"صنعت خصوصاً من أجل الصين"، يبدو أن هذا هو الهدف من قاذفة الجيل السادس الشبحية الأمريكية بي 21 رايدر (B-21 Raider) التي كشف عنها النقاب الجمعة الماضي، في حفل حضره مسؤولون أمريكيون رفيعو المستوى، ولكن هل تعد طائرة جيل سادس حقاً، وهل تمثل تهديداً كبيراً للصين كما تقول أمريكا؟
تم الكشف عن B-21 Raider القادرة على حمل حمولة نووية ويمكن تحليقها بدون طاقم على متنها، في مدينة بالمديل بكاليفورنيا في الصباح الباكر يوم 3 ديسمبر/كانون الأول، بمداها البالغ 9600 كيلومتر وحمولتها الصافية حوالي 10 أطنان، وهو الأمل الوحيد لأمريكا في القدرة على محاربة الصين والبقاء بعيداً عن نطاقات صواريخها، حسبما ورد في تقرير لموقع Eurasian Times.
وفي حين أن الطائرة B-21 قادرة على الطيران بدون طيار، قالت القوات الجوية الأمريكية إن الطائرة معدة لهذا السيناريو، ولكن ليس هناك قرار بعد أن بأن تحلق بدون طاقم، حسبما ورد في تقرير لموقع الجزيرة الإنجليزي.
وقال متحدث باسم شركة نورثروب جرومان الأمريكية المصنعة للطائرة إن القوات الجوية الأمريكية تخطط لشراء ما لا يقل عن 100 طائرة من طراز B-21، والتي تأتي بسعر 700 مليون دولار لكل طائرة.
أول قاذفة أمريكية جديدة منذ 30 عاماً
وقال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في بيان معد في حدث يوم الجمعة: "B-21 Raider هي أول قاذفة استراتيجية منذ أكثر من ثلاثة عقود".
روج لويد أوستن لمدى الطائرة وتصميمها المتفوق.
قال: "خمسون عاماً من التقدم في التكنولوجيا الشبحية قد دخلت في هذه الطائرة"، حيث إن المعروف أن الولايات المتحدة قد أنتجت أول طائرة قتالية شبحية في العالم وهي القاذفة المتوسطة إف 117، التي أنتجت في نهاية الثمانينات، وقد تقاعدت من الخدمة قبل بضع سنوات، بينما لا يوجد أي دولة في العالم أخرى أدخلت الطائرات الشبحية للخدمة بشكل واسع، إلا الصين ولكت طائرتها الشبحية J-20 لا يعرف إمكاناتها بدقة، ويعتقد أن محركاتها غير شبحية، أما روسيا فمقاتلتها الشبحية سوخوي 57، لم تدخل الخدمة بعد بشكل كبير، ويعتقد أنه ما زال أمامها حاجة لمزيد من التطوير.
وقال وزير الدفاع الأمريكي إنه حتى أنظمة الدفاع الجوي الأكثر تطوراً ستكافح لاكتشاف B-21 في السماء.
وسيكون للقاذفة B-21، "جناح الطائر" مشابه لسابقتها بي 2 التي رغم تقدمها توصف بأنها باهظة التكلفة بشكل جعلها إلى حد ما غير عملية.
وبي 21 رايدر ستكون قادرة على حمل أسلحة تقليدية ونووية حول العالم باستخدام قدرات التزود بالوقود بعيدة المدى وفي الجو.
وتوقعت شركة نورثروب غرومان أن تصبح الطائرة الجديدة بمثابة "العمود الفقري لقوة القاذفات الأمريكية المستقبلية".
وقالت الشركة إن أول رحلة للقاذفة من المتوقع أن تتم في عام 2023، حيث إن ستاً من هذه القاذفات من التجميع والاختبار في منشآتها في كاليفورنيا.
وتعد القاذفة بي 21 رايدر أحد أكثر المشاريع طموحاً لسلاح الجو الأمريكي.
وسيتكلف مشروع الطائرة 203 مليارات دولار لتطوير وتشغيل وشراء 100 طائرة على مدار 30 عاماً، وفقاً للتقديرات التي قدمتها القوات الجوية الأمريكية إلى Bloomberg.
وفي الوقت نفسه، تظل التكلفة التقديرية لكل وحدة أقل من الهدف البالغ 550 مليون دولار، كل هذا يتوقف على مدى سرعة نورثروب في إنتاج سلسلة الإنتاج وعلى التغييرات التي ستدخلها.
وتم الكشف عن خطط طرح B-21 لأول مرة من قبل أندرو هانتر، مساعد وزير القوة الجوية للاقتناء والتكنولوجيا واللوجستيات، في مؤتمر الطيران والفضاء والسيبر لعام 2022 التابع لاتحاد القوات الجوية والفضاء.
