رسم حزب الله، عبر البيان الصادر عن دائرته الإعلامية، ملامح التعامل مع الكلام الأخير الذي أدلى به رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، على خلفية انعقاد جلسة حكومة تصريف الأعمال ومشاركة حزب الله فيها وتأمينه للنصاب في تلك الجلسة، والتي يعتبرها باسيل وتياره ضرباً لصلاحيات رئاسة الجمهورية "كموقع مسيحي أول" في البلاد، فإلى أي مدى يمكن أن يصل الخلاف بين باسيل والحزب؟
أسباب خروج الخلاف إلى العلن؟
يشير مصدر مسؤول في حزب الله لـ"عربي بوست" إلى أن السبب الأساسي الذي دفع الحزب لإصدار البيان التوضيحي رداً على باسيل، هو استياء كل الصف القيادي والشعبي في حزب الله مما اعتبروه تشكيك باسيل الصريح في مصداقية الأمين العام حسن نصر الله بقوله إن "الحزب لم يعد أهل الوعد الصادق".
الأمر الذي اعتبروه تجاوزاً غير مألوف في مسار العلاقة بين الجانبين، بل يتعدى حدود التباين السياسي المشروع، الى جانب آخر شديد الحساسية يتعلق بالصورة الأخلاقية التي يصر الحزب على رسمها لمواقفه الداخلية، والذي لطالما أكد الحزب وأمينه العام التمسّك به في مقاربة العلاقة مع الحلفاء والخصوم.
ويؤكد المصدر أن الحزب شعر بانزعاج كبير، وعليه وقرر إصدار البيان الذي أشرف على صياغته الأمين العام حسن نصر الله شخصياً، وأنه من حق باسيل أن يرفض أو يعترض على مواقف يتخذها الحزب أو أحد حلفائه، إذ كان من الممكن تفهّم الأمر لو بقي داخل الغرف المغلقة.
قرر الحزب السكوت والصبر على الحملة الممنهَجة التي شنّها أنصار باسيل على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي طاولت الحزب وقيادته، لكنه، وحسب المصدر، لن يسكت على محاولة الطعن في مصداقية الحزب.
باسيل في مأزق.. الحزب كان آخر الأصدقاء
فتح السجال بين الحزب والتيار الحديث عن مصير العلاقة بين الطرفين، انطلاقاً من تفاهم "مار مخايل"، والذي وقع عام 2006 واستمر حتى اليوم، وهذا النقاش يأتي وسط همس داخل التيار الوطني الحرّ بضرورة تجميد العمل بورقة التفاهم بينهما، فيما قيادات أخرى في التيار يطرحون فكرة تعديل هذا الاتفاق، بما يتناسب مع التحولات والتحديات الحالية.
وانطلاقاً من هذا النقاش الدائر لا بد من التذكير بأن باسيل نفسه سبق أن أعلن في أكثر من مرحلة ضرورة تطوير هذا الإتفاق وتوسيعه، بالإضافة إلى إدخال محددات جديدة للعلاقة بينه وبين الحزب خاصة لدى حصول خلافات في ملفات متعددة.
يعتقد المحلل السياسي والكاتب، نقولا ناصيف، أن الحزب والتيار أفصحا في وقت واحد عن خوف مزدوج، وهو خوف حزب الله من فقدانه الحليف المسيحي القوي، وخوف الحزب من طلاقه مع التيار الوطني الحر، يُشعره بلا أدنى شك بأنه أضحى في مواجهة الطوائف الأخرى جميعاً، أي بعد السنّة والدروز ها هم المسيحيون أيضاً.
وبحسب ناصيف، في تصريحه لـ عربي بوست، فإن انفصال رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل عن حزب الله سيجعله عرضة لما يشبه "الافتراس" فهو سيواجه أزمات عديدة من بينها انتهاء ولاية عون، وسيجد تحالفات من السنّة والدروز ونصف المسيحيين ونصف الشيعة، فما بالك بالنصف الآخر من الشيعة، عندما يبتعد عن حزب الله.
ويشير ناصيف أن خروج التيار الوطني الحر من السلطة بمواقعها المهمة والنافذة وفقدانه الحليف الذي يقوده إليها أي حزب الله، يجرده من كل شيء تقريباً.
لا انفصال بينهما
انطلاقاً من هذا الواقع المتأزم بين الطرفين يؤكد مصدر حكومي لـ"عربي بوست" أن وثيقة التفاهم والتحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ باتت اليوم في "غرفة عمليات عاجلة"، لأن حزب الله لا يريد فرط التحالف مع التيار، لأن إضعاف باسيل وتياره مسيحياً يعني منح قوة مسيحية أكبر لخصومه المسيحيين الآخرين، وتحديداً لحزبي القوات والكتائب إضافة لشخصيات مسيحية صاعدة.
ويؤكد المصدر أن باسيل يستند سياسياً إلى قوة حزب الله المحلية والخارجية، والتي برأيه تحتاج إلى إعادة تنظيم لوضعها في سياق التفاهم على رؤيته في ملف رئاسة الجمهورية، وهذا العنوان يحتم على باسيل إعادة ترتيب علاقته بحزب الله، والتي ترجمت في عقد لقاء في مجلس النواب بين باسيل والنائبين حسن فضل الله وعلي عمار من حزب الله للبحث في التهدئة.
لكن بحسب المصدر، فإن الحزب لا يزال يسعى مع مرشحه الحالي سليمان فرنجية؛ لتعزيز حظوظه الرئاسية من خلال إعادة تعزيز علاقاته مع القوى المتعددة داخلياً، وحتى خارجياً، لا سيما مع السعودية وقطر ومصر.
بالمقابل، وبحسب المصدر، فإن الحزب يرى أنه قدم لباسيل الضمانات الكافية خلال المراحل الماضية ومنع سقوط عهد الرئيس ميشال عون بعد ثورة 17 تشرين، وأن الحزب دعمه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة ووفر له فوز عدد كبير من النواب يتجاوز الـ7 نواب، وذلك على حساب حلفاء آخرين للحزب، وهي التي جعلته يقول اليوم إنه صاحب أكبر كتلة نيابية مسيحية، ولو لم يكن الحزب قد وفّر هذه الضمانة لما وصلت كتلة باسيل إلى هذا الحجم.