صور ولقطات انتشرت لطوابير ممتدة أمام مجموعة "غلوبال أوتو للسيارات" وكيل علامة "بي إم دبليو وميني" الألمانية بمصر، تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي على نحو واسع خلال الأيام الماضية، ما أثار تساؤلات عديدة حول سوق السيارات المصري، ومدى القدرة الشرائية للمواطنين لسيارات لا يقل سعرها عن مليون جنيه في أزمة اقتصادية طاحنة.
اضطرت الشركة المنتجة للسيارات وقف البيع المباشر بفروعها المختلفة، وفتح باب الحجز عبر الموقع الرسمي لها، وبررت ذلك في بيان لها بأنها لاحظت توافد العديد من التجار للمزايدة على أسعارها بهدف احتكار السيارة والتجارة فيها، وتعقيد عملية تلقي رغبات العملاء الحقيقيين.
أوحى مشهد طوابير "بي إم دبليو" بأن حركة سوق البيع أخذت في الدوران على نحو أفضل، سواء كان ذلك على مستوى توفر أنواع من السيارات الفارهة التي اختفت طيلة الأشهر الماضية أو على وجود قدرة شرائية تسمح بالتهافت عليها، سواء كان ذلك من تجار أو مواطنين؛ لأن السيارات في النهاية وجدت من يشتريها ويسوّقها.
طوابير خادعة لا تعبّر عن ركود سوق السيارات المصري
لكن مصدراً مطلعاً باتحاد الصناعات المصرية– رفض ذكر اسمه- أشار إلى أن الطوابير التي بها المئات من المواطنين أو التجار، مثلما قالت الشركة المنتجة، خادعة بالأساس، ولا تعبّر عن ركود سوق البيع الذي لا تمثل فيه السيارات الفارهة نسبة لا تتجاوز 7% من إجمالي حجم السيارات المباعة كل عام، بل إنه بحساب السوق، فإن تلك النسبة ليس لديها تأثير حقيقي في السوق، ويجري التعامل معها على أنها هامشية.
ولا يتجاوز عدد السيارات المباعة، والتي تتجاوز قيمتها مليون جنيه 20 ألف سيارة على مدار العام، وفقاً للمتحدث ذاته، مشيراً إلى أن هذا الرقم تراجع أيضاً في ظل حالة الركود التي يشهدها سوق السيارات، وكان سبباً في خروج بعض الشركات المصنعة للسيارات من مصر، بينها شركة "بي إم دبليو" الألمانية الرائدة في صناعة السيارات الفاخرة، والتي عادت في شهر أكتوبر الماضي بعد غياب استمر لقرابة عامين.
ويؤكد المصدر ذاته لـ"عربي بوست" أن مشتري السيارات الفاخرة لا ينظرون إلى الزيادات المستمرة في أسعار السيارات، بسبب انخفاض قيمة الجنيه أو وقف الاستيراد، لكن هؤلاء يستهدفون شراء أنواع بعينها بغض النظر عن أسعارها، ما يجعل هناك حركة مستمرة في الإقبال عليها طالما توافرت في الأسواق، لكنها تظل خارج حسابات السوق الذي تؤثر فيه الطبقة المتوسطة، والتي تمثل الأغلبية العظمى من المصريين.
انخفاضات متتالية في حجم المبيعات خلال العام الجاري
وانخفض حجم مبيعات السيارات في مصر ليصل إلى 148.5 ألف سيارة خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى أغسطس/آب من عام 2022 مقابل 186.3 ألف سيارة خلال الفترة المماثلة من العام الماضي بنسبة تراجع 20%، وفقاً لبيانات مجلس معلومات سوق السيارات المصرية "الأميك".
وكذلك انخفضت أعداد تراخيص السيارات "الملاكي" بنسبة 54% لتصل إلى 8 آلاف و128 مركبة، خلال أكتوبر الماضي، مقابل 17 ألفاً و813 مركبة، خلال الفترة المقابلة من العام السابق، وفقاً للبيانات المعلنة عن المجمعة المصرية للتأمين الإجباري للمركبات(ecip).
