أحيا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذكرى الـ86 لوفاة الشاعر محمد عاكف آرصوي كاتب النشيد الوطني التركي، والذي توفي في 27 ديسمبر/كانون الأول 1936.
وغرّد الرئيس التركي على حسابه الرسمي على تويتر قائلاً: "أحيي ذكرى شاعرنا الوطني محمد عاكف آرصوي بالرحمة والاحترام والامتنان في الذكرى السادسة والثمانين لوفاته إلى العالم الأبدي".
من هو محمد عاكف آرصوي، وما سرّ شهرته الكبيرة في تركيا؟
ولد محمد عاكف آرصوي، في 20 ديسمبر/كانون الأول 1873 في مدينة إسطنبول التركية وتحديداً في حي سارجوزيل بمنطقة الفاتح.
والدته هي "أمينة شريف هانم"، ابنة عائلة هاجرت من بخارى إلى الأناضول؛ أما والده "محمد طاهر أفندي"، فهو عالم وفاتح ولد في ألبانيا وجاء إلى إسطنبول في سن مبكرة وتلقى تعليمه وترقى إلى منصب أستاذ مدرسة الفاتح.
عند ولادة محمد عاكف، أطلق عليه والده اسم "Ragîf" وبسبب صعوبة نطقه، أطلق عليه أصدقاؤه ووالدته لقب "عاكف" والذي أصبح اسمه الرسمي بمرور الوقت.
ووفقاً لما ذكره الموقع الرسمي لجامعة "صباح الدين الزعيم" التركية، فقد بدأ آرصوي تعليمه الابتدائي في مدرسة حي الأمير بخاري في الفاتح، أما تعليمه الثانوي فكان في ثانوية "فاتح مركز".
بدأ آرصوي خلال دراسته في تعلم اللغة العربية من والده، إضافة إلى أخذ دروس في اللغة الفارسية في مسجد الفاتح، حتى إنه حفظ القرآن وهو ما زال في التاسعة من عمره، على يد إمام جامع الفاتح.
كما كان متفوقاً في مدرسته واحتل المرتبة الأولى في اللغات التركية والعربية والفارسية والفرنسية طوال فترة تعليمه في المدرسة الإعدادية.
بعد تخرجه من المدرسة الثانوية، التحق بمدرسة "الملكية" عام 1885 التي كانت إحدى المدارس الشعبية في ذلك الوقت.
وفاة والده واحتراق منزله!
أثناء التحاقه بالتعليم العالي توفي والده عام 1888، وفي العام التالي، احترق منزلهم في حريق الفاتح العظيم، الذي أغرق الأسرة في الفقر، ليقوم شخص يدعى "مصطفى سيتكي" وهو أحد طلاب والده، ببناء منزل لهم على قطعة الأرض المحروقة مكان منزلهم السابق.
ولذلك التحق آرصوي بالمدرسة الزراعية والبيطرية، والتي كانت أول مدرسة بيطرية مدنية تم افتتاحها حديثاً في تلك السنوات، وقد تخرج من القسم البيطري بالمدرسة بالمركز الأول عام 1893.
عمله البيطري أوصله إلى طريق الشعر!
في العامين الأخيرين من دراسته الجامعية، نما حب عاكف آرصوي بالشعر، لكنّ حياته المهنية كانت تتخذ مساراً مختلفاً، إذ بدأ في العمل في الخدمة المدنية كمساعد مفتش عام في وزارة الزراعة.
وفي الوقت ذاته، بدأ العمل في حديقة الحيوانات، وتعمق في علاج أمراض الحيوانات المعدية في مناطق مختلفة من أدرنة في شمال غرب تركيا، وأضنة في الأناضول، ودمشق في بلاد الشام.
وبسبب تنقله بين هذه المناطق، أتيحت لأرصوي فرصة التعرف على الكثير من الأشخاص والقرويين الذين كان لهم تأثير كبير في فهمه للشعر والفن.
كما حصل على العديد من الكتب لشعراء آخرين أمثال حافظ وسعدي الشيرازي وهما من أعظم شعراء الأدب الفارسي.
في تلك السنوات، ازداد شغف آرصوي بالشعر، وتحديداً بعد قراءته لأشعار قيس بن الملوح "مجنون ليلى"، وفقاً لما ذكره الموقع الرسمي للشاعر محمد عاكف آرصوي على الإنترنت.
منذ عام 1895، بدأ توقيعه في الظهور في المجلات الأدبية مثل: "Gayret"، و "Hazîne-i Fünûn"، و"Resimli Gazete"، و "Mekteb"، و "Servet-i Fünun".
صعود اسمه في الساحتين الأدبية والأكاديمية
راح اسمه يصعد بقوة في الساحتين الأدبية والأكاديمية، لا سيّما بعد انضمامه في 1908 إلى جامعة إسطنبول أستاذاً للأدب العثماني، كما قام بتدريس الأعمال الأدبية العربية وعلم الأدب العربي وطرق الترجمة في نادي Şehzadebaşı التابع للجنة الاتحاد والتقدم، حيث كان عضواً في اللجنة العلمية لفترة قصيرة.
أول ديوان للشاعر محمد عاكف آرصوي
اعتباراً من أبريل/نيسان 1911، نشر محمد عاكف آرصوي ديوانه الأول بعنوان "صفحات" في مجلة "صراط مستقيم".
كما أبدى الشاب عاكف اهتماماً بمؤلفات الشيخ محمد عبده، الذي ترجم له "الإسلام بين العلم والمدنية" رداً على وزير الخارجية الفرنسي آنذاك غابرييل هانوتو، الذي أعاد أسباب تأخر المسلمين إلى الإسلام نفسه.
