يمُر مستشفى "57357" لعلاج سرطان الأطفال في مصر من أزمة مادية كبيرة، وذلك بعد الإعلان عن نقص كبير في التبرعات يُهدد بإغلاق هذه المؤسسة الصحية المجانية، التي كانت إدارتها متهمة طيلة السنوات الماضية بتبديد الأموال.
"عربي بوست" انتقل إلى منطقة السيدة زينب وسط العاصمة القاهرة للوقوف على الوضع الحالي لمستشفى 57357، الذي لم يعُد قادراً على استقبال مرضى جدد، فرصد عشرات الحالات لأطفال مصابين بالسرطان لم يستطِع ذووهم تأمين سرير علاج لأبنائهم.
آلاف الحالات في قوائم الانتظار
على مدار الـ3 أشهر الماضية لم تفقد ريم محسن، من محافظة المنيا، وهي والدة طفلة مصابة بسرطان الدم، الأمل في أن تبدأ فلذة كبدها علاجها داخل مستشفى 57357، وذلك بعد إجراء الفحوصات وتشخيص الحالة ووصف العلاج اللازم لها.
تقول الأم ريم محسن التي التقاها "عربي بوست" بجوار مستشفى 57357 إن الإدارة أخبرتها بأن حالة ابنتها في لائحة الانتظار، وأنها ستُبلغها بموعد بدء العلاج حين يتوفر مكان لها.
وأضافت الأم: "حالة ابنتي الصحية تتدهور، طرقنا باب الإدارة لاستعجال ملفنا، لكن وجدنا آلاف الحالات لم تبدأ العلاج بعد، والسبب الرئيسي ليس عدم توفر الأماكن، لكن عدم قدرة المستشفى على استيعاب حالات جديدة نتيجة أزمة مالية كبيرة تعانيها".
وأكملت الأم حديثها قائلة: "نقف أمام البوابة الرئيسية أملاً في مقابلة المسؤولين للتعرف على مصير أبنائنا، وفي كل صباح يتزايد عدد أسر المرضى، لكننا نصطدم بردود مفادها أن المستشفى لن يستقبل مرضى جدداً طالما استمرت الأزمة الحالية".
أغلب المسؤولين على مستشفى 57357، حسب ما رصد "عربي بوست" من أسر الأطفال المرضى يطلبون منهم الذهاب إلى معهد الأورام أو مستشفى ناصر بدلاً من إضاعة الوقت في انتظار مكان لن يكون سهلاً عليهم توفيره.
الخوف من إغلاق المستشفى
عبد الرحيم، أب لطفلة في العاشرة من عمرها مصابة بسرطان العظام، التقاه "عربي بوست" يحمل حقيبة صغيرة بيد واليد الأخرى يُمسك بها طفلته التي بدأت علاجها الكيماوي في مستشفى 57357.
يتوافد والد الطفلة التي تبلغ من العمر 10 سنوات بشكل مستمر على مستشفى 57357 منذ أن اكتشف إصابة ابنته قبل عامين، وأجرت أكثر من عملية جراحية، والآن في مرحلة العلاج، الأمر الذي جعله ملماً بالكثير من تفاصيلها.
يكشف عبد الرحيم في حديثه مع "عربي بوست" أن مستوى الخدمات التي عُرف بها مستشفى 57357 منذ تأسيسه قبل 15 سنة تراجع خلال العام الماضي، وذلك انعكس على معدل الوفيات الذي ارتفع بشكل كبير.
وأضاف المتحدث أن بعض الأدوية لم تعد متوفرة، وهناك اعتماد على أصناف دواء زهيدة الثمن لتتماشى مع إمكانياتها، كما أن المستشفى اعتمد بشكل أكبر على المتابعة الدورية للحالات دون اتخاذ قرار الإقامة الكاملة للمرضى.
وحسب المواطن المستفيد من خدمات مستشفى 57357، فإن هذه السياسة تسببت في حالة من التكدس المستمرة في العيادات الخارجية التي تتولى مهمة المتابعة الدورية، فالمريض يأتي إلى المستشفى صباحاً، ليغادر مساءً نتيجة شدة الزحام.
أما في كثير من الأحيان فيضطر الآباء لترك المستشفى لعدم قدرة أبنائهم المرضى على البقاء ساعات طويلة، والبعض يفكر بالبحث عن مستشفيات حكومية أخرى توفر العلاج لأبنائهم، مما يضعهم تحت ضغط نفسي وعصبي..
وطالب المتحدث في نهاية لقائه مع "عربي بوست" المصريين القادرين بالتبرع لإنقاذ مستشفى 57357، ووجه رسالة للحكومة حتى تتحرك وتنقذ أرواح الأطفال المصابين بالسرطان في مصر.
تراجع في عام في الإمكانيات
طبيب متخصص في علاج أورام المخ لدى الأطفال بمستشفى 57357، تحدث لـ"عربي بوست"، شريطة عدم ذكر اسمه، عن تراجع إمكانيات المستشفى العلاجية بصورة ملحوظة خلال العام الأخير.
وقال الطبيب إن عدد المرضى في تزايد مستمر، وهناك بعض أجهزة الأشعة المتطورة تتعرض للتلف وإصلاحها يستغرق وقتاً طويلاً، وهذا الوضع لم يكن طيلة السنوات الماضية.
