كشفت مصادر نقابية لـ"عربي بوست" أن الاتحاد العام التونسي للشغل سينظم تحركاً احتجاجياً من المرجح أن يكون تجمّعاً مفتوحاً ويعني كل المواطنين، وسيكون موجهاً أساساً للتنديد بغلاء المعيشة وارتفاع الأسعار.
وأضافت المصادر نفسها أن الاتحاد العام التونسي للشغل سيعقد اجتماعاً لهيئته الإدارية الوطنية قبل نهاية ديسمبر/كانون الثاني 2022، لتحديد التحركات التي سيواجه بها "تنازلات الحكومة لصندوق النقد الدولي مقابل حصولها على قرض".
وأشار المصدر نفسه، إلى أن النقابة الأكثر قوة في تونس لا تلجأ لعقد هيئة إدارية وطنية إلا في حال كان الوضع خطيراً نوعاً ما، ويتطلّب قرارات قوية، كالإضراب العام الذي أقرته الهيئة الإدارية لاتحاد الشغل في وقت سابق.
وعاد الاتحاد العام التونسي للشغل بعد هدنة تلت اتفاقه، يوم 15 سبتمبر/أيلول، مع الحكومة للزيادة في الأجور، إلى مواجهة السلطة التنفيذية التي تُمثلها هيئة الرئاسة، متهماً إياها بكونها السبب في تدهور الأوضاع لدى التونسيين.
لماذا انقلب الاتحاد على الرئيس؟
اختار نور الدين الطبوبي، رئيس الاتحاد التونسي للشغل ذكرى وفاة مؤسس المنظمة فرحات حشاد لمهاجمة الرئيس قيس سعيّد وحكومته، وطالب بضرورة إجراء تعديل وزاري وتحمل مسؤولية ما بعد يوليوز/تموز 2021.
عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل محمد الشابي أوضح أن سبب عودة التوتر بين الاتحاد والحكومة يتمثل في اعتمادها أسلوب التحايل في تفعيل اتفاق 15 سبتمبر/أيلول 2022.
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن الحكومة فعلاً التزمت بتنقيح المنشور 20 (يمنع الحكومة من التفاوض مع النقابات قبل الحصول على ترخيص من رئاسة الحكومة)، ولكنها حافظت على فلسفته التي تضرب العمل النقابي.
وكانت رئيسة الحكومة نجلاء بودن قد أصدرت منشوراً جديداً (عدد 21) عوض المنشور 20، حدّدت من خلاله طريقة تفاوض الوزراء وكتاب الدولة والمديرين العامين للمؤسسات والمنشآت العمومية مع الطرف النقابي.
أيضاً من بين أهم أسباب عودة التوتر بين اتحاد الشغل وقيس سعيّد وحكومته هو الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والبرنامج الإصلاحي الذي قدمته الحكومة مقابل حصولها على قرض ممدد بقيمة 1.9 مليار دولار تصرف على امتداد 48 شهراً.
ويطالب الاتحاد بالكشف عن النقاط التي تضمنها البرنامج الإصلاحي الذي قدمته الحكومة لصندوق النقد الدولي، لكنه يعتبر أن الأكيد هو التعهد برفع الدعم عن المحروقات والطاقة والمواد الأساسية والتفويت في المؤسسات العمومية.
المختصّ في الشأن السياسي حسان العيادي اعتبر، في حديث مع "عربي بوست"، أن تفاعل النقابيين في تونس مع كلمة نور الدين الطبوبي شكّل صورة واضحة، وهي أن الاتحاد قرر مواجهة مباشرة مع رئاسة الجمهورية دون حاجة إلى واجهة الحكومة.
وأشار العيادي إلى أن كلمة الأمين العام حملت انتقاداً صريحاً للمسار السياسي لقيس سعيّد، والبداية كانت بالانتخابات التشريعية التي وصفها الطبوبي بأنها "بلا لَون وبلا طعم، وذلك لأن كل الخطوات السابقة كانت خاطئة".
ورأى المتحدث أن كلمة الطبوبي كانت إعلاناً صريحاً بأن الهدنة مع الرئاسة قد انتهت، وحمّل قصر قرطاج مسؤولية تدهور كل المؤشرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وأضاف المحلل السياسي التونسي أنه "بعد أشهر من التحفظ ومحاولة إيجاد أرضية مشتركة مع الرئاسة، وجد الاتحاد نفسه يُعلن بصراحة أن المسؤولية الكاملة عما يحدث اليوم تقع على الرئيس ولا أحد غيره".
وأشار إلى أن المنعرج لا يقف عند إعلان الرئيس مسؤولاً عن الأزمة الراهنة، بل بإعلان الاتحاد على لسان أمينه العام أنه يطرح مساراً للإنقاذ لن يكون بهدف العودة إلى ما قبل 25 يوليو/تموز، الذي كان في تقييم الطبوبي مليئاً بالكوارث والأخطاء.
من جهته اعتبر المحلل السياسي نزار مقني في حديثه مع "عربي بوست" أن العلاقة بين اتحاد الشغل والحكومة أصبحت سيئة، خاصة مع حالة الشد والجذب فيما يتعلق بالملفات الاقتصادية، وخصوصاً الاجتماعية.
كما تطرّق مقني إلى الجانب السياسي وما ترى فيه المنظمة الشغيلة أن القرار التونسي أصبح يطبخ لدى صندوق النقد في واشنطن، وهذا ما يجعل الاتحاد، في تقديره، على مساحة واحدة من معارضي مسار 25 يوليو/تموز والمقاطعين له.
إطلاق يد النقابات وجس النبض
خلال الفترة الأخيرة، عاد عدد من النقابات القوية في تونس والمنضوية تحت لواء الاتحاد العام التونسي للشغل إلى التحرك وتنفيذ احتجاجات مختلفة الصيغ في جميع أنحاء البلاد.
فمثلاً قررت نقابتا التعليم الأساسي والثانوي، وهما أكثر النقابات ثقلاً في اتحاد حجب نتائج الاختبارات عن الإدارة، (لكن ستعيدها للتلاميذ والأولياء)، في مقابل مطالب مادية ومهنية.
هذا الأمر سيمنع وزارة التربية من احتساب معدلات تلاميذ التعليم الأساسي والثانوي إلا في حال استجابت لمطالب النقابتين، والتي تصب أساساً في خانة تحسين الوضع المادي للمعلمين والأساتذة.
لكن يبقى قطاع النقل العمومي وتحركاته هو الورقة الأكثر إزعاجاً للسلطة، ففي أكتوبر/تشرين الأول 2022 قررت نقابة النقل تنفيذ إضراب عام في كامل البلاد، وفوضت للمركزية النقابية للاتحاد العام التونسي للشغل لتحديد تاريخ تنفيذه.
وخلال الأيام الأخيرة، ومع ظهور مؤشرات التوتر بين المركزية النقابية لاتحاد الشغل والرئاسة والحكومة تم الإعلان عن تاريخ 29 ديسمبر/كانون الأول 2022 لتنفيذ الإضراب العام في قطاع النقل العمومي ومؤسسات النقل المملوكة للدولة.
المحلل السياسي نزار مقني يرى أن المركزية النقابية بصدد جسّ نبض الحكومة من خلال إضرابات قطاعية وفي المحافظات، ويدرس تفاعلها شعبياً معها، وهو ما انطلق فيه بالفعل.
ورجح المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن يتّجه الاتحاد بعد ذلك للمواجهة، إذا ما وجد أن تلك الإضرابات ناجحة، حيث سيتجه للتصعيد وتنفيذ تحركات على مستوى وطني.