تنتظر الجماهير بحماسةٍ المباراة التي سيواجه فيها المنتخب المغربي نظيره الإسباني ضمن مباريات الدور الـ16 لبطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر 2022، والتي ستقام الثلاثاء 6 ديسمبر/كانون الأول، لكن اللافت هو "الانتماءات المشوشة" لدى المتابعين في مدينة سبتة المغربية ذات السيادة الإسبانية، بحسب تقرير نشرته صحيفة The Guardian البريطانية.
المباراة التي تُلعب ضمن المراحل الإقصائية بين المنتخبين، سوف تجمع ملايين من عشاق كرة القدم على جانبي مضيق جبل طارق أمام الشاشات في المقاهي والحانات والبيوت، لمشاهدة المباراة التي ستحدد أي بلد منهما سوف يُبقي على آماله في معانقة الكأس الذهبية.
وليس هناك مكان سوف تكون فيه الانتماءات "مشوشة" أكثر من مدينة سبتة المغربية ذات السيادة الإسبانية، حيث تختلط الهويات، الوطنية والدينية، في كثير من الأحيان بطرق غير متوقعة تحير التصنيفات السهلة للقاعدة الجماهيرية للعبة، بحسب الصحيفة.
"المغرب ليس مجرد مكان فقير"
تشعر سليقة حسين، إحدى مواطنات سبتة التي تبلغ من العمر 26 عاماً، بأنها "إسبانية 100%"، ولكن عندما تنطلق صفارة الحكم في مباراة الثلاثاء بقطر، فسوف يميل تعاطفها ناحية المغرب، أرض أجدادها.
تقول سليقة من ساحة اللعب المغطاة التي تعمل فيها: "إنني إسبانية وأريد أن تفوز إسبانيا، لكني أدعم المغرب… عندما يلعب المغرب، يتحرك شيء ما بداخلي. دعهم يكسبون شيئاً كي يستطيع الناس أن يقولوا: انظروا، المغرب ليس مجرد مكان فقير".
بعض مباريات كأس العالم تصير مشحونة بطبقات من الرمزية السياسية، مثل المباراة التي جمعت الولايات المتحدة وإيران في الأسبوع الماضي. صحيحٌ أن إسبانيا والمغرب بعيدان عن أن يكونا خصمين جيوسياسيين، لكن علاقتهما الممتدة والمعقدة سوف تكون- بلا شك- جزءاً من خلفية المباراة التي تقام في مدينة الريان القطرية.
سبتة المغربية الإسبانية
تقع سبتة تحت سيطرة إسبانيا منذ عام 1580. ويعيش مزيج سكانها المكون من المسيحيين والمسلمين من السكان المغاربة والإسبان وعمال اليومية، في انسجام نسبي خلف سور حدودي يرى كثير من المهاجرين اليائسين القادمين من إفريقيا، أنه الحاجز بينهم وبين حياة أفضل.
غير أن المدينة التي يعيش فيها نحو 85 ألف نسمة كانت نقطة اشتعال أكبر أزمة دبلوماسية في الذاكرة الحديثة بين مدريد والرباط. ففي مايو/أيار 2021، أوقفت الحكومة المغربية استخدام ضوابط الحدود والهجرة وسمحت لآلاف الشباب المهاجرين من المغرب ودول إفريقيا جنوب الصحراء، بالتدفق نحو سبتة، التي لا يعترف المغرب بأنها أراض إسبانية.
وفُسرت هذه الخطوة على أنها انتقام من جانب المغرب رداً على قرار إسبانيا السماح لزعيم مؤيد لانفصال الصحراء الغربية عن المغرب، بتلقي العلاج في مستشفى إسباني.
وتسبب ذلك الأمر، جنباً إلى جنب مع إغلاق المغرب الحدود لعامين للسيطرة على الجائحة، في الإضرار بالاقتصاد على الجانبين. ولم تهدأ التوترات ويُعاد فتح الحدود، إلا بعد لقاء رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز بالملك محمد السادس في أبريل/نيسان الماضي.
سبتة حيث "اللامكان"!
لكن بالنسبة لكثيرين مثل المواطنة سليقة، ممن يعيشون أو يعملون في سبتة، فإن المباراة لن تمزقهم إلى نصفين. بل هو سيناريو يحقق مكسباً للجانبين؛ فسوف يكونون سعداء إذا وصلت إسبانيا أو المغرب إلى الدور ربع النهائي، وسوف يشجعون الفائز كي يمضي في طريقه ويرفع الكأس الذهبية في قطر.
يدير محمد العربي (28 عاماً)، حانة في سبتة تعرض مباريات كأس العالم. ويعد العربي إسبانياً من الجيل الثالث ويدعم إسبانيا كلياً. وبغض النظر عن النتيجة، فهو لا يعتقد أنها ستؤدي إلى أية مشكلات خطيرة، مثل أعمال الشغب التي حدثت في بلجيكا وهولندا بعد أن هزم المغرب بلجيكا في مرحلة المجموعات.
يمزح العربي: "المغرب يلعب جيداً، لكنه حين يواجه إسبانيا سوف يصطدم بجدار. وبعدها ستنتهي المباراة. وذلك كل ما في الأمر". ومع ذلك، يعترف العربي بأنه والمسلمين الآخرين من سبتة أو مليلية، يعيشون في اللامكان.
إذ يقول: "يقول المغاربة إننا لسنا مغاربة، وإننا أبناء إسبان، بينما يقول الإسبان من شبه الجزيرة الإيبيرية إننا لسنا إسباناً. ثمة أشخاص من شبه الجزيرة عندما تقول لهم إنك من سبتة، فيجب عليك أن توضح لهم أين تقع، فيقولون: تلك في إفريقيا".
استمتعوا بالمباراة فحسب!
يعكس المنتخب المغربي الروابط مع إسبانيا، حيث يشكل المغاربة أكبر جالية أجنبية بالبلاد تتألف من 800 ألف مواطن، في بلد يبلغ تعداده السكاني 47 مليون نسمة.
يلعب كثير من اللاعبين المغاربة في الأندية الإسبانية، ومن ضمنهم المهاجم يوسف النصيري مهاجم نادي إشبيلية الإسباني، وأيضاً حارس المرمى ياسين بونو الذي يلعب في النادي نفسه. حتى إن الظهير الأيمن المغربي أشرف حكيمي، الذي يلعب في نادي باريس سان جيرمان الفرنسي، ولد هو الآخر بالعاصمة الإسبانية مدريد.
يرى محمد التوزاني، مصفف الشعر البالغ من العمر 25 عاماً والذي يعيش في سبتة، أن الرسالة واضحة: استمتعوا بالمباراة فحسب. ينحدر التوزاني في الأصل من وسط المغرب، وقد عاش بمناطق متفرقة في إسبانيا على مدى 15 عاماً. ويقول إنها "مثال وطني".
لدى التوزاني منزل على الجانب الآخر من الحدود، مثل كثير من الأشخاص ذوي الأصول المغربية. ويخطط لأن يشاهد المباراة مع أصدقاء إسبان داخل ما يصفها بإحدى الحانات المسيحية في سبتة. وسوف يشجع المغرب.
يقول التوزاني: "كرة القدم لكرة القدم، والسياسة للسياسة. ولذلك سوف نلعب مباراة كرة قدم ونحظى بأوقات جيدة، ولكن بكل احترام. ذلك هو أهم شيء. المغرب لديه لون أحمر وأخضر في علمه، وإسبانيا لديها لون أحمر وأصفر في علمها. فلدينا هذا القاسم المشترك. إننا جيران، ويجب أن نعيش مثل الإخوة".