في المراحل الأولى من الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة الأمريكية ترى أنّ الاتحاد السوفييتي والصين يعملان معاً كـ"وحش" شيوعي واحد، ما يهدد بتدمير أي شيء يقف في طريقهما، فقد كانت الصين والاتحاد السوفييتي تشتركان في قيم سياسية متشابهة، بل كانت الصين في بعض المحطات التاريخية أكثر انتماء للشيوعية من السوفييت، علاوة على أنّهما كانا حليفين خلال نزاعات متعددة.
قد تكون الصين وروسيا -وريثة الاتحاد السوفييتي بعد تفككه- جبهة موحدة اليوم، لكن قبل أكثر من 50 عاماً، وصلت العلاقات بين البلدين إلى أفق مسدود، كاد يؤدي إلى انخراط الصين والاتحاد السوفييتي في حرب نووية محتمَلة هددت بالقضاء على كلا البلدين.
ففي عام 1969، كاد الاتحاد السوفييتي والصين يخوضان حرباً نوويةً واسعة النطاق، فقد أدى تدهور العلاقات بين البلدين في الفترة ما بين 1950 و1969 إلى حدوث مناوشات مسلحة بين جيشي البلدين اللذين كانا قبل تلك الفترة أقوى الحلفاء، قبل أن يتطور الأمر إلى تهديد الاتحاد السوفييتي للصين بالسلاح النووي، من خلال استهداف برنامجها النووي الفتيّ حينها.
الصين والاتحاد السوفييتي.. حينما تحوّل الحلفاء إلى أعداء
تعود العلاقة بين روسيا والصين إلى القرن الـ17، عندما نشأ الصراع بعد سلالة تشينغ، التي حاولت إزالة المستوطنين الروس من منشوريا، قبل أن ينتهي ذلك التوتر بين البلدين بإبرام معاهدة نيرشينسك، التي فرضت قيوداً على توسع روسيا المستمر في الشرق.
خضع كلا البلدين لاضطرابات سياسية في أوائل عشرينيات القرن الماضي، تحت قيادة فلاديمير لينين، قام الاتحاد السوفييتي المشكل حديثاً بتفكيك بقايا النظام الملكي الروسي طوال عشرينيات القرن الماضي.
وفي الصين، تم تشكيل الحزب الشيوعي (CCP) من قبل الثوار الذين تحولوا إلى الماركسية بعد الثورة البلشفية الروسية، والذي تحالف مع حزب الكومينتانغ (KMT)، قبل أن يحلّ هذا التحالف بسبب الاضطرابات العنيفة التي حدثت في الصين.
خلال الفترة من 1934-1935، أصبح ماو تسي تونغ زعيماً للحزب الشيوعي الصيني، وهو اللقب الذي ظلّ يحتفظ به حتى وفاته عام 1976.
تدخل الاتحاد السوفييتي بقيادة جوزيف ستالين، والذي كان أقوى بكثيرٍ من الصين في العلاقات الصينية الداخلية، ومن أجل وقف التوتر بين الحزبين، من خلال إجبار ستالين ماو تسي تونغ على التعاون مع تشيانغ خلال الحرب الصينية اليابانية الثانية.
بعد انتهاء الصراع، استأنف الكومينتانغ والحزب الشيوعي الصيني حربهما على قيادة الصين، الأمر الذي أدى إلى تدهور العلاقة بين الصين والاتحاد السوفييتي، حيث اختارت الحكومة السوفييتية دعم تشيانغ على ماو.
فعندما فاز الحزب الشيوعي الصيني بالانتخابات، أمر ستالين مرة أخرى، ماو بالتعاون مع تشيانغ، بدلاً من الاستيلاء على السلطة، وهو تكتيك يتماشى مع معاهدة الصداقة والتحالف الصينية السوفييتية لعام 1945.
في عام 1949، هزم الحزب الشيوعي الصيني حزب الكومينتانغ، وقام بحلّ الحزب وطرد أعضائه خارج الصين، ليصبح ماو تسي تونغ زعيماً للبلاد، ويشرع في بناء دولة جديدة من خلال الثورة الشيوعية .
في عام 1950، وقع ماو وستالين معاهدة الصداقة والتحالف والمساعدة المتبادلة بين الصين والاتحاد السوفييتي، والتي بموجبها وفرت للصين حماية ومساعدة الاتحاد السوفييتي، في حالة وقوع هجوم أمريكي.
للخروج من العباءة السوفييتية، الصين تصبح دولة نووية
بحلول منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، كان الاتحاد السوفييتي والصين تكافحان لإيجاد أرضية مشتركة بشأن معتقداتهما الشيوعية والاستراتيجية التي يجب أن يتبناها البلدان لمواجهة أعدائهما في الغرب.
وفي الوقت الذي أرادت فيه الصين مواصلة موقفها العدواني تجاه الدول الإمبريالية، رأى الاتحاد السوفييتي إمكانية التعايش السلمي مع الولايات المتحدة، وهنا كان أوّل خيط في توتر العلاقات بين البلدين.
