يسعى نائب الرئيس الأمريكي السابق، مايك بنس، لمنافسة رب عمله السابق دونالد ترامب على بطاقة الترشح عن الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية، من خلال تقديم نفسه كنسخة مهذبة، أو مخففة، من ترامب دون أن يدخل في عداء معه، فهل يستطيع فعل ذلك؟
وشارك مايك بنس، نائب رئيس الولايات المتحدة السابق، في ندوة أقيمت بقاعة محاضرات "معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة" (AEI) في واشنطن الأسبوع الماضي.
وكانت هذه الندوة آخر محطات جولته المطوّلة التي تأتي في الظاهر ضمن حملة ترويجية لمذكراته التي حملت عنوان "فليساعدني الرب So help me God"، غير أنها تختبر، من جهة أخرى، آراء الناس في ترشحه لسباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2024، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
مايك بنس مسيحي متديّن يرفض إدانة دور ترامب في اقتحام الكونغرس
وسعى بنس، على مدار اللقاءات والندوات التي عقدها في المدة الماضية، إلى تقديم كتابه في صورة القصة التي تروي نشأته في بلدة صغيرة بولاية إنديانا، ورحلة إيمانه بيسوع المسيح، ثم زواجه "فتاة أحلامه". لكنه حرص في الوقت نفسه على السير بتوازن دقيق عند الحديث عن رئيسه السابق، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ساعياً إلى تقديم نفسه في صورة المرشح المتجاوز لترامب، والإشادة به لاكتساب جمهوره في الوقت نفسه.
ومع أن بنس دافع مراراً عن قراره بمقاومة ضغوط رئيسه ترامب لرفض الاعتراف بنتيجة انتخابات 2020 الرئاسية، فإنه لم يتقدم قط إلى حد إدانة ترامب، أو إعلانه خائناً لا يصلح لتولي منصب الرئاسة مرة أخرى.
وفي معرض الرد عن سؤال من وكالة The Associated Press عن العواقب التي يواجهها ترامب الآن لتحريضه على هجوم 6 يناير/كانون الثاني في مبنى الكابيتول الأمريكي، أجاب بنس: "الأمر يرجع للشعب الأمريكي.. لكني فخور بسجل إدارة ترامب".
ورداً على سؤال من برنامج Meet the Press على قناة NBC عما إذا كان ترامب قد ارتكب جرماً بإثارة التمرد على نتائج الانتخابات، أجاب: "حسناً، لا أدري إن كان الاستماع إلى نصائح سيئة من محامين يمكن وصفه بأنه جرم".
ولا يقبل تناول العشاء مع امرأة غير زوجته بينما صديقه ترامب متهم بالحرش بالنساء
وفي ندوة بثتها شبكة CNN، قال بنس: "أرى أنه كان شرفاً كبيراً لي أن أكون جزءاً من إدارة (ترامب وبنس)… حتى وإن لم تنتهِ إدارتنا نهاية جيدة في ختامها". وقال في لقاء مع شبكة CBS News: "افترقت أنا والرئيس [ترامب] افتراقاً ودياً، وأظن أن كلاً منا ستكون لديه خيارات أحسن في سياق التطلع إلى المستقبل".
في الندوة التي عقدها بنس بمعهد أبحاث السياسة العامة الأسبوع الماضي، اتَّبع مساراً مشابهاً، فقد سعى إلى بيان قبوله لإرث ترامب، مع الابتعاد عنه بقدرٍ ما في الوقت نفسه. والواقع أنهما لطالما كانا زوجاً غريباً: فواحد منهما ملياردير مشهور متهم بالتحرش الجنسي، والثاني حاكم متدين ينحدر من منطقة الغرب الأوسط ويرفض تناول العشاء وحده مع امرأة ليست زوجته.
لكن بنس زعم أنه على خلاف المتوقع تكونت رابطة وثيقة بينه وبين ترامب، "فالرئيس ترامب لم يكن رئيسي فقط، بل كان صديقي. وقد تكونت بيننا علاقة عمل وثيقة، وأعرف أن الناس يستغربون ذلك… إلا أن ذلك لا يعني أنه لم تكن بيننا اختلافات، وقد ذكرت بعضها في الكتاب، لكنني حين كنت في الإدارة رأيت دائماً أن الأولى بي أن أعبّر عن رأيي للرئيس على انفراد".
وأوضح بنس رأيه بالقول: "العلاقة بين الرئيس ونائبه علاقة فريدة من نوعها في جميع الإدارات الأمريكية، ولذلك لم أرغب قط في أن تقع جفوة بيني وبين الرئيس، فالولاء هو جوهر عمل نائب الرئيس، ولا يعلوه إلا الولاء للرب والدستور".
وقال بنس إن ترامب كان الوحيد القادر على هزيمة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في انتخابات عام 2016، وقد تبيَّن له ذلك بعد أن رأى الطريقة التي تواصل بها ترامب مع الناخبين في إنديانا [مسقط رأس بنس]، و"أثناء تجولي في مختلف الولايات الآن، يصارحني الناس بتوقهم للعودة إلى إنجازات إدارة (ترامب وبنس) في استقلال الطاقة، وزيادة الأجور، والتوظيف، والجيش، وتعيين القضاة المحافظين في المحاكم. لكنهم يقولون لي في الوقت نفسه إنهم يريدون قيادة قادرة على توحيد البلاد حول مثلنا العليا، وحل المشكلات طويلة الأجل. وأنا أرى أن كل شيء يبدأ بالكياسة والاحترام، فالديمقراطية تعتمد على قدر كبير من الكياسة في المقام الأول".
