عندما التقت طالبة الدراسات العليا بيني باترسون مع غوريلا صغيرة تعاني من مشاكل صحية، لم تكن لديها أدنى فكرة أنها ستكون طرفاً في أطول تجربة علمية لتعليم لغة الإشارة، وأن علاقة صداقة عمرها أكثر من 40 عاماً ستربطها مع الغوريلا كوكو.
ولادة الغوريلا كوكو بمشاكل صحية
عام 1971 ولدت الغوريلا كوكو في حديقة حيوانات سان فرانسيسكو، ومنذ اليوم الأول لولادتها، كانت كوكو تعاني من مشاكل صحية، بعد أن رفضت أمها تغذيتها أو الاعتناء بها، فكانت حياتها في خطر، واضطر القائمون على حديقة الحيوان لتقديم الرعاية لها بدلاً عن أمها.
قضت كوكو الأشهر الستة الأولى من حياتها في حضانة حديقة الحيوانات، وخلف نافذة زجاجية، حيث يمكن للجمهور رؤيتها، فكانت مصدر جذب كبيراً للجمهور.
أما التغيير الحقيقي الذي سيجعل من الغوريلا كوكو أعجوبة في عالم الحيوان، حدث عندما تقدمت "بيني باترسون" بطلب لرعاية كوكو، ضمن مؤسسة خاصة، في مقابل جعلها مادة لأطروحة الدكتوراه التي تعمل عليها في علم النفس التنموي في جامعة ستانفورد.
وتعلمت كوكو لغة الإشارة، خلال فترة تمتد لـ4 سنوات، ولم تكن تعلم أن تلك السنوات الأربع ستتحول إلى أكثر من 40 عاماً بعد النتائج المذهلة التي ستحققها الغوريلا كوكو.
في غضون عام، كان مشروع الغوريلا كوكو قيد التنفيذ، وكانت صدمة "بيني باترسون" كبيرة، لأنه في غضون أسبوعين فقط من تدريبها، كانت كوكو أول غوريلا تستخدم لغة الإشارة الصحيحة للطعام والشراب وغير ذلك.
تعلم لغة الإشارة فتح أبواباً جديدة للتواصل بين الغوريلا كوكو والبشر.
في السنوات التي تلت، أمضت بيني باترسون، معظم حياتها في رعاية الغوريلا كوكو، فنشأت بينهما علاقة صداقة قوية، وبمساعدة باترسون، تعلمت كوكو استخدام أكثر من 1000 كلمة من لغة الإشارة.
وكانت تفهم ما يقرب من 2000 كلمة إنجليزية منطوقة. علاوة على ذلك، فهمت الغوريلا كوكو كلمات لغة الإشارة جيداً بما يكفي لتكييفها أو دمجها للتعبير عن المعاني الجديدة التي تريد التعبير عنها.
وكان الهدف الرئيسي للتجربة، تعلم المزيد عن أفكار ومشاعر الغوريلا، ومعرفة مدى قدرتها على التفكير وفهمها للواقع من حولها، ومن ناحية ثانية، زيادة التعاطف لإنقاذها من الانقراض الذي يتسبب به الإنسان في البرية، وزيادة الشعور بالمسؤولية عن بيئتنا المشتركة، فمن خلال حماية بيئاتهم فإننا نحمي بيئتنا أيضاً .
الغوريلا كوكو تتبنى قططاً وتشعر بالألم لفقدانها
عام 1985 وبعد أن بلغت الغوريلا كوكو 13 عاماً من العمر، كان في غرفتها داخل المؤسسة مجموعة كبيرة من الألعاب، ومجموعة من القصص والصور والمجسمات، ولاحظ القائمون على المشروع أن قصصها المفضلة كانت القصص المصورة عن القطط.
حتى إنها عبرت عن رغبتها باستخدام لغة الإشارة، أنها ترغب بالحصول على قطة صغيرة، كهدية، ظن القائمون على رعايتها أنها ترغب بدمية على شكل قطة، فأحضروا لها دمية محشوة وكان شكلها واقعياً قدر الإمكان.
لكن الغوريلا كوكو لم تكن سعيدة بتلك الهدية بل على العكس كانت مستاءة للغاية، ورفضت اللعب بها وواصلت ترديد كلمة "حزين" عن طريق لغة الإشارة.
لذلك قررت بيني باترسون أن تسمح لها باختيار قطة صغيرة حقيقية من بين عدة قطط تم إحضارها في صندوق. تعاملت الغوريلا كوكو بكل رقة مع تلك القطط، ولسبب ما اختارت القطة ذات اللونين الرمادي والأبيض.
