هل تعلم أنه في العام 1944 اضطرّ أحد أعضاء الاتحاد الإيطالي لكرة القدم، ويُدعى أوتورينو باراسي، إلى إخفاء كأس العالم داخل منزله؟
منذ انطلاق نسختها الأولى عام 1930 في الأوروغواي، استهوت بطولة كأس العالم لكرة القدم كبار اللاعبين والمدربين الذين سعوا للتتويج باللقب، كما حلمت بها الجماهير الرياضية لمختلف منتخبات الدول المشاركة في دوراتها النهائية.
ولكن ما قد يكون غير معلوم هو أن كأس العالم تحوّلت إلى هوسٍ لدى بعض الملوك ورؤساء الدول الذين حلموا بالحصول عليها أيضاً، على غرار زعيم ألمانيا النازية أدولف هتلر، الذي أراد الاستحواذ على الكأس خلال الحرب العالمية الثانية.
تُوّجت إيطاليا بلقب كأس العالم، خلال النهائيات التي احتضنتها فرنسا في صيف 1938؛ ما سمح لها، بحسب قوانين اتحاد الكرة الدولي (فيفا) بالاحتفاظ بالكأس لمدة 4 سنوات، حتى إقامة الدورة المقبلة في العام 1942.
"فيفا" وعد ألمانيا بتنظيم مونديال 1942
كان الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) قد وعد ألمانيا -سراً- بتنظيم الدورة النهائية لمونديال 1942، وقد حصلت ألمانيا على هذا الوعد خلال الدورة الـ23 لمؤتمر فيفا الذي عُقد سنة 1936 في العاصمة الألمانية برلين.
خلال المؤتمر، كانت كل من فرنسا وألمانيا والأرجنتين قد تقدمت رسمياً بترشيحها لاحتضان نهائيات كأس العالم لكرة القدم لعام 1938. وفازت فرنسا بحق التنظيم، بعدما نالت 16 صوتاً مقابل 4 أصوات للأرجنتين، فيما لم تنل ألمانيا أي صوت، بعدما منحت صوتها لفرنسا.
ووفقاً لموقع Le Corner الفرنسي، فإن عدم تصويت ألمانيا لنفسها في عملية اختيار البلد المنظم لنهائيات مونديال 1938 يؤكد الاتفاق غير المُعلن، الذي جرى في الكواليس وقتئذٍ، بمنح ألمانيا احتضان نهائيات كأس العالم في سنة 1942.
ولكن يبدو أن بعض الأعضاء النافذين في فيفا، لا سيما رئيسها الفرنسي جول ريميه، تراجع فيما بعد عن الوعد المُقدّم لألمانيا، بعدما أعلنت البرازيل ترشحها. فتمّ تأجيل التصويت على اختيار البلد المنظم إلى أكتوبر/تشرين الأول 1939، خلال مؤتمر الاتحاد الدولي لكرة القدم الذي كان مقرراً أواخر شهر سبتمبر/أيلول في لوكسبورغ.
حينها قام جول ريميه برحلاتٍ عدة إلى البرازيل، بهدف الاطلاع عن قرب على مدى استعداد البلد الجنوب أمريكي لاحتضان نهائيات المونديال، حتى إنه صودف وجوده في العاصمة ريو دي جانيرو عند اجتياح القوات الألمانية النازية لدولة بولندا يوم 1 سبتمبر/أيلول 1939.
هتلر أراد الاستيلاء على كأس العالم
ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية، تجمّدت كل المسابقات الرياضية الدولية، شأنها شأن الفعاليات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية الكبرى. فبقيت كأس العالم بحوزة إيطاليا لسنواتٍ إضافية.
لم يُبدِ أدولف هتلر في بداية الحرب اهتماماً بكأس العالم، لا سيما أنها كانت "محفوظة" في بلدِ حليفه بينيتو موسوليني، زعيم النظام الفاشي في إيطاليا. كما أنّ تفكير "الفوهرر" كان مُنصّباً على سياسته التوسّعية في أوروبا أكثر من أي شيء آخر.
كما أن هتلر، المُنتشي بالانتصارات المُحققة في ربيع 1940، كان يعتقد أن الحرب ستنتهي سريعاً وسيُمكن لألمانيا أن تستضيف نهائيات مونديال كرة القدم في العام 1942.
ولكن عند سقوط نظام موسوليني سنة 1943، واجتياح القوات الألمانية النازية للأراضي الإيطالية في العام 1944، قرر هتلر الاستيلاء على كأس العالم الذهبية. فقد كان مهووساً بالأشياء الثمينة، ويعتقد أنه لن يجد أي صعوبة في أخذ الكأس ظناً منه أنها قد تكون مخبأة في مقرّ الاتحاد الإيطالي لكرة القدم، أو داخل أحد البنوك المُحصّنة.
ولكن مجموعة الضباط المُكلفين بإحضار الكأس إلى الزعيم النازي لم يعثروا عليها في أي مكان من الأماكن المحتملة، حتى تلقت فرقة البحث الألمانية معلومات تفيد بأن كأس العالم موجودة بحوزة أوتورينو باراسي، أحد أعضاء الاتحاد الإيطالي لكرة القدم.
انتقل الضباط إلى منزله؛ وبعد استجوابه وتفتيش البيت، لم يجدوا شيئاً. والحقيقة هي أن الكأس كانت بالفعل موجودة داخل منزل باراسي.
فقبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، كانت الكأس محفوظة في إحدى البنوك بالعاصمة روما. لكن أوتورينو باراسي أخرجها بطريقة سرية من البنك عام 1942، ونقلها إلى بيته. وقد نجح في الحفاظ على "الأمانة" بعدما لجأ إلى إخفائها بطريقة بسيطة جداً، ولكن ذكية.
ووفقاً لموقع France Info الفرنسي، فقد وضع باراسي كأس العالم داخل علبةٍ للأحذية تحت سرير غرفة نومه. ورغم التفتيش الدقيق من قِبل ضباط الجيش النازي لبيته سنة 1944، فإن مهمتهم باءت بالفشل.
البرازيل نظمت أول دورة نهائية للمونديال بعد الحرب
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في صيف 1945، واستتباب الأمن في إيطاليا واتضاح المعالم السياسية في البلاد، عادت كأس العالم إلى خزانة الاتحاد الإيطالي لكرة القدم؛ وذلك قبل أن يأخذها أوتورينو باراسي بنفسه، سنة 1950، إلى البرازيل.
نظمت البرازيل أول دورة نهائية لمونديال كرة القدم بعد الحرب العالمية الثانية، بعد اختيارها لاستضافة الحدث الرياضي الأكبر عالمياً خلال مؤتمر فيفا عام 1946.
وكانت سويسرا ترشحت لاستضافة المنافسة أيضاً، وقد مُنح لها حق تنظيم الدورة ما بعد التالية في العام 1954، حين تُوّجت بلقبها ألمانيا الغربية.. فوصلت الكأس الثمينة أخيراً إلى الأراضي الألمانية، ولكن بطريقة قانونية وفي غياب أدولف هتلر.