منذ صعود الرئيس الأمريكي جو بايدن لسدة الحكم، مرت العلاقات الأمريكية الإماراتية بحالة من التوتر والشد والجذب، وقد كشف سفير الإمارات بالولايات المتحدة يوسف العتيبة ذلك صراحةً، في مارس/آذار الماضي، حيث صرّح بأن العلاقات بين الطرفين تمر باختبار ضغط، مضيفاً أن بلاده منفتحة على الانخراط في أنشطة دفاعية مع جميع الشركات والدول، لكنها قلقة حيال واشنطن.
لكن يبدو أن تلك العلاقة الاستراتيجية للطرفين لا تغيرها التوترات مثل الخلاف على أزمة النفط، أو موقف أبوظبي من الحرب الروسية الأوكرانية، وميلها نحو موسكو، على عكس ما تريد واشنطن. كيف ذلك؟
العلاقات الأمريكية الإماراتية لن تغيرها التوترات العابرة
يوم الإثنين 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، صرّح المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، أنور قرقاش، أن الإمارات ترغب في علاقات أمنية رسمية مع الولايات المتحدة، وأكد قرقاش في كلمة ألقاها في "مناظرة أبوظبي الاستراتيجية"، أن العلاقات الأمنية الاستراتيجية مع واشنطن ثابتة، ولكن من الضروري إيجاد طريقة لضمان الاعتماد على هذه العلاقات لعقود قادمة، من خلال "التزامات واضحة ومقننة".
وبحسب تحليل منشور لموقع "أسباب"، فالإمارات ليست بصدد التخلي عن تحالفها مع واشنطن لمصلحة أي قوة دولية أخرى، لكنّ هذه التقلبات في محددات العلاقة تنتج عن تخلي واشنطن نسبياً عن التزاماتها التقليدية تجاه المنطقة، وهو ما يربك حسابات حلفائها، ويدفعهم لاختبار بدائل أخرى، أو الضغط على واشنطن لانتزاع التزامات واضحة تجاه أمنهم.
لذا تأتي تصريحات قرقاش في إطار المساعي الإماراتية، لحث واشنطن على الانخراط في مناقشات أوسع حول قيمة الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، وضرورة تأطير شراكة أمنية بشكل رسمي وملزم.
وقد يكون إبرام اتفاقية أمنية ثنائية على غرار الموقعة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، أو ضم الإمارات لتصنيف "دولة حليفة من خارج الناتو"، الذي يرتب التزامات ومزايا واضحة ومحددة، مفتاحاً لذلك، كي تتجنب الإمارات التقلبات الحادة في السياسة الأمريكية بين الجمهوريين والديمقراطيين، ولا يتأثر الالتزام الأمريكي تجاه أبوظبي عندما تتغير الإدارات في البيت الأبيض، بحسب موقع أسباب.
بالإضافة إلى ذلك تقدر الإمارات بصورة راسخة أن تعزيز شراكتها الثنائية مع الولايات المتحدة هو أكثر فاعلية من الانخراط في أي مظلة إقليمية مقترحة، إذ تدرك أبوظبي أن الاشتراك في تحالف إقليمي متعدد سيبدو بوضوح أنه ضد إيران، وهو ما يخالف سياسة التوازن التي تحرص عليها الإمارات، والتي تتطلب عدم تصعيد العداء مع طهران، وتعزيز الروابط التجارية معها.
وهو الأمر الذي بدا بوضوح من خلال تكرار تأكيد أبوظبي في أعقاب قمة النقب، في مارس/آذار الماضي، والتي جمعت أمريكا ومصر والإمارات والمغرب والبحرين وإسرائيل، أنها لن تكون جزءاً من تحالفات إقليمية عسكرية تستهدف أي دولة بعينها.
الإمارات تسعى لاستقلال أمني ودفاعي عن دول الجوار
كذلك فإن الترتيبات الثنائية الملزمة مع الولايات المتحدة، وأيضاً مع إسرائيل، تجنب أبوظبي التناقضات التي من المتوقع أن يشهدها أي تحالف إقليمي واسع، في ظل التباينات في السياسات الإقليمية، على سبيل المثال تجاه التعامل مع إيران، وفي ظل التنافس بين دول المنطقة كما في حالة التنافس الاقتصادي المتزايد مع السعودية، وحتى فقدان الثقة بين بعض دول الإقليم كما في حالة الإمارات وقطر على سبيل المثال.