وتُظهر أرقام بيع السيارات في مصر خلال شهر يونيو/حزيران الماضي مقارنة بالعام الماضي جوهر الأزمة، وبحسب تقرير صادر عن مجلس معلومات سوق السيارات "أميك" تراجعت مبيعات السيارات في مصر بنسبة لا تقل عن 31% بمعدل بيع بلغ 18 ألف سيارة مقارنة بعدد السيارات المباعة في يونيو/حزيران 2021 التي سجلت نحو 26 ألف سيارة.
يشير مصدر مطلع بغرفة صناعة السيارات، إلى أن سوق السيارات في مصر يعاني أزمة مركبة، لأنه قبل شهر أكتوبر الماضي انحصرت المشكلة في عدم القدرة على الاستيراد من الخارج بفعل قرار الاعتمادات المستندية، إلى جانب أزمة الرقائق الإلكترونية التي تسببت فيها الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما تسبب في زيادات مطردة في أسعار السيارات وترتب على ذلك حالة من الركود في السوق.
أسعار السيارات تضاعفت منذ بداية العام الجاري
لكن الوضع أضحى أكثر صعوبة مع اتخاذ الحكومة المصرية قراراً جديداً بتعويم سعر الجنيه، والكلام على عهدة المتحدث ذاته، فإن تدهور قيمة الجنيه ووجود سعر صرف موازٍ تسبب في مضاعفة أسعار السيارات، مقارنة بما كانت عليه عند بداية العام الجاري، ما كان له تأثير قوي على تراجع حركة البيع والشراء، وأن الأرقام ستكون أكثر وضوحاً مع تقارير الرصد التي يتم الإعلان عنها مع بداية العام الجديد.
يوضح المصدر لـ"عربي بوست" أن مبيعات السيارات في مصر تعتمد بالأساس على توفير الجزء الأكبر من قيمة السيارة لدى المشتري ودفعه كمقدم لشرائها وتقسيط الجزء الآخر.
لكن الوضع تغير الآن وأصبح من يسعى لشراء سيارة عليه توفير مبلغ لا يقل عن 400 ألف جنيه، وهو رقم لا يتوفر بالنسبة لكثيرين، وفي حال امتلك المواطن 150 ألفاً لشراء سيارة، فإنه سيواجه خسائر عديدة في أنظمة السداد وفوائدها، وهو ما يتم تفسيره في السوق "بتراجع القوة الشرائية" للطبقات التي طالما كانت محركاً رئيسياً لسوق السيارات.
خروج 60% من حجم السوق الفاعل نتيجة ضعف القدرة الشرائية
تلك الشريحة التي استحوذت على 60% من مبيعات السوق، وفقاً لعضو الغرفة التجارية للسيارات، خرجت غالبيتها العظمى من السوق، وأضحت الآن في موقف المتفرج بسبب الارتفاعات المطردة في الأسعار، إلى جانب تراجع قيمة دخلها مع تراجع الجنيه، وبالتالي فإنها بانتظار أن تتقلص الفجوة بين المصروفات والرواتب قبل أن تفكر من جديد في الشراء، وهو أمر قد يستغرق عدة أعوام، ما سيصيب السوق بحركة ركود طويلة المدى.
قدر المصدر الزيادات الأخيرة في أسعار السيارات الجديدة والمستعملة بنسبة تراوحت في بعض الماركات بنسبة وصلت إلى 12%، وفي أنواع أخرى وصلت إلى 100%، مشيراً إلى أن 23 علامة تجارية في السوق شهدت ارتفاعاً في أسعارها.
لافتاً في الوقت ذاته إلى غياب عدد من الماركات بالأساس عن السوق وكانت تشهد إقبالاً كبيراً على شرائها، بينها "كيا سورينتو" وهيونداي النترا وفورد وتوسان ونيسان قشقاي وفيات x500، وأوبل غراند لاند".