أطلقت كوكو على قطتها اسم "All Ball" كانت القطة صغيرة للغاية وتشبه الكرة. وأحبت كوكو استخدام كلمات متشابهة بالقافية عندما تستخدم لغة الإشارة. فكان ذلك الاسم مناسباً للغاية.
كان لدى الغوريلا كوكو جدول كامل من دروس لغة الإشارة والأنشطة الأخرى بشكل يومي، وسُمح لها باللعب مع قطتها لمدة ساعة تقريباً في اليوم.
ومع هذا تعلقت كوكو بقطتها بشدة، وكذلك فعلت القطة الصغيرة التي لم تظهر أي خوف من الغوريلا التي كانت تزن أكثر من 100 كيلوغرام.
لعبتا المطاردة مع بعضهما البعض وكانت كوكو تمسك القطة وتداعبها بكل لطف، وتفاعلت القطة معها كما لو كانت إنساناً. واستخدمت كوكو لغة الإشارة لوصف قطتها وكانت تردد "ناعمة. جيد. قطة". لكن سعادة كوكو مع قطتها لم تدم طويلاً.
تجولت قطتها الصغيرة خارج المؤسسة، ولم ينتبه لها أحد عندما غادرت إلى الشارع القريب، وتعرضت للدهس من سيارة مسرعة.
عندما نقل القائمون على المشروع الخبر الحزين لكوكو، تصرفت وكأنها لم تسمعهم لمدة 10 دقائق، وكأنها لم تصدق ما قالوه لها أو أنها لم تستطِع استيعابه.
لكنها فجأة بدأت بإصدار صيحات مميزة تقوم بها الغوريلا عندما تكون حزينة، ما دفع الموجودين في الغرفة للبكاء لشدة تأثرهم.
وباستخدامها لغة الإشارة قالت الغوريلا كوكو: "النوم. قطة." لم تجد كوكو تعبيراً عن الموت غير كلمة النوم، لكنها بالتأكيد كانت حزينة للغاية.
الغوريلا كوكو تنضم لليوتيوب وآخر رسائلها للبشر
على مدى 4 عقود، كتبت الكثير من الصحف والمجلات والبرامج التلفزيونية عن الغوريلا كوكو، حتى أنها ظهرت على غلاف مجلة ناشيونال جيوغرافيك، ومع ظهور مواقع التواصل والإنترنت، وفي عام 2009 افتتح القائمون على مشروع كوكو قناة يوتيوب خاصة بها، لمشاركة مقاطع من حياتها ورسائلها من خلال لغة الإشارة.
في عام 2016 ظهرت الغوريلا كوكو، والتي كانت تبلغ حينها 44 عاماً، في مقطع فيديو لتحث البشر على حماية البيئة. وعبرت عن طريق لغة الإشارة، وقالت: "أنا غوريلا. أنا أزهار، حيوانات، أنا طبيعة. كوكو تحب البشر. كوكو تحب الأرض. ولكن الإنسان غبي".
"كوكو آسفة. كوكو تبكي. الوقت يمضي. أصلح الأرض! ساعد الأرض! على عجل".
وعلى الرغم من كون الرسالة التي نقلتها الغوريلا كوكو في الفيديو، ليست من تأليفها، وأنها أُعطيت نصاً لقراءته للكاميرات، لكن المقطع كان مؤثراً لحد ما بالكثيرين، كونه يأتي من فصيلة معرضة للانقراض فعلاً بسبب ما يقوم به البشر من أضرار للبيئة.
جدير بالذكر أن بعض العلماء قدموا بعض الاعتراضات، وادعوا أن الغوريلا كوكو لم تكن بذلك الذكاء الخارق، وأن نتائج المشروع كان مشكوكاً في دقتها، كون القائمين على المشروع تربطهم علاقة قوية مع الغوريلا كوكو، تمنعهم من تقديم بيانات محايدة.
لكن بعض الدراسات تشير إلى أنها كانت تستطيع معرفة ما تقوله من خلال إظهارها وهي تشير إلى أشياء معينة، أو إنشاء كلمات مركبة جديدة من الإشارات التي تعرفها بالفعل.
في عام 2018 أعلنت مؤسسة الغوريلا كوكو، أنها ماتت أثناء نومها لأسباب طبيعية عن عمر يناهز 46 عاماً، بعد أن كانت تظهر عليها علامات أمراض مرتبطة بالتقدم بالعمر.
ومهما كانت نتائج المشروع ودقة البيانات التي جُمعت خلال أكثر من 40 عاماً، فإنها لا تمحو الطريقة الساحرة التي تواصلت بها كوكو مع البشر، وأنها كانت مخلوقة لطيفة، تعلم منها البشر الذين كانوا حولها أكثر مما تعلمت هي منهم.