ومنذ ذلك الحين، ينتظر المراقبون العسكريون والمتخصصون في الطيران بفارغ الصبر الإعلان الكبير عن الطائرة.
تطور كبير في تقنية التخفي
الجزء الأمامي الأمامي للقاذفة بي 21 رايدر هو الزاوية الوحيدة التي تم الكشف عنها، إلا أنها تظهر أن تقنية التخفي الأمريكية قد حققت قفزة هائلة إلى الأمام حقاً، حسب وصف موقع eurasiantimes.
مآخذ الهواء الرقيق هي أكبر مؤشر لتقنية المحرك والمواد المستخدمة في الطائرة، حيث يزيد وجود مآخذ كبيرة من فرص ارتداد الرادار عن الطائرة، لأن لديها مساحة أكبر للانعكاس منها.
من المعروف أن طائرة B-21 Raider تم تطويرها على أنها قاذفة تحلق أدنى من سرعة الصوت ولا تهدف للقيام بالمناورات الصعبة للمقاتلات، بل تعتمد على قدرات التخفي العالية لاختراق دفاعات العدو، وليس السرعة أو المناورة.
طلاء الطائرة به لون أبيض عكس معظم طلاءت التخفي التي تتراوح بين الأسود والرمادي، كما أنه لم يكن بالطائرة نمط التخفي الغريب من الحواف الحادة والتسنينات التي شوهدت في بي 2.
ولكن يمكن الافتراض أن شركة Northrop قد عملت على الانتقال من طلاء ومواد طلاء الرادار الباهظة الثمن التي غالباً ما يؤدي تآكلها إلى إبقاء الكثير من B-2s في حظيرة الطائرات، وارتفاع تكلفة صيانتها (حيث يجب إبقاؤها في حظائر عملاقة مكيفة).
إذ يبدو أن الولايات المتحدة تسعى لأن تعالج أكبر مشكلة في الطائرات الشبحية مثل المقاتلة إف 22 والقاذفة بي 2 وهي التكلفة والصعوبة العالية للصيانة، مما يجعل هذه الطائرات تلتهم الموارد وتطير عدد ساعات قليلة.
حاولت الولايات المتحدة تخفيض التكلفة في الطائرة الشبحية الشهيرة إف 35، التي قدمت كبديل أرخص وأكثر عملية للإف 22، ولكن النتائج حتى الآن مخيبة.
الطائرة صممت بتقنية تساعد على سرعة الإنتاج والتصميم والترقية
من المحتمل أن يستغرق الأمر عامين على الأقل قبل الدخول للخدمة، وسشهد الطائرة تغييرات كبيرة وتعديلات لوضع اللمسات الأخيرة على نموذج الإنتاج المتسلسل.
لكن شركة نورثروب تدعي أنه تم الاهتمام بهذه التحديثات من خلال نهج "التوأم الرقمي"، وهو نهج يقوم على بناء نسخة رقمية طبق الأصل من الطائرة، لتصور ودراسة تأثير التعديلات التقنية المختلفة. وبالاقتران مع تصميم "العمارة المفتوحة" (تصميم يسمح بإدخال تطويرات أكبر)، يُزعم أن عملية ترقية الطائرة ستكون أسرع وفعالة.
وتجلب عمليات التصنيع الصناعية "التوأم الرقمي" و"الهندسة الرقمية" فوائدها الخاصة في توفير التكاليف والوقت.
وتستخدم الطائرة B-21 ما يعرف بالبرمجيات الرشيقة، وتقنيات التصنيع المتقدمة، وأدوات الهندسة الرقمية للمساعدة في التخفيف من مخاطر الإنتاج.
ولا يعرف هل تم استخدام عمليات الطباعة ثلاثية الأبعاد غير واضحة ولكن لا يمكن استبعادها.
هل هي طائرة جيل سادس حقاً؟
قبل يومين من كشف شركة نورثروب غرومان عن B-21 "رايدر" قالت إنها قاذفة عن اختراق عميق، وقصف استخباراتي، واستطلاع (ISR)، ومنصة هجوم إلكترونية، كما وصفتها بأنها طائرة من الجيل السادس.
في بيان نشرته مجلة القوات الجوية والفضائية، قالت الشركة إن رايدر "تم تصميمها كمكون رئيسي لعائلة أكبر من الأنظمة التي ستوفر الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع والهجوم الإلكتروني وقدرات الشبكات متعددة المجالات".