وتراجعت مبيعات الماركات الأكثر انتشار في مصر، بينها: "شيفروليه وتويوتا وهيونداي وفيات وبيجو، وارتفعت في المقابل مبيعات ماركات أخرى ليس لها حضور قوي، لكنها تشكل بديلاً اختيارياً للمشترين بينها: "شيري وسوزوكي ورينو ونيسان"، وفقاً لما أكده المصدر.
%100 زيادة في أسعار حافلات النقل وتراجع الإقبال عليها بسبب انكماش الاقتصاد
ويقول أحد تجار حافلات النقل إن مؤثراً رئيسياً في سوق السيارات المصري شهد أيضاً تراجعاً، وذلك بعد أن ارتفعت أسعارها بنسبة تخطت 100% وهي زيادات صعبة وغير منطقية ولديها تأثيرات اقتصادية أخرى، بعيداً عن سوق السيارات.
مشيراً إلى زيادة حجم المصانع والمشاريع التجارية خلال السنوات الثلاث الماضية انعكست إيجاباً على سوق سيارات النقل، وأضحت مؤثراً رئيسياً في سوق السيارات قبل أن تتراجع بصورة كبيرة متأثرة بالأزمات الاقتصادية المتلاحقة، وتراجع قيمة الجنيه الذي ضاعف من أسعارها.
يوضح المصدر أن وزارة الصناعة المصرية، بدلاً من أن تكون عاملاً مساعداً نحو تشجيع صغار المستثمرين لشراء سيارات النقل، والتي تأتي مستوردة من الخارج، أقرت مجموعة من الضوابط لاستيراد السيارات في شهر فبراير الماضي.
وقلصت بشكل كبير من حجم المعروض في السوق إلى جانب تعثر سلاسل التوريد، ونقص المكونات؛ خاصة بعد اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية، وعدم قدرة الشركات المصنعة للسيارات على تدبير احتياجاتها من الرقائق الإلكترونية.
وأصدرت وزيرة التجارة والصناعة السابق،ة نيفين جامع، في الأول من يناير/كانون الثاني 2022، قراراً اشترط للإفراج عن السيارات الواردة من الخارج بغرض التجارة توافر مراكز صيانة معتمدة في مصر طبقاً للتوزيع الجغرافي، إضافة إلى توافر قطع الغيار الأساسية على جداول الصيانة الصادرة من الشركات المنتجة، وأيضاً احتواء المركبة على وسادتين هوائيتين على الأقل، وسرى هذا القرار مطلع فبراير/شباط الماضي.
وكشفت إحصاءات صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، عن استمرار تراجع واردات السيارات في مصر خلال شهر أغسطس/آب الماضي لتسجل ما قيمته نحو 82.710 ملايين دولار، مقارنة بنحو 295.535 مليون دولار خلال شهر أغسطس/آب من العام الماضي، مسجلة تراجعاً بنسبة 72%.
وشهدت مبيعات الأتوبيسات والشاحنات تراجعات جديدة، حيث جرى بيع نحو ألف أتوبيس في أغسطس، بانخفاض أكثر من 47% على أساس سنوي. وسجلت مبيعات الشاحنات انخفاضاً بنسبة 14% على أساس سنوي إلى 3.7 ألف وحدة. وانخفض إجمالي مبيعات السيارات بنسبة 45% على أساس سنوي إلى 13.4 ألف وحدة.
تجار يضطرون لتغيير نشاطهم وتصفية أعمالهم مع استمرار الخسائر
يلفت عضو رابطة تجار السيارات إلى كثير من تجار السيارات تحديداً الذين يعملون على نطاق صغير قاموا بتصفية أعمالهم وتغيير نشاطهم بسبب الشلل التام في حركة السوق، وأن الوضع الحالي يعد الأسوأ على الإطلاق، وأن المشكلات الداخلية والخارجية تتكاتف لإلحاق خسائر فادحة للتجار.
مشيراً إلى أن الوكلاء الذين لديهم رغبة في استيراد السيارات من الخارج لا يجدون الدولار الذي يغطون به قيمتها، وفي السابق كانت المشكلة الأكبر تتمثل في الاعتمادات المستندية وعدم قدرة البنوك على فتح اعتمادات لإتمام الصفقات بسبب شح الدولار أيضاً.
