قاد اللاعب الكاميروني فينسنت أبوبكر منتخب بلاده الكاميرون إلى تسجيل انتصار تاريخي لها ضد منتخب البرازيل، بتسجيله هدفاً رائعاً في الوقت بدل الضائع، كان ذلك الهدف يعني الكثير لمنتخب الكاميرون، إلى حدِّ أنّ أبو بكر نسي بطاقته الصفراء واحتفل بالهدف بنزع قميصه، وهو ما كلّفه البطاقة الحمراء.
ورغم مرارة إقصاء الفريق الإفريقي من المونديال، فإنّ الأسود غير المروضة بصمت على مشاركة مشرّفة في كأس العالم قطر 2022، بفضل تألق اللاعب فينسنت أبو بكر، الذي حسم المواجهة أمام السامبا، وقاد ريمونتادا الأسود الكاميرونية ضد منتخب صربيا في الجولة الثانية، بعد أن دخل بديلاً في تلك المباراة وأحرز هدفاً من أجمل أهداف الدورة، وأسهم في آخر.
ولا يزال صامويل إيتو، رئيس الاتحاد الكاميروني لكرة القدم، يتمتع بشخصية أسطورية بين الكاميرونيين، نتيجة لمسيرته الكبيرة في عالم الكرة، والآن مع انتهاء مشاركة الأسود غير المروضة في مونديال قطر يقترب اللاعب الحالي لمنتخب الأسود غير المروضة، فينسنت أبو بكر، من تلك المكانة الخالدة.
وُلد لعائلة فقيرة وبيئة إجرامية وبدأ كرة القدم حارساً للمرمى
بحسب موقع lifebogger، المختص في سِير اللاعبين، وُلد فينسنت أبو بكر في 22 يناير/كانون الثاني 1992، بمدينة غاروا الكاميرونية، وسط عائلة فقيرة، تضم 8 أبناء، وتعشق كرة القدم حتى النخاع، فحتى والدته كانت تلعب كرة القدم في الشارع.
قضى فينسنت معظم أيام طفولته في حي رومدي أدجيا الشهير بغاروا، والحي الشهير بكثرة المجرمين ومتعاطي المخدرات.
لم تكن حال عائلة فينسنت الاجتماعية والاقتصادية بأحسن حال، فقد كانت تعيش فقراً مدقعاً رغم أنّ والده إدوارد حاول توفير لقمة العيش عبر وظيفته طباخاً، إلّا أنه فشل في جعل طفولة أبو بكر أحسن، ما جعل تركيز والدته على توجيه ابنها فينسنت على التركيز على دراسته أكثر.
سمحت قامة فينسنت له بأن يكون من أبرز حراس المرمى في منطقته، عندما باشر مشواره الكروي وهو في سن 6 سنوات، وكثيراً ما كانت كل آمال زملائه في اللعب تقع على عاتقه، بحكم أنه كان حارس مرمى جيّداً.
كان فينسنت متعدد المراكز في اللعب أيضاً، يلعب حارساً للمرمى تارة، ومناصب كرة القدم الأخرى من أجل المتعة فقط.
في طفولته أخذ فينسنت أوّل لقب له، حين أطلق عليه الناس في الكاميرون لقب "نينهو"، بسبب حبه لرونالدينيو، ومشاهدة مقاطع الفيديو الخاصة به، ومحاكاة طريقة لعب الأسطورة البرازيلية.
بغض النظر عن عدم وجود أموال لشراء حذاء كرة قدم لابنهما فينسنت، لم يهتم والداه بموهبته المبكرة. في ذلك الوقت لم يعتقد إدوارد وماوبيل (والدا أبو بكر)، أن كرة القدم يمكن أن تجلب الثروة لعائلتهما، فقد كانا يشعران بأن ابنهما فينسنت مثل معظم أطفال مدينة غاروا، سوف يستسلم في مرحلة ما.
لذلك حثّ والدا فينسنت أبو بكر على التركيز أكثر على دراسته بدلاً من كرة القدم، وكان تركيز فينسنت على حلمه أكبر، ولم يفكر أبداً في الاستسلام.