في ضوء ذلك تسعى الإمارات إلى الاستقلال الأمني والدفاعي عن دول الجوار، دون أن يعني هذا رفض الانخراط في ترتيبات أخرى معهم، لكنّها تسعى كي تكون في وضع لا يتطلب الاعتماد عليهم لتحقيق أمنها، الأمر الذي تؤكده شواهد منها الحرص الإماراتي على تطوير قدراتها الجوية الهجومية، لتصبح الأولى في الخليج، متفوقة بذلك على السعودية التي احتلت هذا المركز منذ عقود.
وهذا ما تسعى له أبوظبي بالفعل، من خلال الصفقة المحتملة مع واشنطن للحصول على طائرات F35، وطائرات بدون طيار مسلحة من طراز MQ-9B، وطائرة EA-18G Growler، فضلاً عن الأنظمة الدفاعية التي تعاقدت عليها مع إسرائيل.
وثمة بُعد آخر يتعلق بالتنافس التقليدي بين الإمارات وقطر، فبينما تبدي إدارة بايدن تقديراً للشراكة مع قطر على خلفية التعاون في عدة ملفات، مثل أفغانستان وتأمين إمدادات الغاز إلى أوروبا، ما انعكس على تصنيف الإدارة الأمريكية لقطر "كحليف رئيسي من خارج الناتو"، فإن الإمارات لا ترى أنها تحظى بنفس التقدير، وهو ما يدفع أبوظبي لحث واشنطن على إظهار التزام مماثل.
هل تتجاوب إدارة بايدن مع المخاوف الإماراتية؟
لذلك، من المرجح أن إدارة بايدن ستحرص على احتواء المخاوف الإماراتية، وستتعامل بصورة إيجابية مع مطالب أبوظبي، وستُواصل التأكيد على التزاماتها الأمنية، كما ستواصل بجدية حثّ دول المنطقة للتوصل لترتيبات أمنية إقليمية ترعاها واشنطن، تقوم فيها هذه الدول بتحمل الأعباء الأمنية الإقليمية.
وفي الوقت عينه ضمان اعتبارات المصالح الأمريكية طويلة الأجل في الشرق الأوسط، والتي تقتضي عدم تمدد النفوذ الصيني والروسي كنتيجة لأي تراجع للأدوار الأمريكية في المنطقة.
لكن بحسب "أسباب"، ليس من المتوقع أن ترفع واشنطن مستوى شراكتها الأمنية مع الإمارات في الوقت الراهن؛ حيث يتطلب ذلك موافقة مجلس الشيوخ، وهو أمر سيواجه بمعوقات، أولها قضايا حقوق الإنسان، خاصةً المرتبطة بملف حرب اليمن، وثانيها وهو الأهم، ويتمثل في الاستياء الأمريكي من موقف أبوظبي من الحرب في أوكرانيا، وعدم انخراطها في العقوبات المفروضة ضد روسيا، والجدل المثار مؤخراً حول تدخل الإمارات في السياسة الحزبية الأمريكية، والذي وصفته وثيقة استخبارية أمريكية بأنه تم من خلال ممارسات قانونية وغير قانونية.
الخلاف الإماراتي الأمريكي حول أوكرانيا
ومنذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، اتخذت الإمارات موقفاً غير داعم لواشنطن ودول غربية، بشأن الحرب الروسية على أوكرانيا، إذ امتنعت في مجلس الأمن عن التصويت ضد موسكو.
وكشف دبلوماسيون أمريكيون، في مارس/آذار الماضي، أن الدول الغربية "أصيبت بخيبة أمل كبيرة"، إزاء امتناع الإمارات عن التصويت مرتين، خلال التصويت على قرارات في مجلس الأمن تتعلق بالحرب في أوكرانيا، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.
وفسّر دبلوماسيون تصويت روسيا- المقرّبة من إيران التي تدعم الحوثيين- لمصلحة القرار، بأنه ثمرة "اتفاق" بين موسكو وأبوظبي، هدفت موسكو عبره إلى ضمان امتناع الإمارات عن التصويت في مجلس الأمن ضد الحرب الروسية على أوكرانيا.
كانت أبوظبي امتنعت عن التصويت على القرار الذي قوبل بفيتو روسي، إلى جانب الهند والصين، وفسّرت قرارها بأنه نابع من رغبتها في عدم تأييد أي طرف في النزاع، داعية إلى حل دبلوماسي.