أصدرت محكمة أمريكية قراراً بإدانة مؤسسة ترامب بارتكاب جرائم تتعلق بالتهرب الضريبي، بعد سنوات من التحقيق، فماذا يعني ذلك لفرص الرئيس السابق في الترشح للرئاسة الأمريكية المقبلة؟
المؤسسة التي تمت إدانتها تعمل في مجال العقارات الفارهة تحديداً، وتحمل اسم الرئيس السابق ويمتلكها هو وأفراد أسرته، لكنَّ ترامب نفسه أو أياً من أبنائه لم يكونوا متهمين في هذه القضية، التي شهدت تحقيقات مستمرة منذ سنوات.
ووجد المحلفون، في المحكمة الواقعة في مدينة نيويورك، أن الشركة مدانة في جميع الاتهامات التي وجهها الادعاء، بعد جلسات استمرت يومين، وأدينت الشركة بمنح مديريها مميزات مالية ومنافع منافية للقانون، لأكثر من عقد من الزمن.
وتضمن ذلك دفع نفقات دراسة الأبناء، وتقديم سيارات فارهة، وقال الادعاء إنها ساهمت جميعاً في تقليل الضرائب التي دفعتها المؤسسة، بشكل غير قانوني.
كيف رد ترامب على قرار المحكمة؟
اتهم الادعاء مؤسسة ترامب "بأنها تتبنى ثقافة الفساد، والخداع"، وذلك خلال جلسات المحاكمة، وقال إنها أدارت نظاماً يسمح لبعض المديرين "بتقليل حجم دخلهم" وبالتالي حجم الضرائب التي ينبغي عليهم دفعها "لتصبح أقل بكثير مما كان يجب عليهم دفعه"، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
وتمت إدانة شركتين مساندتين لمؤسسة ترامب، بجميع الاتهامات التي بلغ عددها 17 اتهاماً، متعلقة بالتهرب من الضرائب، وتزييف السجلات. ومن المتوقع أن تقرر المحكمة عقوبة مالية على المؤسسة، قد تصل إلى 1.6 مليون دولار، كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى أن تواجه المؤسسة صعوبات في الحصول على قروض، ائتمانية، أو تمويل في المستقبل.
من جانبه، امتدح المدعي العام لمقاطعة مانهاتن، ألفين براغ، الحكم، وقال إن القضية كانت تتعلق "بالجشع، والغش"، وأضاف "لمدة 13 عاماً، كانت شركة ترامب، وشركة "ترامب للحسابات"، تتهربان من القوانين، عبر نظام يسمح للمديرين، الذين يتقاضون رواتب عالية، التمتع بمزايا وتعويضات باهظة، مع القدرة على إخفائها عمداً، عن سلطات الضرائب".
وشهد ويسبيرغ، المدير المسؤول في المؤسسة والبالغ من العمر 75 عاماً، ضد المؤسسة، كجزء من صفقة عقدها مع الادعاء، والتي قللت العقوبة، التي يواجهها إلى السجن مدة لا تزيد عن 5 أشهر.
وسوف يودع ويسبيرغ سجن جزيرة ريكرز، سيئ السمعة، ويجب عليه أن يدفع أكثر من 1.7 مليون دولار للدولة، عن أرباحه التي أخفاها. وبعد صدور الحكم أعلنت المحكمة بدء تنفيذ العقوبة في الثالث عشر من الشهر المقبل.
من جانبه، سخر ترامب من الحكم متعهداً بالطعن عليه، وقال إنه يشعر بخيبة أمل لكنه وصف القضية بأنها "استهداف سياسي واستمرار لأكبر حملة صيد ساحرات سياسية في تاريخ البلاد"، وذلك في بيان صادر عن مكتبه، بحسب شبكة Foxnews الأمريكية. ويرجع مصطلح "صيد الساحرات" إلى العصور الوسطى والمقصود به تصيد الأخطاء للمعارضين السياسيين، كما هاجم ترامب ألين ويسيلبيرغ بسبب إقراره بالذنب.
