منذ آلاف السنين وبأساليب متنوعة وجدت الحيوانات نفسها في قلب ميدان المعارك، من الفيلة إلى الخيول، والكلاب إلى الحمام، لعبت هذه الحيوانات دوراً كبيراً في تلك الحروب، وعلى مر القرون، ابتكر البشر بعض الطرق الغريبة جداً لإشراك الحيوانات في ساحات القتال.
ولعلّ أكثر المخططات الغريبة التي حاولت إشراك الحيوانات في المعارك، هي الفكرة الأمريكية لإلقاء قنابل الخفافيش على اليابان خلال الحرب العالمية الثانية، والتي رصدت لها الحكومة الأمريكية ميزانية مليونيْ دولار (ما يعادل أكثر 31 مليون دولار في عام 2022)، ووضع مليون طائر خفاش رهن هذه العملية.
كانت الفكرة أن يتم جمع مليون خفاش من الكهوف في تكساس، ويتمّ ربطها بقنابل نابالم حارقة موصولة بنظام المؤقت ونقلها بالطائرات، وعند إسقاط القنابل من الطائرات الأمريكية فوق اليابان، تطلق الخفافيش لتستقر في المباني الورقية والخشبية اليابانية، قبل أن يتم تفعيل جهاز توقيت من شأنه أن يؤدي إلى تفجير القنابل وإشعال النار في النابالم وإحراق مدن يابانية بأكملها.
الخفافيش للانتقام من هجوم ميناء بيرل هاربور
أدى الهجوم الياباني المدمر في 7 ديسمبر/كانون الأوّل 1941، على أسطول المحيط الهادئ الأمريكي المتمركز في ميناء بيرل هاربور، إلى دخول الولايات المتحدة الأمريكية رسمياً الى الحرب العالمية الثانية، وإعلان حربها على اليابان، وضرورة تكليفها كلفة باهضة عن مقتل ألفي جندي أمريكي في بيرل هاربور، وهو ما جعل ملايين الأمريكيين يساندون قرار حكومة بلادهم ضد اليابان.
بحسب history، كان طبيب الأسنان والمخترع لاتول إس آدمز من ولاية بنسلفانيا من بين الأمريكيين الغاضبين من الهجوم الياباني المدمر على الأسطول الأمريكي في المحيط الهادئ.
كان آدامز معجباً بالعدد الهائل من الخفافيش التي تعيش داخل كهوف الحديقة الوطنية بنيو مكسيكو التي كان في زيارتها وقت إعلان أمريكا الحرب على اليابان، وقد خرج متأثراً بقوة تحليق هذا الطائر، ولم يمض وقت طويل حتى قرر طبيب الأسنان أن يجري اختراعاً كان يعتقد أنه يمكن أن ينتقم من اليابان.
بعد أقل من شهر، وفي 12 يناير/كانون الثاني 1942، أرسل آدامز رسالة وجهها إلى شخص يعرفه في البيت الأبيض، صادف أن يكون ذلك الشخص السيدة الأولى إليانور روزفلت، التي سبق أن نقلها بطائرته الخاصة، والتي بدورها نقلت الفكرة إلى زوجها الرئيس فرانكلين روزفلت.
قال آدامز في رسالته: "يمكننا هدم المدن اليابانية عن طريق ربط القنابل الحارقة الصغيرة بالخفافيش، والتي ستنقلها إلى جميع زوايا وأركان المدن اليابانية، فكر في آلاف الحرائق التي تندلع في وقت واحد على دائرة قطرها أربعون ميلاً مقابل كل قنبلة يتم إسقاطها".
بعد الاتصال بالمساعدين والمسؤولين والعسكريين والعلماء، قرر روزفلت إعطاء اقتراح آدم فرصة، وقال: "يبدو أنها فكرة جامحة تماماً ولكنها تستحق النظر فيها".
مليون خفاش لتدمير المدن اليابانية
وفقاً لـtheatlantic، تم تفويض سلاح الجو الأمريكي للعمل على المشروع، وطُلب من آدامز تجميع فريق العمل، كانت المهمة الأولى للفريق هي اختيار أنواع الخفافيش المناسبة للمهمة الحالية.
بدأ الفريق على الفور في العمل، وبدأ في السفر في جميع أنحاء الولايات المتحدة. يقول آدامز: "زرنا ألف كهف وثلاثة آلاف منجم، وكانت السرعة أمراً ضرورياً لدرجة أننا نسير بشكل عام طوال النهار والليل عندما لم نكن نستكشف الكهوف. كنا ننام في السيارات ونتناوب على القيادة. قطعت سيارة واحدة في فريق البحث لدينا 350 ألف ميل".
بحلول مارس/آذار 1943، تمّ الاستقرار على الخفاش المكسيكي ذي الذيل الحر كنوعٍ مناسبٍ للعملية، وهو حيوان ثديي يبلغ طوله 4.1 سم ويزن حوالي 13 غراماً، وهو نفس وزن عملة معدنية بقيمة 2 جنيه إسترليني.
بعد الحصول على إذن من الحديقة الوطنية نيو مكسيكو، تم القبض على الآلاف من الخفافيش ذات الذيل الحر بشبكات حتى يمكن أن تبدأ التجربة بجدية.
