"ظاهرة".. هكذا يمكن وصف حالة الإعجاب الشديد بـ"هبة مجدي"، الممثلة المصرية الأربعينية، التي ما إن صارت تظهر لأي سبب حتى تنطلق صيحات الاستحسان والثناء على الفنانة جميلة الوجه، وتنهال التعليقات وتسجيلات الإعجاب، التي تؤكد على أنها النموذج المفقود للفنانة "الكاملة"، ولكن هل جمالها اللافت هو السبب الوحيد لحالة الإعجاب الشديدة تلك؟
في الحقيقة لا، فظهور هبة مجدي عادةً ما يأتي مطابقاً لمواصفات "الكود الشعبي" لما يجب أن تكون عليه الأناقة والذوق، جمال "وسطي جميل" ظلّ سالماً من عمليات النفخ والشد وإجراءات الملء، واختيارات لأزياء بمواصفات ثابتة، حوّلتها من ممثلة عادية إلى رمز لـ"الاحتشام"، صحيح أنها ليست محجّبة، ولا تتعمّد ارتداء ملابس ذات أكمام طويلة، إلا أنها استطاعت عبر اختياراتها المتتالية أن تحصد لقب "الفنانة المحتشمة".
من هي هبة مجدي؟
بلا أموال طائلة على فساتين بملايين، وبسهولة لافتة، حتى من دون حركات استعراضية أمام الكاميرا، تنجح في كل مرة في جذب الانتباه، شابة ذات ملامح جميلة هادئة، ولدت عام 1988، تشبه في تربيتها وتفاصيل طفولتها ملايين المصريين، من أبناء الطبقة الوسطى، هؤلاء الذين انتظموا في مدارس الراهبات، واجتهدت عائلاتهم للانتظام في التمارين العديدة لتقويم السلوك، مع حرص شديد ومحافظة لافتة على صغيرتهم، منذ الطفولة وحتى عقب دخولها إلى الجامعة ظلت تحت عناية الأسرة بقوة.
الأمر الوحيد المميز بشأنها كان حين أهّلتها ملامحها المميزة، واهتمام عائلتها بتدريبها على فن الباليه، للالتحاق بعدة أعمال فنية بينما كانت لا تزال طفلة بعد، مثل مسلسل الأطفال بوجي وطمطم والفوازير التي كان الراحل فؤاد المهندس يقدمها، بعنوان "فوازير عمو فؤاد"، مع عدد من المسلسلات مثل العيد ألوان وعائلة مجنونة جداً، وغيرها، لتستمر في تقديم أدوار صغيرة بانتظام.
شاركت هبة مجدى في عشرات الأعمال الفنية، أشهرها "جبل الحلال"، و"موسى"، و"نصيبي وقسمتك"، و"الأخ الكبير" وغيرها من الأعمال، فضلاً عن مسرحيتين وعدد من المسلسلات الإذاعية، ولكن أي من حجم الأدوار أو الأداء الذي قدمته هبة مجدي لا يتناسب بحال مع بروز اسمها بشكل لافت، فهل يتعلق الأمر باحتشامها فقط؟
أداء فني متواضع
"عايزة أعرف إيه إنجازها الدرامي أو السينمائي عشان نتعامل معاها كنجمة"، هكذا تساءلت صديقتي بجدية شديدة، بعدما تحولت صور هبة مجدي عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى ترند مقرون بحالة إعجاب استثنائية، كان آخرها ظهورها بالقفطان المغربي، في ختام مهرجان القاهرة السينمائي، لتنهال عليها التعليقات، من عيّنة "قمر ما شاء الله.. جمال واحتشام"، "الفنانة الوحيدة اللي بتلبس حلو بدون عري".
حين أحاول أن أتذكر دوراً معيناً مميزاً وفارقاً قدَّمته هبة مجدي استطاع أن يترك أثراً عميقاً في رأس الجمهور لا أجد أي دور، اللهم إلا ذلك الدور الذي قدمته بمسلسل الزوجة الرابعة، حين قدمت شخصية الزوجة المنتقبة، ذات الطباع الطيبة، تلك المغلوبة على أمرها، التي ترغب في طاعة زوجها وراحته حتى لو كان هذا يعني طلاقها في النهاية.