وأضاف المتحدث أن الكثير من الحالات تكون بحاجة إلى رعاية داخل المستشفى، لكننا نواجه أزمة عدم وجود أسِرة، وكان من المفترض أن تتم توسعة المبنى وإنشاء آخر مقابل للمستشفى، لكن كل ذلك توقف.
وأكد الطبيب وجود أزمة مالية في مستشفى 57357 تجعله غير قادرٍ على استقبال حالات جديدة بعد 6 أشهر مقبلة، كما أن تكاليف العلاج تضاعفت تقريباً خلال هذا العام بسبب تراجع السيولة المالية للصيدلية التابعة للمستشفى.
وكشف المتحدث أن عمليات أورام المخ للأطفال دقيقة للغاية وبحاجة لرعاية فائقة، وفي الأغلب يظل المرضى بالعناية المركزة لفترات طويلة، وهو أمر لم يقصر فيه المستشفى وإنما بحاجة إلى أموال طائلة.
وأشار المتحدث إلى أن غالبية أعضاء الفريق الطبي بمستشفى 57357 لا يبحثون عن الحصول على رواتب مرتفعة، ويعتبرون أنهم يتطوعون بجزء من وقتهم لمساعدة الأطفال على الشفاء.
وبحسب الطبيب، فإن الأطقم الطبية العاملة بالمستشفى تلقت من قبل تعليمات بتوجيه الأطفال الذين بحاجة إلى رعاية عاجلة وسرعة بدء العلاج، ولا يتوفر لديهم أماكن إلى مستشفيات حكومية أخرى مثل معهد الأورام أو مستشفى أبو الريش أو معهد ناصر.
وقال المتحدث أن إعادة التوجيه هذه كانت بتكفل مادي من مستشفى 57357، لكن منذ عدة أشهر صدرت تعليمات أخرى بتوجيه المرضى إلى تلك المستشفيات، لكن دون التكفل بعلاجهم.
17 ألف طفل ينتظر العلاج
يتابع: في مستشفى 57357 لسرطان الأطفال 18 حالة ألف حالة، سواء كانوا محجوزين في المستشفى أو مترددين على العيادات، أو في إطار المتابعة بعد الشفاء، فيما وصلت قوائم الانتظار الحالية إلى 17500 حالة، أي نفس الرقم تقريباً الذي يُتابع علاجه.
وعلى مدار الأيام الماضية دشن نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، حملات للتبرع لمستشفى سرطان الأطفال 57357، وتفاعل عدد كبير من الفنانين ولاعبي كرة القدم وغيرهم من المشاهير مع الحملة.
وبدأ المستشفى عمله في العام 2007 معتمداً بشكل كامل على التبرعات، ويقصده غالبية مرضى سرطان الأطفال في مصر ليس لأنه يعالج الأطفال بالمجان، لكن لأن نسبة الشفاء لديه مرتفعة للغاية وتصل إلى 73% وتقترب من 85% وهو المعدل العالمي.
لماذا هذا التراجع؟
كشف مصدر مطلع بإدارة المستشفى لـ"عربي بوست" أن التبرعات شهدت انخفاضاً على مدار الثلاث سنوات الماضية بالتزامن مع حملات إعلامية شككت في نزاهة إدارة أموال التبرعات.
وأضاف المتحدث أن التراجع الكبير كان منتصف العام الجاري، وأن الحملة الإعلانية التي جرى عرضها بعدد من الفضائيات في شهر رمضان الماضي لم تأتِ بمردودها الإيجابي أسوة بما حققته في السنوات الماضية.
وبشأن التبرعات، يقول المسؤول الإداري إنها تراجعت بـ85% خلال 6 أشهر الماضية، مما دفع إدارة المستشفى لاتخاذ قرار فك آخر وديعة تملكها للصرف على علاج الحالات، لكنها تكفي لشهور قليلة جداً، وقد لا يكون هناك وجه آخر للصرف إذا استمر التراجع في التبرعات.
وتخشى إدارة المستشفى من تكرار نموذج فرعها في مدينة طنطا الذي أغلق أبوابه في أغسطس/آب الماضي، وكان يحتوي على 47 سريراً ويخدم مرضى منطقة الدلتا، وذلك بسبب عدم قدرته على سداد مديونياته التي بلغت 400 مليون جنيه.
ويُواجه مستشفى 57357 في الوقت الحالي مشكلة ارتفاع أسعار الكيماويات والأجهزة المستخدمة في ظل أزمة نقص العملة الأجنبية الدولار اللازمة للاستيراد، بالإضافة إلى زيادة الأسعار.
يقول المسؤول الإداري لـ"عربي بوست": "نحاول أن نتخذ قرارات تقشفية لكن دون أن تؤثر على دور المستشفى في علاج المرضى مثل اقتصار متابعة الأطفال المتعافين من السرطان حتى سن 22 عاماً بدلاً من 25 عاماً كالمعتاد".من جهته أصدر مستشفى بياناً رسمياً أرجعت فيه تراجع التبرعات إلى ما سمته "الحملة الإعلامية الظالمة" وانتشار جائحة كورونا ثم الحرب الروسية – الأوكرانية وارتفاع الأسعار.
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”