قالت صحيفة The Guardian البريطانية في تقرير نشرته، الإثنين 12 ديسمبر/كانون الأول 2022، إن باحثين توصلوا إلى اكتشاف علمي جديد ضمن مساعيهم للوصول إلى مصدر طاقة "نظيفة، وآمنة، وبلا حدود تقريباً". حيث نجحوا في استخراج كمية طاقة أكبر من تلك التي أضافوها إلى تفاعل الاندماج النووي.
تعتمد فكرة الاندماج النووي على دمج العناصر الخفيفة مثل الهيدروجين لتشكيل عناصر أثقل، مما يؤدي لإطلاق دفعة طاقة هائلة في العملية. وتستخدم الشمس والنجوم الأخرى هذا التفاعل لتوليد الحرارة والضوء، كما يرى فيه العلماء فرصة كبيرة لمنحنا مصدر طاقة مستدامة ومنخفضة الكربون.
مع ذلك، عجز الباحثون عن إثبات تفاعل الطاقة المكتسبة الإيجابية -أو ما يُعرف بالاشتعال الاندماجي- منذ بدء أبحاث الاندماج النووي في الخمسينيات.
علماء ينجحون في توليد طاقة بطريقة جديدة
لكن يبدو أن الوضع تغير اليوم، حيث ذكر تقرير صحيفة Financial Times البريطانية أن الباحثين تمكنوا من توليد طاقة بمقدار 2.5 ميجا جول، بعد استخدام 2.1 ميجا جول فقط لتسخين الوقود بالليزر. ولا يزال الجميع في انتظار تأكيد المعلومات الواردة في تقرير الصحيفة بواسطة منشأة الإشعال الوطنية في مختبر لورانس ليفرمور الوطني بولاية كاليفورنيا، وهي الجهة التي أجرت البحث.
في المقابل، فقد شارك في البحث الدكتور روبي سكوت، عضو مجموعة فيزياء البلازما في منشأة الليزر المركزية التابعة لمجلس منشآت العلوم والتكنولوجيا. ووصف سكوت النتائج بأنها "إنجاز بالغ الأهمية".
حيث قال: "يتمتع تفاعل الاندماج بالقدرة على توفير مصدر آمن، ونظيف، وبلا حدود تقريباً للطاقة، من أجل إمداد محطات الحمل الأساسي الخالية من الكربون. ولا شك أن هذه النتيجة الأساسية التي حصلت عليها منشأة الإشعال الوطنية تُمثل أول برهان مختبري على (اكتساب الطاقة) من تفاعلات الاندماج، وهو ما يحدث عندما يكون ناتج الطاقة الاندماجية أكبر من مدخلات الطاقة بأشعة الليزر. وأثبتت التجربة بما لا يدع مجالاً للشك أن فيزياء الاندماج بالليزر قابلة للتطبيق. ولا نزال بحاجةٍ للكثير من العمل من أجل تحويل النتائج التي توصلت إليها المنشأة إلى وسيلة لإنتاج الطاقة، لكنها تظل خطوة أساسية على الطريق".
يوافقه الرأي الأستاذ جيريمي شيتيندين، أستاذ فيزياء البلازما في كلية لندن الإمبراطورية. حيث قال شيتيندين: "لو كان ما أورده التقرير حقيقياً وشهدنا بالفعل توليد طاقة أكبر من تلك المستخدمة لإنتاج البلازما، فلا شك أننا أمام اختراق علمي حقيقي يثير الحماس بشدة".
التجربة في طور التقييم
لكن الخبراء شددوا على أن هذه التقنية لا تزال بعيدةً عن أن تصبح من الدعائم الأساسية لمجال الطاقة، حتى وإن كانت النتائج المذكورة تمثل إثباتاً مهماً للمبدأ. إذ إن الطاقة المكتسبة بمقدار 0.4 ميجاجول في التجربة تعادل نحو 0.1 كيلوواط/ساعة، وهي كمية تكفي بالكاد لتشغيل غلاية كهربائية.
أوضح شيتيندين: "نحتاج إلى تعزيز الطاقة المكتسبة أكثر من أجل تحويل الاندماج إلى مصدرٍ للطاقة. وسنحتاج كذلك للعثور على سبل لإعادة إنتاج التأثير نفسه بوتيرةٍ أكثر تكرارية، وبتكلفة أقل بكثير، حتى نتمكن واقعياً من تحويل هذه الآلية إلى محطةٍ لتوليد الطاقة".
لكن شيتيندين أكد أن تجربة منشأة الإشعال الوطنية جرى تصميمها للإثبات العلمي، وليس من أجل بناء محطة طاقة. وأردف: "لم تكن كفاءة تحويل الطاقة الكهربائية إلى طاقة ليزر من العوامل المهمة في تصميم التجربة. حيث تُثبت تجارب المنشأة صحة عملية الاشتعال علمياً، وكيف تؤدي لطاقة مكتسبة عالية من الاندماج. لكن تحويل تلك التجارب إلى محطة طاقة يتطلب منا تطوير نماذج أبسط لتحقيق تلك الظروف. ويجب أن تكون تلك النماذج أكثر كفاءة وأرخص تكلفة، حتى يتحقق حلم الاندماج بالقصور الذاتي في صورة مصدر للطاقة الاندماجية".