ويضيف أن سوق السيارات المستعملة الذي ظل لفترات طويلة محافظاً على قدر من الحركة ولم تطله الأزمات العديدة التي واجهت سوق السيارات الجديدة تأثر أيضاً في الوقت الحالي، بسبب توقف الاستيراد ووجود شحنات هائلة من قطع الغيار في الجمارك دون أن تتمكن من دخول البلاد بسبب شح الدولار، مشيراً إلى جميع المركبات الموجودة في مصر تأتي قطع غيارها من الخارج باستثناء نسبة ضئيلة للغاية.
ويؤكد أن المشكلة وصلت أيضاً إلى تجار قطع الغيار الذين يواجهون مشكلات تراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين وعدم اهتمام الكثير منهم بصيانة مركباتهم الشخصية بعكس ما كان يحدث في الماضي، بخاصة مع ارتفاع أسعارها مع تراجع قيمة الجنيه وارتفاع أسعار قطع الغيار عالمياً وكذلك ارتفاع تكاليف الشحن والجمارك.
ومع الارتفاعات المضطربة في أسعار السيارات خلال العامين الماضيين تم تدشين حملات شعبية لمقاطعة شرائها، وحملت عنوان "خليها تصدي"، وفي ذلك الحين كانت أسعار السيارات تنخفض في عالمياً وتنخفض في مصر، وجرى توجيه أصابع الاتهام إلى المصنعين والتجار لافتعال الأزمة مع انتشار ظاهرة "الأوفر برايس" أي فرض مبالغ إضافية على السعر الرسمي للسيارات المبيعة مقابل التسليم الفوري للعملاء.
مبادرة وزارة المالية لا تجذب المصريين في الخارج
وفي خضم كل هذه المشكلات دشنت وزارة المالية مبادرة لتيسير استيراد سيارات الاستعمال الشخصي للمقيمين بالخارج، والتي انطلقت في منتصف الشهر الماضي وتستمر حتى منتصف مارس/آذار المقبل.
وتتضمن المبادرة إعفاء السيارات التي يستوردها المصريون بالخارج من الرسوم الجمركية إلى مصر، وذلك وفقاً لعدة شروط أبرزها إيداع المبلغ المقابل للجمارك المعفاة بالعملة الأجنبية في حسابات وزارة المالية بمصر على أن يسترد المبلغ بعد 5 سنوات بالجنيه المصري، وفقاً لسعر الصرف وقتها.
وتستهدف الحكومة منها زيادة غلتها من تحويلات المصريين بالخارج والتي تصل سنوياً إلى 32 مليار دولار بحسب إحصاءات البنك المركزي المصري الصادرة عن العام المالي الحالي، في محاولة للتعامل مع أزمات شح الدولار المتفاقمة وتوقعت بأن تحصل على ودائع قيمتها 5 مليارات دولار في حال أقدم على المبادرة ما يقرب من نصف مليون مصري، من إجمالي 12 مليون مصري بالخارج، غير أن المبادرة بعد مرور ما يقرب من شهر على إطلاقها بشكل رسمي لم تحقق المرجو منها.
وكشف رئيس مصلحة الجمارك المصرية، الحشات الغتوري، عن تسجيل 21658 شخصاً سجلوا بياناتهم على المنصة الإلكترونية التي أطلقها وزارة المالية بينهم 2573 شخصاً حرروا أوامر دفع بمبلغ 1.5 مليون دولار، مشيراً إلى أن أغلب التحويلات جاءت من دول الخليج، وذلك حتى نهاية الشهر الماضي.
ونفى مصدر مطلع بشعبة السيارات التابعة لاتحاد الصناعات المصرية أن يكون للمبادرة أثر في تحريك جمود سوق السيارات، مشيراً إلى أن المبادرة الحكومية ليست مثالية بالنسبة للعديد من المغتربين في الخارج وقد يكون هناك توفير مبلغ ضئيل جداً لا يستدعي فتح حسابات دولارية، وترك ودائع بالدولار مع تراجع قيمة الجنيه.