منذ مطلع ديسمبر/كانون الأول 2022، تشهد عدة محافظات في الأردن موجة احتجاجات متصاعدة وإضرابات، تركزت في جنوب المملكة ذي الصبغة العشائرية؛ بسبب قرار حكومي برفع أسعار المشتقات النفطية للمرة السابعة منذ بداية العام الجاري 2022، والسادس عشر منذ عامين.
وقد تدحرجت احتجاجات الأردن بدءاً من إضراب عام لأصحاب الشاحنات والنقل البري وصهاريج نقل المياه في محافظات الجنوب، خاصة معان، إلى مظاهرات وقطع طرق في العديد من المحافظات، إلى أن أعلن الإضراب العام في المحافظات الأربعة: الكرك والطفيلة ومعان والعقبة، اعتراضاً على رفع الأسعار.
ما مطالب المحتجين في الأردن؟
طالب المحتجون والمضربون بتراجع حكومة بشر الخصاونة عن أسعار المشتقات النفطية الجديدة، واستقالتها؛ إلى جانب رحيل مجلس النواب الذي يوصف بـ"العاجز" عن مواجهة القرارات والسياسات الاقتصادية والضريبية.
بينما شهدت الاحتجاجات حالات اشتباك بالحجارة بين محتجين في منطقة الحسينية التابعة لمحافظة معان التي تعاني فقراً مدقعاً منذ عقود، وقوات الأمن، تطورت بصورة غير متوقعة لمقتل نائب شرطة معان العقيد عبد الرزاق الدلابيح برصاص من وصفته السلطات الأمنية بـ"حامل الفكر التكفيري"، والذي قُتل في مداهمة أمنية لاحقة بعد أيام.
وامتدت مظاهر الاحتجاج إلى أحياء رئيسية في العاصمة عمّان والزرقاء وإربد، شملت حرق إطارات وقطع بعض الطرق، وقد عززت قوات الأمن الأردني مداخل المدن الجنوبية، لا سيما الكرك والحسينية وغيرها في أطراف العاصمة عمّان، كما حذرت السفارة الأمريكية في الأردن رعاياها من السفر الشخصي والرسمي إلى المحافظات الأربع في الجنوب، حتى إشعار آخر.
احتجاجات الأردن تتحدى الرهان على الحلول الأمنية فقط
يقول موقع أسباب المتخصص بالتحليلات الجيوسياسية، إن هذه الموجة من الاحتجاجات في مدن الجنوب الأردني تحديداً، تأتي ليس فقط كرد فعل لسياسات الحكومة الأردنية الاقتصادية الراهنة، ولكن كنتيجة متوقعة ضمن سياق هشاشة الأوضاع الاقتصادية التي تعاني منها المملكة منذ عقود، والتي فجرتها مؤخراً تداعيات فيروس كورونا الاقتصادية، وارتدادات الحرب الروسية على أوكرانيا، والارتفاع المضطرد بأسعار الطاقة ومعدلات التضخم عالمياً.
يبلغ تعداد سكان الأردن الإجمالي 11 مليون نسمة، حوالي نصفهم من الشباب بين 15-45 سنة، يعانون من ارتفاع مضطرد بنسب التضخم ومعدلات الفقر والبطالة؛ فبحسب دائرة الإحصاءات العامة الأردنية تبلغ نسبة البطالة في المملكة خلال العام الجاري 22.6%، فيما توضح تقديرات البنك الدولي أن معدل البطالة بين الشباب تتجاوز معدل 50٪.
ويعاني موظفو القطاع العام الأردني من تدني الرواتب وثباتها منذ حوالي 10 سنوات دون زيادة، ويقدر عدد العاملين في الجهاز الحكومي بحوالي 215 ألفاً يتقاضون رواتب سنوية بحوالي 5.7 مليار دولار تشكل ما نسبته 43% من حجم الموازنة العامة للدولة. وتقدر مؤسسات دولية، من بينها البنك الدولي، نسبة الفقر في الأردن لعام 2022 بأكثر من 27%، فيما أعلنت الحكومة أن هناك مليون أردني تحت خط الفقر في عام 2022.
يتوقع البنك الدولي، في تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية، ارتفاع الدين العام الأردني إلى الناتج المحلي الإجمالي تدريجياً من 115.6% في العام الحالي إلى 117.9% في عام 2024، حيث سجل الدين العام الأردني 29.16 مليار دينار (41 مليار دولار) خلال النصف الأول من 2022، منها دين داخلي يبلغ 13.89 مليار دينار، ودين خارجي يبلغ 15.26 مليار دينار، بحسب إحصاءات وزارة المالية، ومن المتوقع أن يرتفع إجمالي الدين إلى 50 مليار دولار نهاية 2022، أي نحو 116٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
اعتماد كبير على المساعدات الخارجية والضرائب
يعتمد اقتصاد الأردن الهش على حزمة مساعدات وتمويلات خارجية، تأتي بصورة رئيسية من الولايات المتحدة ودول خليجية، حيث تلقى الأردن مساعدة مالية سنوية من الولايات المتحدة بواقع 1.275 مليار دولار سنوياً في الفترة من 2018-2022، وتم توقيع مذكرة هذا العام بتعزيز هذه المساعدات بحيث تبلغ 1.45 مليار دولار سنوياً حتى نهاية عام 2029.
وخلال عام 2021، بلغت قيمة المساعدات الخارجية للمملكة 4.6 مليار دولار، تشمل منحاً وقروضاً ميسرة ومساعدات من البنك الدولي وخطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية بقيمة 667.4 مليون دولار.