والإجابة في رأيي لا، هي لم تقدم دوراً قوياً لدرجة تكافئ حالة الهيام الشديدة بها، هي مثلاً لم تظهر ولو لمرة واحدة كبطلة في واحدة من قصص "ليه لأ؟"، أو غيرها، لم يبدأ النظر لها حتى الآن، بالرغم من سنوات عملها الطويلة، كبطلة يمكنها أن تحتمل بطولة عمل وحدها، لذا يبقى أداؤها الفني حبيس نطاق ضيق ومساحات محدودة، والأمر بالكامل يتعلق بـ"مزاج المصريين" في ضرورة الاحتشام، سواء تعلق ذلك بـ"طفلة صغيرة" أو فنانة كبيرة، لا فارق في تقييم الفنانات خلال المهرجانات سوى بـ"درجة العري"، كلما كانت أقل زادت درجة الإعجاب والتقدير، والحق أن هبة مجدي حريصة للغاية على تلك النقطة بالذات، سواء ظهرت في برنامج، أو خرجت إلى الشاطئ، أو حضرت مهرجاناً دولياً، في كل الأحوال تحرص بشدة على الاحتشام مع ذوق خاص جداً عادة ما يكون بسيطاً ومميزاً كل مرة.
هل زوجها هو السبب؟
يشار إلى محمد محسن باعتباره زوجها الثاني، وتلك معلومة غير دقيقة، فهي لم تتزوج سوى مرة واحدة، تمت خطبتها قبلها مرة واحدة، والغريب في الأمر أن كلاً من خطيبها الأول وزوجها الحالي يحملان الاسم نفسه.. "محمد محسن"، كان الأول ضابط شرطة، والثاني مطرب شاب.
لا تحب ابنتها دهب مشاهدة أعمالها، تقولها هبة بابتسامة، كأنه شيء ليس مهماً، ربما لأن المهم لها حقاً هو ما تفعله ابنتها على أرض المواقع "بتحب تشوفني أم أكتر ما تشوفني ممثلة".
في الواقع لا دخل لزوجها في ذوق ملابسها ودرجة احتشامها، فالأمر سيان قبل وبعد الزواج، لم يختلف أي شيء بشأن هبة، وإذا أردت التأكد فيمكنك الملاحظة خلال لقاءتهما، كيف يتعامل معها ويتحدث عنها محمد محسن، والذي لم يأتِ ولو مرة على ذكر ملابس زوجته، كما أنه لم يكن حريصاً بأي شكل على أن يظهر بدور "الحمش" في حياة زوجته، كما هي الحال مع أحمد العوضي وياسمين عبد العزيز مثلاً.
أحترم العلاقة التي تجمعهما، من ناحيتها لا تدع هبة مجدي مناسبة إلا وتؤكد على احترامها له، ولفنه، ولما يقدمه، وهو كذلك، لا أنسى الطريقة "السخيفة" التي استقبلها بها أمير كرارة في برنامجه "سهرانين"، حين سألها لحظة دخولها "عاملة إيه؟ وجوزك عامل إيه؟ طبعاً تلاقيه عمال يغني ليل نهار ما بيسكتش!" لحظتها لم تستوعب هبة الطريقة السخيفة، وتعاملت بلطف شديد، وصحّحت أن هذا أمر جيد، ثم هضمت كل شيء وحوّلت مسار الحديث بالكامل نحو الأطفال، مع حفظ ماء وجهه، وإسناد الفضل له في العناية بصغيرها.
السر وراء هبة مجدي.. وهكذا يتم استغلالها
في رأيي، فإن كلمة السر في حياة تلك الشابة كانت "بابا"، كان والدها هو من يرسم لها الطريق باستمرار، يقرأ معها "السيناريو"، يختار معها الأعمال، يذهب بصحبتها إلى التصوير، يشجعها على الاشتراك في أكثر من مسلسل في الوقت ذاته "كان بيشجعني، كنت ممكن أشترك في 4 مسلسلات في السنة مثلاً"، حتى إنه لا يدعها تعبر الشارع وحدها، حماية كاملة وتامة، ومصدر لم ينضب حتى آخر لحظة، منحها الطاقة والتشجيع، فضلاً عن الحضور الطاغي والطيب له باستمرار، "كان بيستحمل أوقات التصوير الطويلة"، ربما يفسر محافظتها المستمرة والدائمة على شكل بعينه، بعيد تماماً عن الابتزال بأي شكل، وجود والدها الدائم في حياتها حتى سنوات مضت، أما الآن وعقب وفاته فهي تستشير "نفسها" وتسير على النهج، أو كما يقول المثل الشعبي المصري "اللي خلف ما ماتش"!