ترك فينسنت أبو بكر مركز حراسة المرمى دون رجعة، وبدأ التركيز في منصبه الجديد كمهاجم. كان هناك سبب واحد محدد وراء قيامه بهذا التبديل.
بالنسبة لفينسنت فإن اللعب مهاجماً بدلاً من حارس مرمى سيجعل مهاراته تبرز أكثر، كما شعر أن ذلك سوف يلفت انتباه المدربين والقائمين على اكتشاف المواهب.
في حيّه، حيث كان يلعب كرة القدم، غالباً ما يأتي الكشافة المحليون للتعاقد مع أفضل المواهب في كرة القدم.
جاءت أفضل لحظة في بداية مسيرة فنسنت أبو بكر في عالم كرة القدم، حينما كان عمره 12 عاماً، عندما تم استدعاؤه للمشاركة في مسابقة كرة القدم المعروفة باسم Top Cup. هذه المسابقة تنظّم سنوياً لآلاف الأطفال عبر مناطق الكاميرون.
شارك فينسنت في بطولة Top Cup، التي أعطته أكبر فرصة في حياته، في النهاية أصبح فنسنت أفضل لاعب في المسابقة، وانتسب في أكاديمية براسيريز، حيث واصل أبو بكر تطوير مهاراته والكشف عن مواهبه.
في عام 2006، انضم أبو بكر إلى نادي القطن الكاميروني، حيث واصل إظهار مكانته، وارتقى فينسنت أبو بكر في صفوف النادي سريعاً، قبل أن يشق طريقه إلى الفريق الأول، وتكيف المهاجم بسرعة، ليصبح هداف البطولة الكاميرونية من أوّل موسم.
في موسم 2009/ 2010، وعندما ساعد فينسنت فريقه القطن الكاميروني للفوز بالدوري مرة أخرى، بدأت الصحافة المحلية في رؤيته كخليفة جدير لصامويل إيتو.
ولإثبات ذلك، كان على فينسنت أبو بكر السفر إلى أوروبا، حيث كان صمويل إيتو يعبث بالفرق الأوروبية بألوان برشلونة وإنتر ميلان.
من القطن الكاميروني إلى اللعب في أبرز الدوريات الأوروبية
في عام 2010، وبالتحديد في مايو/أيار، تم استدعاء فينسنت أبو بكر، البالغ من العمر حينها 18 عاماً، إلى قائمة المنتخب الكاميروني، للمشاركة في كأس العالم 2010 في جنوب إفريقيا.
بعد أسبوعين فقط من تلقي مكالمة الاستدعاء مع المنتخب الكاميروني، وقّع أبو بكر في 26 مايو/أيار مع نادي فالنسيان في فرنسا.
بذلك اتبع أبو بكر مسار النجم الكاميروني روجيه ميلا في كرة القدم الأوروبية، من خلال الانضمام إلى فريق فالنسيان الفرنسي بعد كأس العالم 2010. خلال تلك البطولة، ظهر أبو بكر لأول مرة دولياً، حيث كان شريكاً قوياً للقائد إيتو، عندما كان يبلغ من العمر 18 عاماً.
اللافت في هذا التعاقد أنّ نادي فالنسيان لم يرَ اللاعب الكاميروني يلعب سابقاً، فقد كان بول لوجوين مدرب الكاميرون حينها هو الشخص الذي أبلغ النادي الفرنسي عن أبو بكر.
وصل فينسنت أبو بكر إلى فرنسا لأول مرة بعد مونديال 2010، ولم يكن لدى فينسنت سيارة، لذلك جاء للتدريب سيراً على الأقدام.
انتظر أبو بكر طويلاً قبل أن يتمكن من هز الشباك مع ناديه الجديد، جاء هدفه الأوروبي الأول ضد باريس سان جيرمان، في ديسمبر/كانون الأوّل 2010، وكان موسمه الأول سيئاً يوحي بفشل التجربة، بعد أن خاض 20 مباراة، وسجل أربعة أهداف فقط، وصنع هدفاً واحداً.