وشن ترامب حملة انتقاد عنيفة ضد مكتب المدعي العام في نيويورك، قائلاً: "إنهم (في مكتب الادعاء) يستنفدون موارد الحكومة لمحاكمته بدلاً من التركيز على محاكمة المجرمين، مما أدى إلى ارتفاع قياسي في معدلات العنف وجرائم القتل في مدينة نيويورك".
كان ترامب قد قرر تغيير محل إقامته في نيويورك وانتقل، بعد خسارته الانتخابات الماضية أمام جو بايدن، للعيش في ولاية فلوريدا، مرجعاً القرار إلى حملة "الاستهداف السياسي" من جانب مكتب المدعي العام في نيويورك، ويقيم ترامب الآن في منتجع مارلاغو، الذي يمتلكه في فلوريدا.
هل قُضي الأمر بالنسبة لمتاعب ترامب القانونية؟
كلا، فالرئيس السابق يواجه سيلاً من التحقيقات الجنائية والمدنية، ولم يكن أصلاً مستهدفاً بشخصه في تلك القضية التي صدر الحكم فيها. فترامب ملاحَق من جانب الأجهزة القضائية الفيدرالية لعدد من الأسباب، منها ما يتعلق بالتهرب الضريبي ومنها ما يتعلق باقتحام أنصاره الكونغرس الأمريكي يوم 6 يناير/كانون الثاني 2021.
وبالإضافة إلى كل ذلك، هناك أيضاً التحقيق الجاري في نقل الرئيس السابق مستندات مصنفة على أنها "سرية للغاية" من مكانها داخل البيت الأبيض إلى منزله الخاص، وهو ما نتج عنه مداهمة قوات من مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI منتجع مارالاغو، وهي المرة الأولى في تاريخ أمريكا التي يتعرض فيها منزل رئيس سابق للمداهمة من جانب قوات إنفاذ القانون.
وهو منزل الرئيس السابق، عاصفة من ردود الفعل الغاضبة من جانب المعسكر الجمهوري، والمرحِّبة من جانب المعسكر الديمقراطي، فهذه هي المرة الأولى على الإطلاق التي تداهم فيها قوات الأمن منزل رئيس سابق بناءً على مذكرة تفتيش فيدرالية.
كما يواجه ترامب وثلاثة من أولاده قضايا مدنية منفصلة، رفعها الادعاء العام في نيويورك، وهي القضايا التي قد ينتج عنها أحكام تمنعهم من ممارسة أي أعمال تجارية في الولاية.
وأصدرت المدعية العامة في نيويورك، ليتيتا جيمس، والتي ترأس محاكمات ترامب وأولاده المدنية، بياناً وصفت فيه الحكم بإدانة مؤسسة ترامب بالتهرب الضريبي بأنه "نصر كبير"، وقالت: "الحكم يوضح أننا سوف نحمل الأفراد، والمؤسسات المسؤولية، عندما يخرقون قوانيننا، لملء جيوبهم".
لكن ما يواجهه ترامب في نيويورك لا يمثل الصورة الكاملة لمتاعبه مع القضاء، إذ تشهد محاكم فيدرالية محاكمة بعض أنصار الرئيس السابق في قضية اقتحام الكونغرس، وهو ما قد يؤدي إلى توجيه اتهامات جنائية إلى ترامب نفسه على خلفية التحريض وعرقلة العدالة.
وكان تقرير لمجلة Politico الأمريكية قد تناول ما حدث خلال إحدى تلك المحاكمات، حين أصبح السؤال الرئيسي فيها هو: هل يمكن توجيه اتهامات جنائية إلى الرئيس السابق، على خلفية حثِّه مايك بنس، نائب الرئيس وقتها، على رفض التصديق على نتيجة الانتخابات؟
ووجد القاضي وممثل الادعاء والدفاع عن المتهم أنفسَهم يتجادلون بشأن تفسير القانون الذي يحاكَم به عشرات من المتهمين في أحداث اقتحام الكونغرس، وينص القانون على أن "أي شخص يتدخل في أي من أعمال الحكومة الفيدرالية بغرض عرقلتها يرتكب جريمة تصل عقوبتها القصوى إلى 20 عاماً في السجن".