إنه نسخة مهذبة من ترامب
انطوت تلك التصريحات على انتقاد مبطَّن لما هو معروف عن ترامب من تصرفات مسيئة ومكائد وسياسات مثيرة للانقسام. ويستند بنس في ذلك إلى الآراء التي تقول إن الناس قد سئموا هذه التصرفات، ويبحثون عن نموذج هادئ في تسيير الأمور. ويبدو أن بنس يريد أن يقول إنه قادر على تقديم برنامج سياسي مماثل لبرنامج ترامب، لكن من دون العيوب والإساءات، أي باختصار: "نسخة مخففة من ترامب".
في غضون ذلك، أظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة Morning Consult هذا الأسبوع، أن بنس يحظى بتأييد 8% من الناخبين الجمهوريين المحتمَلة مشاركتهم في الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح الحزب، متخلفاً بذلك عن ترامب، الذي بلغت نسبة تأييده 49%؛ وحاكم ولاية فلوريدا، رون ديسانتس، بتأييد بلغت نسبته 31%؛ ومتقدماً على ليز تشيني وتيد كروز ونيكي هالي، بعد توقف نسبة تأييد كلٍّ منهم عند 2%.
يتطرق للقضايا الجدلية بكياسة
ويرى مايك مورفي، المستشار الاستراتيجي الجمهوري، إن دعوة بنس للعودة إلى خطاب سياسي أكثر تهذيباً يمكن أن تساعده في فصل نفسه عن ترامب ومقلديه، و"أكثر ما يميز بنس هو أنه لا يخشى التطرق إلى القضايا الحرجة أو المثيرة للجدل، لكنه يفعل ذلك بكياسة. وإذا ضايقه أحد، فلا يقول اركلوا مؤخراتهم كما يقول ترامب، وإنما يقول إن هذه حرية التعبير، وهي حرية مكفولة بالمادة الأولى من الدستور الأمريكي، لذا يمكنك الصراخ في وجهي إذا أردت ذلك".
ويتفق مع ذلك الرأي مايكل دانتونيو، المؤلف المشارك في كتاب "رئيس الظل: حقيقة مايك بنس The Shadow President: The Truth About Mike Pence": "أرى أنه يفكر أيضاً في دي سانتيس، الذي يتحرك في قاعدة شعبية مختلفة، فهو رجل بغيض بقدرٍ ما ويفتقر إلى التهذيب مثل ترامب، لذلك ربما يراهن بنس على ضيق الناس من كل ذلك، وأنا أظن أنه ليس رهاناً سيئاً، فالجميع قد سئم هذه التصرفات الكريهة، وإذا تمكن شخصٌ ما من إقناع الحزب الجمهوري في عمومه بأن لديه حل نهائي لكل ذلك، وعودة إلى ما كانت عليه الأمور في عام 2010، فسوف يقبلون عليه".
ولكن شعبيته مهدَّدة بسبب مواقفه من المثلية والإجهاض
مع ذلك، يرى دانتونيو أن "المشكلة الوحيدة هي تاريخ بنس الطويل في مناهضة الإجهاض وتشريعات الإجهاض الاختياري، وهو ما يصعِّب حصوله على تأييد نساء الضواحي والناخبين غير الإنجيليين في الانتخابات العامة، فضلاً عن أنه سيكون هدفاً رئيسياً لهجوم الحركات المؤيدة لحق اختيار الإجهاض. وما قد يستخدم ضده أيضاً تاريخه من العداء الطويل لمجموعات المثليين ومزدوجي التوجه الجنسي والمتحولين جنسياً على نحو أكثر تشدداً من ترامب نفسه، وهي أمور مسجلة، ولا يمكنه إنكارها".
والواقع أن بنس قد تناله الانتقادات من الجانبين، فالقاعدة الشعبية لترامب قد لا تسامحه أبداً على رفضه مساندة الرئيس في محاولة الانقلاب على انتخابات 2020، وهو أمر تشير إليه صرخات "اشنقوا مايك بنس!" بين المقتحمين لمبنى الكابيتول والانتقادات التي وجهت إليه فيما بعد؛ ومن جهة أخرى، فإن الديمقراطيين قد يستمرون في رؤيته بوصفه التابع الأعمى لترامب، فهو الرجل المخلص والمتملق الذي دافع عن ترامب في كل أزمة وواجه عنه كل انتقاد، ولم يخالفه إلا في النهاية وعلى مضض، ثم صار يزعم "البطولة" لنفسه بعد حادثة اقتحام الكونغرس في 6 يناير/كانون الثاني 2020.
قال أنتجوان سيرايت، المستشار الاستراتيجي الديمقراطي: "أبرز عقبة أمام بنس هي فصل نفسه عن التبعية لترامب. فأي منافس ذكي في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري سينتقده في كل فرصة بالتبعية لترامب. ومن ثم فهو لا يمكنه أن يقدّم نفسه بديلاً لترامب، مهما فعل، لأن هناك مرشحين آخرين يختلفون عن ترامب في أشياء كثيرة".