من جهتها، أوفت 3 دول خليجية هي السعودية والإمارات والكويت بكامل حصصها من منحة خليجية قدمت للأردن مع انطلاق شرارة الربيع العربي، والتي أقرت في شهر ديسمبر/كانون الأول 2011، بقيمة 5 مليارات دولار لتمويل مشاريع تنموية متفق عليها، على مدى خمس سنوات.
وإلى جانب التمويلات الخارجية، تمثل الضرائب مصدراً رئيسياً للموازنة الأردنية؛ حيث توفر ما بين 70٪ إلى 80٪ من مجمل الواردات المحلية للخزينة العامة للدولة، وكشفت دائرة ضريبة الدخل والمبيعات الأردنية أن الإيرادات الضريبية المتحققة خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2021 زادت بنسبة 14%، وبلغت 3.57 مليار دينار (5.03 مليار دولار)، بينما تشير أرقام مجلس النواب إلى أن الحكومة وضعت ضمن بنود الموازنة العامة للدولة 2022 صافي أرباح ضريبية من بيع المشتقات النفطية فقط، تبلغ ملياراً و200 مليون دينار.
يعتمد الأردن أيضاً على تحويلات الأردنيين العاملين في الخارج لتوفير عملة أجنبية للاقتصاد المحلي، وقد بلغت تحويلات الأردنيين المغتربين إلى المملكة خلال عام 2022 أكثر من 2.25 مليار دولار، وهو أيضاً يمثل أحد جوانب الدعم الخليجي لاقتصاد البلاد كما يظهر في الاتفاقية مع قطر لاستقدام عمالة أردنية عقب انتهاء أزمة الحصار وإعادة تطبيع العلاقات.
انسحاق الطبقة الوسطى وارتفاع معدلات الهجرة
منذ أكثر من ثلاثة عقود فقد المجتمع الأردني مفهوم الطبقة الوسطى، وأصبحت الهجرة والبحث عن فرص عمل في الخارج سمة بارزة لدى غالبية الأردنيين، خاصة قطاع الشباب.
في الوقت الذي تضخم فيه القطاع العام وتقلصت غالبية موازنات المساعدات الحكومية للوزارات والمؤسسات الاجتماعية والرعاية الصحية، وهو ما ضرب العمود الفقري للواجهات الرئيسية التي كانت تعتمدها الدولة في استقطاب واسترضاء أبناء العشائر المحسوبين تاريخياً على قاعدة النظام الشعبية في مواجهة الخصوم والمعارضين، كما يقول موقع أسباب.
وتدفع الأوضاع الاقتصادية نحو غياب تدريجي لمفهوم الدولة الراعية والمستوعبة للحالة العشائرية والتي استمرت لعقود، ما ينبئ بتحولات مجتمعية جديدة قد تثير الاضطراب داخل جسد النظام ذاته، من خلال التأثير على معادلة التوافق الضمني بين أسرة الحكم الهاشمية والعشائر.
إلى أي مدى يمكن أن تتفاقم الاحتجاجات في الأردن؟
يقول "أسباب" إن آثار الاحتجاجات الحالية لن تتوقف عند تداعيات الأوضاع الاقتصادية المتأزمة، بل ستستدعي معها، في حال اتساعها واستمرارها، مضامين أخرى سياسية -خاصة أن سقف النقد طال شخص الملك- ستضع صانع القرار في المملكة أمام تحديات أوسع، وهو ما سيعزز من اعتماد الحكومة على سياسة العصا الأمنية دون غيرها، وسيبقي صانع القرار في الدولة متخوفاً من احتمالات تجددها مستقبلاً.
لكن على الرغم من الزخم الذي تحظى به الاحتجاجات طمعاً في تنازلات من الحكومة، إلا أن تطورها لمراحل أخرى تصعيدية، مثل العصيان المدني، ليس مرجحاً في المدى القريب؛ حيث لا تزال الأجهزة الأمنية تمسك بزمام الأمور، كما لا تزال الدولة ممسكة بخيارات قادرة على امتصاص حالة الغضب الشعبي المقتصرة حالياً على مطالب محددة مرتبطة بأسعار المحروقات.
في المقابل ستبقى الخشية حاضرة من تفاقم الاحتجاجات، أو احتمالية تجددها دائماً، مع الضغوط الاقتصادية الدولية، خاصة أن الدولة ستبقى بحاجة ماسة للالتزام بشروط صندوق النقد الدولي الداعية لرفع كلي عن كل أشكال الدعم الحكومي للمشتقات النفطية.
ونتيجة لذلك؛ وأمام ضعف فرص دعم الفقراء ورفع رواتب القطاع العام، فإن التوقعات تشير إلى أن المواجهة بين الدولة والشارع ستتكرر، وسيكون التضحية بالحكومة خياراً وارداً دائماً على أجندة الملك لاحتواء غضب الشارع، وسيواجه صانع القرار اختباراً صعباً بحال استمرت الاحتجاجات والإضرابات، دون برامج مساعدات إضافية "نوعية ومستدامة" من دول الحلفاء والأصدقاء.
ومع تمكّن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من تشكيل طاقم حكومته اليمينية، وما يترتب على ذلك من احتمالات تفجر الأوضاع في الضفة الغربية، سيكون الأردن أمام سيناريو أكثر تعقيداً إزاء انعكاسات هذا على جبهته الداخلية المستنفرة، نظراً لحساسية الوضع في الضفة على الجغرافية الأردنية، ومع هذا فإن الاستثمار الأمريكي الأمني في الأردن من المرجح أن يضمن للبلاد دعماً خارجياً إزاء هذه الاضطرابات لمنع انهيار الاستقرار المحلي.