وهذا القانون تم إقراره على غرار القانون الخاص بالسلوك المتعلق بالقضاء، مثل تهديد القضاة أو المحلفين أو الشهود. لكن نحو ثلث المتهمين في أحداث اقتحام الكونغرس يحاكَمون بموجب قانون "عرقلة العدالة"، بسبب سعيهم لتعطيل جلسة التصديق النهائي على نتائج الانتخابات الرئاسية.
وبالتوازي مع المحاكمات الجنائية، تواصل لجنة من المشرعين التحقيق في أحداث اقتحام الكونغرس، وأرسلت اللجنة مؤخراً طلبات استدعاء لمحامي ترامب الخاص رودي جولياني وعدد آخر من ممثليه القانونيين ومستشاريه المقربين، بعد أن فشلت محاولات ترامب منع مثول هؤلاء أمام اللجنة، في مؤشر آخر على أن الحلقة تضيق حول رقبة الرئيس السابق.
هل يؤثر ذلك على فرص ترشحه للرئاسة؟
كان ترامب قد دشن حملته الهادفة إلى استعادة الرئاسة في عام 2024، من خلال فعالية أقامها في منزله في مارالاجو في فلوريدا، الثلاثاء 15 نوفمبر/تشرين الثاني، وألقى خطاباً استمر لأكثر بقليل من ساعة واحدة وبُث على الهواء مباشرة على التلفزيون الأمريكي، في وجود مئات من أنصاره في قاعة مزينة بعدة ثريات عليها عشرات الأعلام الأمريكية.
وقال ترامب أمام الحشد من أفراد أسرته والمتبرعين الرئيسيين لحملته: "من أجل جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى، أعلن الليلة ترشيحي لمنصب رئيس الولايات المتحدة". وسبق هذا الإعلان تقديم مساعدي ترامب أوراقاً إلى لجنة الانتخابات الاتحادية الأمريكية لتشكيل لجنة تسمى "دونالد جيه. ترامب رئيساً لأمريكا 2024".
توقيت تقديم الرئيس السابق أوراق ترشحه كان الهدف منه استباق الطامحين لخلافته من الجمهوريين، وبخاصة حاكم فلوريدا رون ديسانتيس ونائب ترامب السابق مايك بنس ووزير خارجيته مايك بومبيو وغيرهم، على الرغم من أن ترامب نفسه يعتبر الخاسر الأكبر في انتخابات التجديد النصفي الأخيرة، بحسب أغلب الآراء.
وبالتالي فعلى الأرجح سيكون ترامب أحد المرشحين للرئاسة في الانتخابات المقبلة، حتى إذا لم يحظَ بترشيح الحزب الجمهوري، وهو أمر يبدو غير محسوم حتى الآن. فالرئيس السابق يحظى بتأييد قاعدته الانتخابية، ولا يزال الملايين مقتنعين بما يروج له من مزاعم "سرقة الانتخابات"، رغم عدم تقديمه أدلة تؤكد تلك المزاعم.
لكن ربما يكون هذا أحد أهم أسباب إصرار ترامب على إعلان الترشح للرئاسة هو أن الترشح يسمح له بتصوير مختلف التحقيقات الجنائية والمدنية ضده على أنها جزء من حملة سياسية واسعة عليه. وقد تنجح هذه المحاولة فيما يتعلق بدعم شعبيته، ولكن التهم الموجهة له في التحقيقات واقعية فعلاً.
وجاء ذلك في عنوان مقال رأي نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، "ترامب ساعٍ للانتقام ولحماية نفسه من المحاكمة"، ركز على أن ترامب عاشق للسلطة وعاشق أكثر للشهرة، لكن الأهم من هذا كله الآن هو أن الرئيس السابق الذي تعرض لمحاولات العزل مرتين وهزم في الانتخابات الماضية، رغم رفضه الاعتراف بذلك، يريد الآن العودة للبيت الأبيض كي ينتقم من الجميع.