يعتبر قميص الأرجنتين باللونين الأزرق والأبيض أحد أكثر الأطقم الرياضية شهرة في تاريخ كرة القدم، فقد ارتداه العديد من أساطير اللعبة، من دي ستيفانو إلى كيمبس، ثمّ مارادونا وأخيراً ميسي، وما يميّز الطقم الأرجنتيني ألوانه المميزة بالأبيض والأزرق الباهت، فما السبب وراء ارتداء المنتخب الأرجنتيني اللونين الأزرق والأبيض؟
اللون الأزرق لون النبلاء والأباطرة والسيدة مريم عند الإمبراطورية البيزنطية
في عهد الإمبراطورية البيزنطية، التي حكمت النصف الشرقي من أوروبا بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية في روما، كان اللون الأزرق يعتبر اللون المفضّل لطبقة النبلاء والأباطرة، لذا فقد كان حينها باهظ الثمن، وهو ما جلب له مكانة اجتماعية كبيرة، وأصبح يرمز إلى العظمة.
من جهة ثانية، كانت الإمبراطورية البيزنطية متأثرة جداً بالأرثوذكسية المسيحية، كما كانت الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية الحديثة لا تزال ثاني أكبر كنيسة مسيحية في العالم، وكان حينها الفنّ مرتبطاً بالدين.
تم استخدام اللون الأزرق على نطاق واسع في الفن الديني، فقد كان اللون الأزرق، حسب الفنانين في أوروبا خلال العصور الوسطى، يرمز إلى النقاء، ويعتبر لون السيدة العذراء.
وعلى هذا الأساس، صورت لوحات للسيدة مريم العذراء طوال القرن الخامس، وهي ترتدي أردية زرقاء.
سرعان ما أصبح استخدام اللون الأزرق لملابس السيدة مريم العذراء جزءاً أساسياً من التقاليد الفنية والدينية.
في عصر النهضة، كان الفنانون يستخدمون "اللازورد"، الذي جاء من مناجم في أفغانستان، وكان أغلى ثمناً من الذهب، من أجل رسم طلاء أرديتها.
تشارلز الثالث يرتدي الأزرق، ونابليون يعزل حفيده
خلال القرن الـ18، كان تشارلز الثالث ملكاً على إسبانيا، والتي كانت حينها الأرجنتين تابعةً لها، وبالتالي كان تشارلز الثالث ملكاً على الأرجنتين، وكان ابنه ووريث عرشه تشارلز ينتظر ولداً له، وهو ما تأتى له بعد خمس سنواتٍ من زواجه.
خلال تلك السنوات دعى تشارلز الثالث كثيراً السيدة مريم أن ينجب ابنه طفلاً، لذلك، اختار تشارلز اللون الأزرق لون السيدة مريم ودمجه باللون الأبيض، وارتداه وشاحاً، احتفالاً بولادة ابنه.
وبدلاً من اللون الأزرق الملكي الأكثر استخداماً في لوحات مريم العذراء، اختار تشارلز لوناً أزرق أكثر شحوباً، تم استخدامه في اللوحة التي كلّف الرسام جيوفاني باتيستا تيبولو في عام 1767 برسمها له.
في عام 1808، بدأ نابليون يشق طريقه عبر أوروبا، وأجبر الملك فرديناند السابع (حفيد تشارلز الثالث) على التنازل عن العرش للفرنسيين، وذلك بعد أن سمّى شقيقه جوزيف بونابرت ملكاً على إسبانيا، وهو الأمر الذي أثار العديد من الثورات ليس في إسبانيا فقط، ولكن حتى في الأرجنتين.
ولإثبات ولائهم لملكهم فرديناند السابع حفيد الملك تشارلز الثالث، قام المتظاهرون الإسبان والأرجنتين بارتداء ألوان وسام تشارلز الثالث؛ الأزرق الباهت والأبيض.
الثوار الأرجنتينيون يستوردون الأزرق والأبيض من إسبانيا
في عام 1812، وسط حرب الاستقلال الأرجنتينية التي اندلعت عام 1810، استورد زعيم المقاومة مانويل بيلغرانو تلك الفكرة، للمساعدة في تمييز القوى الثورية الأرجنتينية عن الملكيين.
تم إنشاء الكوكاد الأرجنتيني، والذي كان عبارة عن شريط أزرق باهت وأبيض.
بعدها تبنت الحكومة الثورية الأرجنتينية رسمياً الكوكاد، وبعد ذلك صمّم العلم الأرجنتيني الذي تم اعتماده رسمياً في عام 1816 باللون الأزرق الباهت والأبيض، ثمّ أضيفت له الشمس المزخرفة بين الخطين الأزرقين بعد ذلك بعامين.
ثم جاءت كرة القدم إلى الأرجنتين في ثمانينيات القرن الـ19 عن طريق عمال السكك الحديدية البريطانيين الذين مروا بها.
في عام 1891، تم تشكيل أول دوري كرة قدم أرجنتيني، وبعده بعامين تمّ تأسيس أول اتحاد كرة قدم أرجنتيني.
وعندما ظهر المنتخب الأرجنتيني لأول مرة في عام 1902، ارتدى لاعبوه طقماً باللون الأزرق بالكامل، في مباراة تكررت عدة مرات، بما في ذلك أول نهائي لكأس العالم، حيث واجهوا الأوروغواي.
ولكن بعد ست سنوات، واجهت الأرجنتين فريق كل النجوم من الدوري البرازيلي، وفعلت ذلك مرتدية قميصاً باللون الأبيض وخطوط باللون الأزرق الباهت، ومنذ ذلك الحين صار اللون الأزرق الباهت والأبيض الطقم الرئيس للتانغو، بينما تحوّل طقم الأزرق الكامل إلى لباسٍ احتياطي.