هذا يعني أن الحصول على معلومات ساحة المعركة وإرسالها إلى القوات الصديقة هو دور أساسي للقاذفة، إلى جانب القصف بالصواريخ والقنابل، مع إمكانية تنفيذ كل منهما في وقت واحد.
لذلك، تعتبر الحرب الإلكترونية والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع (ISR) دوراً جديداً لهذه القاذفة الاستراتيجية، وربما يمهد الطريق لتعريف وتكوين طائرات الجيل السادس، والتي لم يتم توضيحها بعد.
ولا يزال مفهوم طائرات الجيل السادس سواء مقاتلات أو قاذفات فكرةً في مهدها، لكن هناك بعض السمات المميزة التي تشكل أساساً لتكوين طائرة الجيل السادس.
ولطالما انقسم خبراء الطيران العسكري حول ما قد تنطوي عليه تقنيات وقدرات الجيل السادس في الطائرات المقاتلة. رفض بعض المحللين البارزين مثل ألكسندر يرماكوف من مجلس الشؤون الدولية الروسي (RIAC) هذه الفئة باعتبارها مفهوماً "مصطنعاً" ابتكره مؤرخو الطيران و"مديرو التسويق".
ويعتقد أن طائرات الجيل السادس سواء مقاتلات أو قاذفات سوف يتوفر لها المزيد من الاستقلالية مع نسبة أعلى من الذكاء الاصطناعي (AI)؛ والمحركات تتم بدفع نفاث أكثر نعومة؛ وأجسام أكثر ديناميكية، ربما بدون ذيول لمزيد من التخفي؛ ورادارات أكثر قوة مع القدرة على إطلاق أسلحة الطاقة الموجهة، هذه هي بعض الميزات التي توصل الخبراء إلى إجماع واسع عليها.
وستتضمن مقاتلات الجيل المقبل على الأرجح قدرات التشغيل بقيادة طيار أو دون طيار، حسب الحاجة وطبيعة المهمة.
وكما هو الحال مع بعض طائرات الجيل الخامس، ستحتاج طائرات الجيل السادس للاندماج مع مجموعة متنوعة من المقاتلات، والطائرات المسيرة، والجنود، وأجهزة الاستشعار داخل شبكةٍ مشبعة بالبيانات تهدف إلى منح مقاتلي الحروب صورةً شاملة عن ساحة المعركة.
وسيعتمد أساس تقنية الجيل السادس على "عقول" الطائرة التي تتمثل في المنصات الرقمية المتطورة ذات قدرات التواصل، والذكاء الاصطناعي على متن الطائرة، ودمج البيانات، ومعدات الاتصال المتقدمة.
وستضم المقاتلات كذلك مزايا لمساعدة الطيار على التكامل مع الآلات بكل سلاسة. حيث ستضم الطائرات الجديدة لوحة معلومات من الجيل التالي، بالإضافة إلى "قمرة قيادة افتراضية" تظهر داخل خوذة الطيار لتمنحه رؤية بزاوية 360 درجة.
ويجب أن تتمتع طائرات الجيل السادس بتقنية التخفي الشبحية المتطورة، أكثر من سابقتها من الجيل الخامس، خاصةً مع ازدياد تطور أنظمة الدفاع الجوي. ويتوقع من طائرات الجيل السادس أن تحتوي على محركات الدورة المتغيرة التي تستطيع العمل بكفاءة وسط مختلف الظروف، بدايةً من التحليق الاقتصادي في استهلاك الوقود.
ويتوقع البعض أن تضم طائرات الجيل السادس أسلحة بالطاقة الموجهة؛ مثل نظام أسلحة القتال القريب بالليزر.
ونظراً لتطور تكنولوجيا الطيران العسكري الأمريكي والحالة المضطربة لمقاتلات الجيل الخامس مثل F-22 و F-35، فمن غير المرجح أن تكون Raider نقلة كبيرة من الجيل الخامس إلى الجيل السادس.
يعني قد يمكن وصفها بأنها جيل خامس زائد أو جيل سادس ناقص، هدفه تصحيح أخطاء الجيل الخامس وإضافة واختبار تقنيات من الجيل السادس النقي.
ولأن الانفتاح على الترقيات وسرعتها هو جزء أساسي من تصميم الطائرة، فإنه من المتوقع أنه خلال العقود اللاحقة في الخدمة، أن تشهد بي 21 رايدر ترقيات أكبر من خلال تجربتها الفعلية خاصة في ضوء تطور المنافسة الأمريكية مع الصين وروسيا، وسيكون لدى تقنيي الطيران ومنظري القوة الجوية والطيارين والمخططين العسكريين فكرة أوضح عن المرحلة التطورية التالية.
