسة ملايين برميل يومياً، ورغم أن هذا يجعلها واحداً من أكبر تجار النفط العالميين بعد السعودية، فإنها تظل قابلة للاستبدال على المدى المتوسط أو البعيد.
إذ يعتقد أن السعودية والإمارات وبعض أعضاء أوبك الآخرين يمتلكون ما بين 2.0 و2.7 مليون برميل يومياً من الطاقة الإنتاجية الفائضة، معظمه لدى الرياض وبصورة أقل أبوظبي، وهو ما يمثل نحو نصف صادرات روسيا.
ولكن استبدال النفط الروسي يستلزم عودة النفط الإيراني لمستويات إنتاجه السابقة، ولذلك لم يكن غريباً أن تحاول موسكو في مرحلة من المراحل عرقلة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، كما أن عودة فنزويلا صاحبة أكبر احتياطي نفطي في العالم للتصدير بقوة قد يكون بديلاً للنفط الروسي أو لجزء منه.
وفي الأغلب، فإن الأمريكيين قد يكونون لا يريدون العمل على وقف تصدير النفط الروسي، لأن ذلك سيمثل ورقة في صالح إيران بالمفاوضات النووية، كما أن إعادة صادرات النفط الفنزويلي للأسواق، قد يستغرق وقتاً، إضافة إلى أنه يواجه معارضة داخلية من الجمهوريين والجالية الفنزويلية المعارضة الموجودة في الولايات المتحدة.
ولكن قد يكون السبب الأبعد لعدم سعي الغرب حتى الآن لمحاولة وقف تصدير النفط الروسي بالكامل، ليس فقط احتمال تسبب ذلك في أزمة مع دول مثل الصين والهند وتركيا ،أو أنه قد يؤدي لقفزة في أسعار النفط، ولكن هذا الخيار سوف يكون بمثابة سلاح نووي اقتصادي ضد بوتين، لأنه سيلحق ضرراً فادحاً بالاقتصاد الروسي، ورغم أن ذلك قد يضر الجهد الحربي العسكري الروسي في أوكرانيا، فإنه أيضاً قد يدفع بوتين إلى خيارات عسكرية أكثر مغامرة، من ضمنها التفكير في اللجوء للسلاح النووي، إذا بدا أن العقوبات تُعرض جيشه أو حكمه للخطر.