كما تبعهم بالعديد من المؤلفات مثل: (محاضرة في السليمانية (1912)، و"أصوات الحق" (1913) ومحاضرة في الفاتح (1914)، والذكريات (1917)، وعاصم (1924)، والظلال (1933).
استقالته من الوظيفة وبدأ السعي من أجل استقلال تركيا
استقال من الخدمة المدنية في مايو/أيار 1913 اعتراضاً على "ظلم" لحق بزميله في العمل، وفي نهاية العام نفسه اضطر أيضاً إلى ترك وظيفته في دار "تلفونو" للنشر لاختلافات فكرية.
وفي الأثناء، أغلقت صحيفته التي أسسها تحت اسم "سبيل الرشد" من قبل الحكومة.
وفي أوائل عام 1914، قام برحلة لمدة شهرين إلى مصر والمدينة المنورة، وفي خريف العام ذاته، ذهب إلى برلين بتكليف من "المنظمة الخاصة"، التي أنشأتها وزارة الحرب التركية لأغراض استخبارية، وزار فيها معسكرات الجنود المسلمين الذين قاتلوا إلى جانب دول الوفاق وألقى عليهم الخطب تشجيعاً للعمل من أجل استقلال تركيا بعد نهاية الحرب العالمية الأولى.
وفي منتصف عام 1918، مكث في لبنان لمدة شهر بدعوة من أمير مكة الشريف علي حيدر باشا، وبعد عودته مباشرة، تم تعيينه رئيساً لموظفي "دار الحكم الإسلامي" التابعة للدولة العثمانية، إضافة إلى كونه أحد أعضاء لجنة "قاموس عربي" التي شكلتها وزارة التربية والتعليم في إسطنبول.
ومع بداية حرب الاستقلال بزعامة مصطفى كمال وبعد شروط الهدنة الثقيلة بعد الحرب العالمية الأولى، واحتلال اليونانيين لمدينة إزمير، بدأ الشاعر التركي بالمعركة خطيباً وشاعراً متجولاً يثير حماسة الأتراك للمشاركة في الدفاع عن وطنهم أمام الاحتلال البريطاني والفرنسي واليوناني.
كما ألقى الخطب في أنطاليا، وقونيا، والعديد من المدن الأخرى، من بينها كانت خطبة شهيرة ألقاها في مسجد نصر الله في قستامونو التي نُشرت على شكل كتيب ووزعت على الجنود في الجبهات.
كما ذهب إلى مدينة باليكاسير في فبراير/شباط 1920 من أجل الانضمام إلى حركة النضال الوطني، وعند عودته من باليكسير، انتخبته بلدة بوردور (جنوبي غربي تركيا) لتمثيلها في "المجلس الوطني الكبير"، الذي افتتح في أنقرة في أبريل/نيسان 1920.
تأليف نشيد الاستقلال التركي
في 18 سبتمبر/أيلول 1920، أرسل الشاعر محمد عاكف آرصوي قصيدته إلى مسابقة كلمات النشيد الوطني التركي، مُرسلاً معها أمنيته الأخيرة التي قال فيها: (ياربّ لا تكتب على هذا الشعب كتابة نشيد وطني مرة ثانية).
وفي 12 مارس/آذار 1921، أقر "المجلس الوطني الكبير" في أحلك ظروفه فوز قصيدة آرصوي من بين 700 قصيدة أخرى، لتكون "نشيد الاستقلال التركي" وجاء في كلماتها:
لا تخف، لن تطفأ الرايات في كبد السماء
ولسوف تبقى شعلة حمراء من غير انطفاء
إنها كوكب شعبي، سوف يبقى في العلاء
وهي ملكي، ملك شعبي لا جدال أو مراء
لا تقطب حاجباً، أرجوك، يا أحلى هلال
نحن أبطال تبسم، فلمَ القسوة؟ ما هذا الجلال؟
ابتسم دعنا نرَ أحرام ما بذلنا من دماء أم حلال؟
فيما تم التبرع بالمكافأة المالية، التي لا يمكن إزالتها بموجب القانون، إلى الجمعية الخيرية التي أنشأها عاكف التي تهتم بتعليم النساء الفقيرات وأطفالهن من العمل.
نهاية حرب الاستقلال التركية ونفيه من قبل مصطفى كمال أتاتورك!
اندفاع مصطفى كمال بعد النصر إلى إجراءات تغريبية دفع محمد عاكف إلى مغادرة تركيا والهجرة إلى مصر، وفقاً لما ذكره موقع "الجزيرة نت"، وبقي فيها منشغلاً بترجمة القرآن والتدريس وإصدار ديوانه الأخير حتى نهاية حياته، حيث شعر بالمرض يشتدّ عليه في صيف 1936، فقرر العودة إلى إسطنبول ليتوفّى هناك يوم 27 ديسمبر/كانون الأول 1936 ويدفن في مقبرة شهداء أدرنة كابي بعد تشييع جرى وسط تجاهل رسمي كامل.
وفي عام 2002، عندما تسلم حزب العدالة والتنمية حكم تركيا، قام رد برد اعتبار الشاعر التركي الراحل، من خلال إعادة طبع دواوينه وافتتاح جامعة تحمل اسمه في مدينة بوردور.
قد يهمك أيضاً: احتلتها "قوات الحلفاء" نحو 5 سنوات و"عضّة قرد" ساهمت في استعادتها.. "يوم تحرير إسطنبول"