بعد تسجيله تسعة أهداف في 72 مباراة استنفد نادي شمال فرنسا صبره على أبو بكر، وقرر النادي بدافع الإحباط بيع المهاجم إلى نادي لوريان الفرنسي.
في لوريان انفجر أبوبكر، وسجَّل 16 هدفاً، وأنهى الموسم ثاني أفضل هداف في فرنسا.
وقع أبو بكر، في 24 أغسطس/آب 2014، مع العملاق البرتغالي نادي بورتو، اكتشف أبو بكر دوري أبطال أوروبا، وسجل 36 هدفاً للنادي.
في المجموع، فاز الكاميروني بأربعة ألقاب مع بورتو، اثنان في الدوري الممتاز، وكأس البرتغال، وكأس السوبر البرتغالي، قبل الانتقال إلى وجهة أخرى.
في عام 2016، انضم أبو بكر إلى بطل الدوري التركي نادي بيشكتاش، حيث واصل إظهار قوته الهجومية، وعلى غرار نادي بورتو، فاز أبو بكر بلقب الدوري والكأس مع بشيكتاش.
بعد التجربة الفرنسية والبرتغالية والتركية، خاض أبو بكر تجربة جديدة في الملاعب السعودية، ففي 8 يونيو/حزيران 2021، وقع فينسنت مع نادي النصر السعودي مقابل 6 ملايين يورو سنوياً، وهو النادي الذي لا يزال ينشط معه حتى الآن.
فينسنت أبو بكر خليفة إيتو في منتخب الكاميرون
بدأت مغامرات فينسنت أبو بكر مع منتخب الكاميرون الأول، عندما كان عمره ثمانية عشر عاماً فقط، حين استدعاه المدرب الفرنسي بول لوجوين كما ذكرنا سابقاً، للمشاركة في كأس العالم 2010.
تدريجياً فرض أبو بكر نفسه المهاجم الأوّل لمنتخب الكاميرون، خصوصاً بعد اعتزال صامويل إيتو، فقد شارك أبو بكر مع منتخب بلاده في أكثر من 75 مباراة دولية، منذ أول مباراة له في 2010، وشارك معه في بطولة كأس العالم في نسخ 2010 و2014 و2022، وشارك في بطولة أمم إفريقيا في نسخ 2015 و2017 و2021.
وقبل مشاركته في كأس العالم 2022، كانت أعظم لحظة لفنسنت أبو بكر مع فريق الأسود غير المروضة هي مساعدتهم على الفوز بنهائيات كأس الأمم الأفريقية 2017، حين سجّل الهدف الذي فازت به الكاميرون بكأس إفريقيا ضد منتخب الفراعنة مصر، وفاز بالحذاء الذهبي في كأس الأمم الإفريقية لذلك العام.
في كأس الأمم الإفريقية 2021، التي احتضنتها بلاده، أثبت أبو بكر نفسه مرة أخرى كقوة تهديفية في إفريقيا، من خلال تسجيله 8 أهداف في 7 مباريات فقط.
وفي كأس العالم قطر 2022، قام أبو بكر بانتشال منتخب الكاميرون من هزيمة منتظرة أمام منتخب صربيا، عندما نزل بديلاً في الدقيقة 55، وكان فريقه متأخراً بثلاثة أهداف لهدف.
نجح أبو بكر في قلب الطاولة على صربيا بتسجيل هدفٍ رائع، وصناعة هدف آخر، محرزاً التعادل للكاميرون، وأنقذها من الخروج المبكر.
وفي المباراة الثالثة أمام منتخب البرازيل، التي دخلها أبو بكر أساسياً، نجح المهاجم الكاميروني في تحقيق انتصار تاريخي هو الأول لمنتخب إفريقي على البرازيل، حين سجّل هدفاً رائعاً في الوقت بدل الضائع.
ورغم خروجه بالبطاقة الحمراء بسبب احتفاله بنزع قميصه، دخل أبو بكر تاريخ كأس العالم، بصفته أوّل لاعب يسجّل يُطرد في مباراة مونديالية، منذ طرد الفرنسي زين الدين زيدان أمام إيطاليا في نهائي 2006.