يُخيم القلق على المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في ظل تنامي ظاهرة الرافضين لأداء التجنيد الإجباري في إسرائيل، لما لهذا الأمر من تداعيات خطيرة على الجيش، الذي يعاني من الأساس من أزمة ثقة بينه وبين الشارع الإسرائيلي.
ووصف وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، أزمة عزوف المواطنين الإسرائيليين عن التجنيد الإجباري بـ"التهديد الأكبر للمناعة الداخلية الذي تواجهه دولة إسرائيل".
من جهته، اعتبر رئيس الأركان السابق، غادي آيزنكوت، أن رفض التجنيد هو تهديد للحصانة الوطنية للمجتمع الإسرائيلي، لأن الدولة ستصل لمرحلة معينة لن يكون بمقدورها مواجهة التحديات الأمنية التي تتعاظم عاماً بعد عام.
أزمة التجنيد.. أرقام مقلقة في إسرائيل
كشف تقرير للمعهد الإسرائيلي للديمقراطية أن نسبة التجنيد في الجيش الإسرائيلي تراجعت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، فخلال سنة 2022 وفقاً لآيزنكوت، فقد وصلت نسبة التجنيد لما دون 48% من إجمالي سكان إسرائيل.
فمنذ العام 1999 وصلت نسبة التجنيد في الجيش إلى 71% من إجمالي اليهود في إسرائيل، و57% من مجمل السكان، وفي العام 2019 تراجعت إلى 62% لليهود، و50% من إجمالي السكان.
بموازاة ذلك، أشار تقرير لمراقب الدولة إلى أنه في 2018 سجلت نسبة الإعفاء من الخدمة الإجبارية 7.9%، وفي 2020 وصلت 11%، ومن المتوقع أن تزداد في 2023 لـ13%.
التقرير نفسه أشار إلى أن هذه الأرقام ستفرض على قيادة الأركان في الجيش الإسرائيلي تحدياً مركزياً، وهو أزمة نقص الكادر البشري في صفوف قواته مستقبلاً.
الأزمة السياسية لها تأثيرها
نشر الكاتب الإسرائيلي أورين زيف مقالاً في موقع "محادثة محلية" أشار من خلاله إلى أن مصطلح التمرد والعصيان تردد صداه في الأسابيع الأخيرة من أفواه كبار السياسيين ممن هم على رأس الحكم في إسرائيل (في إشارة لدعوة رئيس الوزراء الحالي يائير لابيد لمقاطعة حكومة نتنياهو المرتقبة).
وقال الكاتب في المقال إن الإحجام عن أداء الخدمة الإجبارية في الجيش يُشكل ذروة العصيان الذي يدعو له لابيد، فعند النظر إلى ظاهرة رفض الخدمة في الجيش كان في السابق يمثل تحدياً هامشياً، ولكنه الآن قد يدخل مرحلة خطيرة.
يشير كاتب المقال إلى أنه منذ الإعلان عن فوز اليمين في انتخابات الكنيست الأخيرة، تضاعفت أعداد المنتسبين للمنظمات التي تدعو لمقاطعة أداء الخدمة في الجيش.
والسبب حسب المتحدث هو أن بن غفير وسموتريتش هما من سيقودان السياسة الأمنية والعسكرية لإسرائيل في السنوات القادمة، وهو مبدأ ما يرفضه قطاع واسع من الإسرائيليين، وتحديداً من جمهور العلمانيين، الذي يشكل نحو ثلث المجتمع الإسرائيلي.
وكان لابيد قد قال في حشد أمام مؤيديه: "لسنا هنا فقط (يقصد العلمانيين) لدفع الضرائب وإرسال أولادنا إلى الجيش، سنقاتل من أجل بلدنا، ولن نخاف من أحد".
فيما كشفت عيران فاردي، المنسقة في منظمة "الرفض" اليسارية، أنه بعد جولة الانتخابات الأخيرة تلقت المنظمة المزيد من الاستفسارات من أولياء الأمور، يعبرون من خلالها عن قلقهم من التحاق أبنائهم بالجيش في ظل وجود الثنائي بن غفير وسموتريتش على رأس المؤسسة الأمنية والعسكرية في إسرائيل.
تهديد لعمل وحدات الجيش
قال الجنرال يتسحاق بريك، قائد الكليات العسكرية الأسبق، إن اتساع دائرة الرافضين لأداء الخدمة في الجيش سيتسبب في خلق فجوات لا يمكن سدها أو تعويضها بين القوات العاملة على الأقل خلال السنوات القليلة القادمة.
وأضاف المتحدث أن ما يدعو للقلق أن سلاح الجو إحدى أهم الوحدات القتالية في الجيش سيكون على موعد مع كارثة خلال العامين 2025-2026، حينما يفقد 55% من كادره البشري من العاملين في اختصاصات الدعم اللوجستي.
ويقدر عدد هؤلاء العاملين في هذا الاختصاص بنحو 700 فني، وهم من تخصصات متنوعة أبرزها ميكانيكا الطائرات ومراقبو وحدات التحكم وفنيو الأنظمة الخاصة ومخططو المهام وغيرها.
وقال المتحدث: "بالنظر للعاملين في هذا القطاع، فإن الجيش حتى اللحظة لم يقم بتأهيل الأفراد الجدد الذين سيعوضون المقاتلين الحاليين في هذا التخصص بعد تقاعدهم، وبالتالي سيكون لدينا ضباط غير مؤهلين وعديمو الخبرة".
كما سيؤدي الواقع الجديد إلى كوارث عملياتية حينما يتم استدعاء سلاح الطيران للقيام بمهام خارج الحدود كقصف المنشآت العسكرية والمواقع التي تشكل تهديداً على الأمن الإسرائيلي.
طلب متزايد على جنود الاحتياط
كشفت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية أن رئيس نقابة جنود الاحتياط العقيد أوفير كوهين بعث برسالة لوزير الجيش بيني غانتس ورئيس الأركان أفيف كوخافي، كتب فيها أن قيادة الجيش أنهكت قوات الاحتياط.
وأضافت الهيئة أن قيادة الجيش تقوم باستدعاء الاحتياطي بوتيرة متزايدة، كما أن مقدار الوقت الذي يمر بين الاستدعاءات أصبح قصيراً، وهذا يخالف الأعراف العسكرية المتبعة في الجيش الإسرائيلي.
ويأتي الكشف عن هذا الاحتجاج غير الاعتيادي، بعد أيام من تحذير غانتس حينما سجل اعتراضه على تعديل صلاحيات بن غفير لتشمل سيطرته على شرطة حرس الحدود ونقلها من قيادة الجيش لوزير الأمن القومي المرتقب إيتمار بن غفير.
وجاء في التحذير الذي أطلقه غانتس: عندما لا تكون قوة حرس الحدود متاحة تحت إمرة قائد القيادة الوسطى للجيش، أو عندما تتلقى قوات حرس الحدود أمراً للعمل في المنطقة، خلافاً لاحتياج الجيش، ستحدث فوضى أمنية.
ووفقاً لاتفاق الائتلاف الحكومي الذي عقده بنيامين نتنياهو وزعيم حزب عوتسما يهوديت الذي يتزعمه إيتمار بن غفير، ستنقل صلاحيات إدارة شرطة حرس الحدود من قائد الجيش إلى وزير الأمن القومي.
وبالتالي سيكون بن غفير، الذي سيتولى وزارة الأمن القومي، مسؤولاً مباشراً على 20 كتيبة عسكرية من قوات شرطة حرس الحدود قوامها نحو 2000 جندي.