لا يكاد يمر عام على الأردن دون أزمة يكون سببها اقتصادياً، لا سيما أن المملكة تقع في مكان جيوسياسي جعل منها واجهة لتلقي ويلات وتداعيات أزمات تحيط بها. على الرغم من ذلك، فإن الأردن المأزوم اقتصادياً استطاع خلال السنوات الماضية أن يحافظ على استقراره قدر الإمكان وسط محيط ملتهب، إلا أن ذلك لم يشفع له، بل شهد دعمه تراجعاً ملحوظاً، واقتصر على قروض لم تجنبه تداعيات الأزمات.
الدعم الخارجي يتراجع والاحتجاجات تتوسع.. ما الذي يحدث في الأردن؟
يحاول الأردن أن يعوض نقص دعمه الخارجي عبر إجراءات حكومية لا يقبلها الشعب، ومنها "المشتقات النفطية" التي شهدت ارتفاعاً كبيراً أدى إلى حدوث إضراب قطاع النقل في 5 ديسمبر/كانون الأول 2022، وما نتج عنه من تطورات و إضرابات واحتجاجات في عدة محافظات، أسفرت عن مقتل 4 من رجال الأمن، ومشتبه به في قتل واحد منهم في محافظة معان جنوب البلاد، يوم الإثنين 19 ديسمبر 2022.
ويعاني الأردن من أوضاع اقتصادية صعبة للغاية فاقمتها الديون الخارجية، التي تجاوزت 50 مليار دولار وتداعيات جائحة كورونا، ثم ازدادت حدة تلك المصاعب مع اندلاع حرب روسيا في أوكرانيا وما تسببت فيه من ارتفاعات كبيرة في أسعار النفط.
وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، شهد الأردن موجات احتجاجية متعددة بسبب غلاء أسعار السلع الأساسية، لكن الأمور هذه المرة تبدو أوسع وأشمل من المرات السابقة، وخصوصاً بعد وقوع ضحايا، مما يثير تساؤلات بشأن الاتجاه الذي تسير فيه الأوضاع المضطربة في المملكة حالياً.
يقول المحلل الاقتصادي مازن مرجي لوكالة الأناضول، إن "المساعدات التي كان يتلقاها الأردن كمنح، إن كانت من الدول العربية وخاصة الخليج، أو من الاتحاد الأوروبي ودوله، إضافة إلى الولايات المتحدة وكندا واليابان، كانت تشكل ركيزةً أساسيةً لدعم الموازنة الحكومية السنوية".
لكن حالياً هناك تراجع كبير بالمساعدات الموصوفة بالمنح، وأصبحت قليلة جداً منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، "كما أن بعض الدول المانحة خفضت مساعداتها للأردن بشكل كبير لأسباب ودوافع سياسية خاصة بها، ولا ترتبط بقدرة تلك الدول أو عدمها على مساعدة الأردن" يضيف مرجي.
ضغوط سياسية وابتزاز اقتصادي
يرى المحلل الأردني أن "بعض الدول تحاول الضغط على الأردن بسبب مواقفه السياسية من قضايا معينة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وما يسمى صفقة القرن التي تسعى لرفع يد المملكة عن وصايتها على الأماكن المقدسة فيها".
ولفت إلى أن "تراجع أدوار الأردن المحورية بالمنطقة، وتمثيله سابقاً عن دول عظمى، وخاصة الولايات المتحدة، دفع بدول مانحة لتقليص وتخفيض مساعداتها بما يتناسب مع الدور المفترض للأردن"، حسب تعبيره.
وأضاف: "الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تُقدم للأردن مساعدات كبيرة للموازنة، ورغم ذلك فإن العجز مستمر، وسابقاً كان يُغطى من المساعدات الأخرى للدول، إلا أن مساعدات تلك الدول تحولت إلى برامج لا تسمن ولا تغني من جوع، وهو ما فاقم الوضع الاقتصادي".
يتوقع مرجي استمرار المصاعب الحكومية بالأردن للعام القادم 2023، مرجعاً سبب ذلك إلى "استمرار التوسع بالإنفاق ما بين 9 إلى 10 بالمئة، وعجز بالموازنة 2.6 مليار دينار (3.6 مليار دولار)، ونسب نمو متدنية لا تزيد على 2.6٪، وبطالة نسبتها 22.6٪، وفقر نسبته 22٪".
وحسب ما تبرر الحكومة، لا يستطيع الأردن حل تلك المشكلة إلا باللجوء نحو الاقتراض الخارجي والداخلي، وهو ما أدى إلى ارتفاع قيمة المديونية إلى 50 مليار دولار، وبما نسبته 116٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
تآكل حقوق الإنسان في الأردن
من جهته، يرى محمد بني سلامة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك (حكومية)، أن أسباب تراجع الدعم الدولي للأردن إلى عوامل تخص بالشأن الداخلي، وأخرى خارجية تتعلق بالدول المانحة.
وفي توضيحه لذلك، بين للأناضول أنه "على الصعيد الداخلي، هناك تراجع بالمسيرة الديمقراطية وحقوق الإنسان في الأردن على النحو الذي وثقته تقارير المنظمات الدولية المعنية بذلك، والتي صنفته كدولة غير حرة وغير ديمقراطية".
وأضاف بني سلامة، وهو خبير دولي بدراسات الديمقراطية وحقوق الإنسان، أن "كثيراً من الدول المانحة تربط المساعدات التي تقدمها بالتحسن في ملفات حقوق الإنسان والديمقراطية".
أما فيما يتعلق بالدول المانحة، فقد عزا تراجع دعمها للأردن إلى "ظروفه الداخلية والأعباء الاقتصادية التي ترتبت عليها"، بسبب أزماته المختلفة وخاصة فيروس كورونا.
وحثّ بني سلامة بلاده على ألا تُعوّل كثيراً على المساعدات الخارجية؛ لأنها "مشروطة دائماً، وربما يأتي يوم تتوقف فيه بشكل كلي، وعليه أن يكيّف نفسه للتعامل مع هذه المستجدات على المدى البعيد".
وشهد الأردن خلال الأيام الماضية احتجاجات واسعة لا تزال مستمرة، جاءت تطوراً لإضراب في قطاع النقل، حيث طالب منفذوه بـ "خفض أسعار المشتقات النفطية" التي سجلت ارتفاعات كبيرة خلال العام الجاري.