الفتاة المدللة تعرضت لعدد من الصدمات، كان أكثرها قسوة وفاة والدها قبل حوالي سبع سنوات، ذلك كان حدثاً فارقاً في حياة الممثلة التي اختلفت ملامحها ونبرة صوتها وطريقتها في العموم، ولعل تلك النقطة بالذات تم استغلالها بقسوة أخيراً، واستفزاز الشابة الحزينة، هذا ما حدث في برنامج "سهرانين"، حين تعمّد مقدم البرنامج تقديم أغانٍ حول "الفقد" كي يستفز دموعها، وهو ما حدث فعلاً، حيث انهارت هبة، التي كانت لا تزال ترتدي اللون الأسود حين ظهرت في البرنامج.
الاستغلال ذاته حدث في لقائها مع قناة النهار، حين ظلت المذيعة تضغط عليها حتى أبكتها، بعدما احتبست الدموع في عينيها وهي تقول: "هو كان كل حاجة في حياتي، كل الناس القريبين مني عارفين بابا بالنسبالي إيه".
في انتظار من يكتشفها حقاً
رحل الوالد الذي كان يعلم الكثير عن إمكانات ابنته، ويرى فيها ما لا يراه غيره، تاركاً داخلها بذرة ترعاها هبة بجد، فمثلاً لا يعلم الكثيرون أنها لم تكتفِ بحصولها على ليسانس الآداب، وأنها تخصصت في النقد المسرحي، لكنها انطلقت لاحقاً لتدرس في معهد الموسيقى العربية، لتبدأ خطواتها الفعلية في رسالتها، والتي أنهتها عقب وفاة والدها، لتحصل على درحة الـ"ماجستير"، حيث قامت بإعداد دراسة تحليلية لأداء الدويتو عند فريد الأطرش وعبد الحليم حافظ في السينما المصرية، وذلك بأكاديمية الفنون، فضلاً عن أنها تعمل في مجال التدريس الفني!
سيدة جميلة، لها شعبية، صوتها جميل، وترغب في التعلم باستمرار، لا ترى نفسها "نجمة"، وتتعامل بتواضع المبتدئين، تستطيع أن تمنحك نصائح جيدة وصادقة جداً عن "البشرة والشعر والجمال عموما"، وتنجح في الظهور الإعلاني، فضلاً عن نجاحها كزوجة تؤمن بأن "العائلة تأتي أولاً"، تحترم عملها وجمهورها وزوجها، وحتى أطفالها، تحرص على خصوصيتهم فلا تحولهم إلى "مادة" إعلانية، كل هذا برأيي يجعلها "مادة خصبة" لفنانة عظيمة، تنتظر فقط من يستطيع اكتشافها، خاصة عقب رحيل مكتشفها وداعمها الأول، والدها.
قرابة الأربعة ملايين شخص شاهدوا الدويتو الذي جمع بين كل من محمد محسن وهبة مجدي بصحبة منى الشاذلي، لها صوت جميل، والأهم من صوتها هو إحساسها أثناء الغناء، فهي لا تغني وحسب، لكنها تشعر بكل حرف وكلمة تقولها، يظهر ذلك على قَسمات وجهها، وحركات يديها وذراعيها، ربما لهذا حين قدمت أغنية وحيدة عام 2015 نجحت بشكل كبير، وحصلت على المركز الأول في قائمة أفضل 20 أغنية عبر تطبيق وموقع مزيكا.
تظل كلمة السر وراءها في "البساطة"، وتمسكها بتلك الـ"بساطة"، هي مثلاً ضد عمليات التجميل، ولا تفكر بأي شكل فيها، حتى لو كان "فيلر" للشفاه، ذلك تحديداً فكرت فيه، ثم تراجعت سريعاً، حين أدركت أنها لن تكون هي من بعده، حين سألتها المذيعة عن الصفة التي ترغب في التخلص منها، أشارت إلى "سرعة التصديق"، فهي كثيراً ما تصدق، وحكمتها المفضلة "إمشي جنب الحيط يحتار عدوك فيك"، لعل هذه الحكمة هي داؤها ودواؤها في آنٍ واحد.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.