ومع تصاعد التوترات، سارع الطرفان للسيطرة على الدول "التابعة" على طول حدودهما المشتركة، استمر هذا الوضع طيلة عقد الخمسينيات، دون أن يطفو هذا الصراع الخفي بين الدولتين المتحالفتين إلى العلن.
لكن سرعان ما بدأ هذا الخلاف يبرز في العلن، ففي أبريل/نيسان 1960، انتقدت الصين علناً القادة السوفييت ووصفتهم بأنهم غير ثابتين على موقف، وأنهم اقتطعوا عدة مناطق من الأراضي الصينية، ردّ الاتحاد السوفييتي على ذلك بسحب الآلاف من المستشارين السوفييت من الصين وتعليق المساعدات المالية والعسكرية إلى بكين، ما دفع الصين إلى تحويل تركيزها أكثر نحو اكتساب القوة النووية.
وبالفعل نجحت الصين في أن تنضمّ سريعاً إلى القوى النووية، ففي عام 1964، فجرت الصين أول قنبلة نووي لها، لتصبح بذلك خامس دولة قادرة على خوض حرب نووية في ذلك الوقت، وهكذا خرجت الصين من العباءة السوفييتية.
الصراع الحدودي كاد يتحوّل إلى حرب نووية بين الصين والسوفييت
بحلول منتصف الستينيات من القرن الماضي، بدأت دوريات حرس الحدود السوفييتية في رصد الوجود العسكري الصيني المتزايد على طول الحدود الصينية السوفييتية، وبحلول عام 1968، كان هناك 375 ألف جندي سوفييتي يتمركزون على طول الحدود، إلى جانب 1200 طائرة و120 صاروخاً متوسط المدى، من جهتها وضعت الصين 1.5 مليون جندي على حدودها مع الاتحاد السوفييتي.
إلى جانب القدرات النووية الجديدة للصين والتصريحات العدائية المتزايدة بين البلدان، بدا أن الحرب بين الاتحاد السوفييتي والصين لا مفر منها.
بحسب warhistoryonline، وصلت التوترات إلى ذروتها في عام 1969 على طول نهر أوسوري، وهي منطقة حدودية في شمال شرق الصين تتكون من جزر صغيرة غير مأهولة والتي أصبحت العامل المغذي للنزاع الحدودي بين الصين والاتحاد السوفييتي.
حسب thechinaproject، يعود الصراع حول الحدود بين الصين والسوفييت إلى عام 1860، أين تمّ توقيع اتفاقية بكين، التي بموجبها عيّن نهر أوسوري حدوداً فاصلة بين الدولتين، كما أزالت الاتفاقية منشوريا من الصين وأعطتها لروسيا.
لذلك شرعت حكومة ماو في الهجوم الصيني على جزر أوسوري من خلال الادعاء بأن الاتفاقية فُرضت على الصينيين في القرن الـ19.
في 2 مارس/آذار 1969، نصبت القوات الصينية مجموعة من حرس الحدود السوفييت كميناً للقوات السوفييتية التي كانت تقوم بدوريات في جزيرة دامانسكي، أسفر الكمين عن مقتل 50 جندياً سوفييتياً
وفقاً لماو، كان الهدف من الهجوم تلقين السوفييت "درساً مريراً"، وردعهم عن أي عمل في المستقبل.
اعتقدت موسكو أن الهجوم كان مع سبق الإصرار، ما أثار غضب القيادة السوفييتية.
بعد 13 يوماً من الهجوم الصيني، انطلق البلدان في معركة من أجل جزيرة زينباو، هذه المرة بمزيد من الرجال والقوة النارية.
هاجم حرس الحدود السوفييتي القوات الصينية داخل وحول الجزيرة في 15 مارس/آذار، ما أسفر عن مقتل مئات الجنود الصينيين والسوفييتييتن، وذلك حسب nationalinterest.
استمرت الاشتباكات خلال فصلي الربيع والصيف، وبحلول أغسطس/آب، وسط تهديدات متصاعدة من السوفييت باستهداف البرنامج النووي الصيني الذي كان غير بعيدٍ عن الحدود السوفييتية، ولكن الصين لم تكثرت لتلك التهديدات، إلى أن أبلغ مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ريتشارد هيلمز الصحافة أن القيادة السوفييتية كانت تستفسر بتكتم مع الحكومات الأجنبية عن رأيها في توجيه ضربة نووية استباقية إلى الصين.
أثبت الإعلان للصينيين أن تهديدات الاتحاد السوفييتي كانت صحيحة، وأنّ عليهم الآن مواجهة احتمال نشوب حرب نووية.
أدركت الصين أنها لا يمكن أن تضاهي القوة السوفييتية النووية، خاصة أنّ هذه التهديدات، أتت جنباً إلى جنب مع التوترات المتزايدة في حرب فيتنام وإدارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، لتقرر بكين الجلوس على طاولة المفاوضات مع السوفييت.
وفي الأخير وافقت الصين على التوصل إلى اتفاق مع الاتحاد السوفييتي، ما أدى إلى إراحة احتمال نشوب حرب نووية بين البلدين.