كان التحدي التالي الذي واجهه الفريق هو تصميم قنبلة صغيرة يستطيع حملها الخفاش، كانت الخفافيش قادرة فقط على حمل قنبلة تزن تقريباً وزن جسمها، وهذا يعني أن الفريق اضطر إلى وضع عبوة ناسفة في جهاز يزن 15-18 غراماً فقط.
كان الكيميائي بجامعة هارفارد لويس فيزر قد اخترع للتو النابالم، وهو سائل شبيه بالهلام شديد الاشتعال، ما يجعله سلاحاً حارقاً مثالياً لربطه بالخفافيش الصغيرة.
تم اختراع كبسولة سيلولويد لإيواء النابالم المجهز بفتيل تأخير زمني، كانت تسمى هذه الأجهزة وحدات H-2. ثم تمّ إلصاق الوحدات على الخفافيش بواسطة مادة لاصقة.
ثم احتاج الفريق إلى العمل على كيفية نقل الخفافيش عبر الطائرة، كانوا يعلمون بالفعل أن خفض درجة الحرارة حول الخفافيش سيؤدي بها إلى السبات، ما يثبت أنه وسيلة فعالة للسيطرة على المخلوقات أثناء النقل. أدى ذلك إلى تطوير غلاف على شكل قنبلة يبلغ طوله حوالي 5 أقدام، والذي كان يضم العديد من الصواني الدائرية المبردة بالداخل. صُممت الصواني مثل كراتين بيض تحتجز فيها الخفافيش الصغيرة. كل قنبلة يمكن أن تستوعب ما يصل إلى 1040 خفاشاً.
ثم تمّ تجهيز حاملات القنابل بمظلة مصممة للانتشار على ارتفاع حوالي ألف قدم فوق الأرض، وعند هذه النقطة ستسقط جوانب الحاملة بعيداً.
كان الأمل أن يكون لدى الخفافيش وقت للاستيقاظ من سباتها وتقوم بالطيران عند الخروج من الناقل، عندها سيتم تنشيط المصهّر الموجود على جهازهم الحارق بمؤقت مدته 30 دقيقة.
كانت الفكرة هي إسقاط مليون طائر من الخفافيش عند الفجر، وهو الوقت الذي تميل فيه الخفافيش إلى التموقع فيه في الأماكن المحببة عندها، على أمل أن تكون تلك البقعة مبنى يابانياً.
القنبلة الذرية تقضي على فكرة قنبلة الخفافيش
في الوقت الذي كانت الخطة فيه تبدو دقيقة ومثالية، غير أنّ تنفيذها كان يمثّل تحدياً، فلم يكن جعل الخفافيش تستيقظ من السبات أمراً سهلاً، فقد مات الكثير منها أثناء الاختبار لأنها سقطت على الأرض ولا تزال نائمة.
في إحدى التجارب، تم إطلاق الخفافيش المقنبلة بطريق الخطأ، ما أدى إلى إحراق قاعدة جوية في نيو مكسيكو، وأمام هذه الأخطاء بدأ كبار المسؤولين يفقدون صبرهم على فكرة قنابل الخفافيش.
في أواخر عام 1943، تم تسليم المشروع إلى مشاة البحرية، الذين أعادوا تسميته بمشروع X-Ray، بعد بعض الضبط الدقيق، تم إجراء عمليات إسقاط ناجحة لقنابل الخفافيش على مدن يابانية مزيفة تم إنشاؤها في مواقع الاختبار في ولاية يوتا.
كتب رئيس قسم الاختبارات الحارقة: "يمكن إطلاق عدد معقول من الحرائق المدمرة على الرغم من الحجم الصغير جداً للوحدات". يبدو أن الميزة الرئيسية للوحدات هي وضعها داخل هياكل العدو دون علم صاحب المنزل أو مراقبي الحريق، ما يسمح للنار بإثبات وجودها قبل اكتشافها.
فقط عندما بدا أن الخفافيش كانت جاهزة أخيراً للإطلاق على المدن الحقيقية اليابانية، أعلن عن توقف المشروع.
كان كبار المسؤولين الأمريكيين بمن فيهم روزفلت قد قرروا إلقاء كامل ثقلهم وراء مشروعين سريين آخرين، هما تطوير القنبلة الذرية، إذ تفوق مشروع مانهاتن على مشروع X-Ray، والمشروع الثاني هو تطوير قنابل النابالم الحارقة.
وفقاً لـwarfarehistorynetwork، بعد نهاية الحرب، ذهب أعضاء فريق آدامز في طريقهم المنفصل، فمثلاً كوفر، وهو طالب في المدرسة الثانوية، انخرط في مشروع X-Ray، أصبح مصوراً سينمائياً ناجحاً في هوليوود، بينما واصل آدامز متابعة جهوده المستمرة طوال حياته لابتكار وسائل بديلة لإفادة الجمهور العام.
في عام 1946، وبدعم من الحكومة الأمريكية، قام آدامز من فوق متن طائرة بنثر حبيبات نباتية اصطناعية فوق محمية باباجو الهندية في جنوب أريزونا، كان هدفه زرع وتشجير المناطق المحترقة!