هل تستطيع توجيه طائرات مسيرة مرافقة لها؟
واحدة من أكثر التقنيات التي ينظر لها أنها من سمات طائرات الجيل السادس، هي إمكانية أن تعمل الطائرة كسفينة أم لطائرات مسيرة، ويقال إن الصينيين يختبرون هذا الأمر مع طائرتهم الشبحية J-20، بينما يقول الأتراك إنهم يطورون بالفعل طائرة مسيرة لكي تكون مرافقة أو تابعة لطائرتهم الشبحية من الجيل الخامس.
وتقول شركة نورثروب إن الطائرة B-21 ستعتمد على "منصات أو أنظمة الدعم الخارجية".
ولكن من غير الواضح ما إذا كان هذا يعني طائرات مرافقة أو مركبات تطلق قاذفات أو أقماراً صناعية أو تقنية أخرى.
وأعلن وزير القوات الجوية الأمريكي فرانك كيندال مؤخراً، عن تعليق خطة تطوير طائرات مقاتلة تعاونية طويلة المدى ومستقلة أو "wingmen" للطائرة B-21.
كان من المفترض أن تصطحب الطائرات المسيرة المرافقة القاذفة B-21 إلى عمق أراضي العدو. وقد تطلق فخاخاً أو مركبات التشويش أو طائرات استطلاع مسيرة.
كيف ستتعامل بكين وموسكو مع بي 21 رايدر؟
من المناسب أن نتذكر أن الولايات المتحدة طورت مقاتلات شبح من الجيل الخامس في حقبة أحادية القطب استمرت 30 عاماً، حيث لم يكن لديها منافسون اقتصاديون أو تقنيون أو عسكريون، حيث كان الاتحاد السوفييتي قد بدأ يتدهور حاله وصولاً لانهياره عام 1991، والصين لم تكن قد صعدت كما هي الآن.
ولذا فإن المنافسة مع روسيا والصين وتزايد قدرتهما على توجيه ضربة قاسية للجيش الأمريكي ستؤثر على مستقبل الطيران القتالي الأمريكي.
نظراً لأنه يعتقد أن بي 21 أكثر تقدماً من القاذفتين الشبحيتين اللتين ما زالتا قيد التطوير وهما الصينية H-20 والروسية PAK-DA فإن هناك قلقاً كبيراً في بكين وروسيا بشأن قدرات Raider.
لماذا تحتاج الولايات المتحدة إلى B-21 ضد الصين؟
قد تكون القاذفة بي 21 رايدر في نهاية المطاف أول أداة ذات مصداقية للولايات المتحدة لمحاولة معالجة النطاق الهائل من نقاط ضعفها اللوجستية والتكنولوجية والعقائدية في مواجهة الصين في غرب المحيط الهادئ، حسب وصف موقع Eurasian Times.
إذ تمتلك الصين الآلاف من صواريخ DF-16 و DF-17 و DF-21 و DF-21D و DF-26 القادرة على قصف كل القواعد الأمريكية الرئيسية المعدة لمواجهة بكين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
ويفترض أن هذه الصواريخ ستدمر هذه القواعد التي يقع أغلبها في جزر المحيط الهادئ واليابان وكوريا في حالة نشوب حرب واسعة النطاق.
في حال قصف كادينا في اليابان وجزيرة غوام الأمريكية، ستقف الولايات المتحدة تراقب بلا حول ولا قوة الصين وهي تهاجم تايوان.
إذا تدخلت الولايات المتحدة، يمكن للصينيين الاستمرار في القتال بشكل مريح من أراضيهم والاستمرار في استهداف أي أصول بحرية وجوية أمريكية مع تحمل بعض الخسائر المادية والأفراد المقبولة والمتوقعة.
إذا فشلت صواريخ القوة الصاروخية لجيش التحرير الشعبي (PLARF)، فإن البحرية الصينية (PLAN) والقوات الجوية الصينية (PLAAF) لديهما الأعداد والتكنولوجيا الكافية لمنع التدخل الأمريكي، بينما يستولي باقي الجيش على تايوان.
وبالتالي، فإن هذا يجعل القاذفات الشبحية الاستراتيجية مثل B-21، وأسلافها من القاذفات الأخرى مثل B-52 التي يعود عمرها لما يقرب من 70 عاماً، والقاذفة الأسرع من الصوت B-1 Lancer والقاذفة الشبحية B-2 Spirit، الميزة الرائدة لأمريكا في الحرب في غرب المحيط الهادئ، لأنه يمكنها القدوم من القواعد الأمريكية البعيدة في أراضي الولايات المتحدة نفسها وقصف الصين وأصولها البحرية بصواريخ كروز قبل أن تصل لمدى أسلحة الدفاع الجوي الصينية.