وُلد سون يات سين في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 1866، لأسرةٍ من المزارعين الفقراء تعيش في شيانغشان بمقاطعة غوانغدونغ-جنوب الصين. ومنذ السادسة من عمره، بدأ العمل في المزرعة قبل أن يهاجر إلى هاواي الأمريكية عام 1879 مع شقيقه ووالدته.
التحق هناك بمدرسةٍ تبشيرية بريطانية لمدة ثلاث سنوات، ثم بمدرسة أمريكية لعامٍ آخر. وفي عام 1892 تخرّج في كلية الطب بهونغ كونغ، وبدأ يمارس مهنة الطب داخل البلاد.
إلى جانب مهنته كطبيب، كان سون يات سين مولعاً بالسياسة، ومعارضاً لحُكم سلالة تشينغ التقليدي المحافظ؛ فقرر في عام 1894 التوجه شمالاً نحو مقاطعة تشيهلي، للتواصل مع لي هونغ تشانغ (حاكم المقاطعة)؛ من أجل توضيح أفكاره حول كيف تستطيع الصين اكتساب القوة.
عندما لم يتلقَّ أي ردٍّ إيجابي، ترك الصين وتوجه من جديد إلى هاواي، ولكن هذه المرة من أجل تأسيس واحدة من أكبر المنظمات الثورية السرية الصينية، خارج البلاد.
انتفاضة كانتون وسنوات المنفى
ذهب سون يات سين إلى هاواي في أكتوبر/تشرين الأول 1894، حيث أسّس منظمة تدعى "جمعية إحياء الصين"، التي أصبحت فيما بعدُ رائدة الجماعات الثورية السرية؛ كانت تضم بين صفوفها الطبقة البرجوازية الصينية، لا سيما المغتربين، والتي أخذت على عاتقها مسؤولية "استعادة الصين، وتأسيس الجمهورية".
بدأت الجمعية في طرح فكرة الإطاحة بحكومة تشينغ، وكانت أول من تحدث عن فكرة تأسيس الجمهورية الصينية في العلن أمام الشعب الصيني.
في العام 1895، أسَّس سون المكتب الرئيسي لـ"جمعية إحياء الصين" في هونغ كونغ إلى جانب فروع مختلفة باليابان. ومن ثم عمل مع المنظمات الثورية الأخرى من أجل إطلاق "انتفاضة كانتون"، التي قُمعت من قِبل السلطات الصينية وتسبّبت في إرسال سون إلى المنفى.
بعد عامٍ واحد من الانتفاضة، تعرّض سون لعملية اختطاف من قِبل السفارة الصينية في لندن، حيث احتُجز 13 يوماً تحضيراً لإعادته إلى الصين؛ لكنّ تدخل وزارة الخارجية البريطانية حال دون ذلك، وأُطلق سراحه ليكتسب شعبيةً كبيرة إثرها.
بعد 8 أشهر من الاختطاف، سافر سون إلى اليابان ليلتقي الفيلسوف الياباني ميازاكي تورازو، الذي كانت تجمعه صداقات عدة مع شخصيات حكومية يابانية رفيعة المستوى.
ونتيجةً لذلك، التقى سون برئيس الوزراء الياباني إينوكاي تسويوشي، والسابق أوكوما شيجينوبو، والدبلوماسي سويجيما تانيومي؛ في محاولةٍ لتلقي مساعدة سياسية ومالية.
سون يات سين يؤسّس التحالف الثوري
عام 1904 نجح سون في إنشاء خلايا ثورية عدة في مختلف أنحاء أوروبا، وفي عام 1905 أصبح رئيساً لحزب التحالف الثوري الصيني في طوكيو. وعلى مدى السنوات الثلاث التالية، أصبحت "مجلة الشعب" (التابعة للحزب) منبراً مناهضاً للنظام الصيني يدعو إلى إرساء الديمقراطية، وقيام الجمهورية داخل البلاد.
في تلك الأثناء، قاد سون يات سين العديد من الانتفاضات، لكنها باءت جميعاً بالفشل؛ الأمر الذي أحبط مناصريه وأعضاء حزبه، فانخفضت المساهمات والتمويلات المالية الخارجية.
علاوةً على ذلك، ونتيجةً للضغوط التي مارستها سلالة تشينغ، تجاهلت الحكومات الأجنبية سون بشكلٍ متزايد تلك الفترة. وقد وصل الأمر إلى أنه -في عام 1907- أعطت الحكومة اليابانية مبلغاً من المال إلى سون، وطلبت منه مغادرة البلاد.
في ظلِّ هذه الظروف، بدأ سون جولةً جديدة في أوروبا والولايات المتحدة لإعادة تنظيم الصفوف، فاستطاع جمع مزيد من المال من كندا والولايات المتحدة؛ وهو ما أدى إلى قيام ثورة 29 مارس/آذار التي انتهت بالفشل هي الأخرى، لتبدو إمكانية النجاح الثوري بعيدة المنال أكثر من أي وقتٍ مضى.
ثورة 1911 وتأسيس الجمهورية
في عام 1911، قررت سلالة تشينغ تأميم خطوط السكك الحديدية، الأمر الذي تسبّب في غضبٍ عارمٍ بين مختلف فئات الشعب الصيني.
على أثر ذلك، اندلع تمرّدٌ مسلّح في مقاطعة سيتشوان، وفشلت الحكومة المحلية في قمعه؛ بالتزامن مع ذلك استولى الثوار على مدينة ووهان وأطاحوا بالحكومة المحلية، فأنشأوا حكومةً مؤلفة منهم، الأمر الذي ألهم مجموعات ثورية أخرى للانفصال.
في تلك الأثناء، علم سون يات سين بثورة ووهان من الصحف، في أثناء وجوده بالولايات المتحدة، فعاد إلى شنغهاي في 25 ديسمبر/كانون الأول 1911. وفي 29 ديسمبر/كانون الأول، عقدت المقاطعات الـ17 المنفصلة عن الصين مؤتمراً في نانجينغ، وانتخبت سون رئيساً مؤقتاً لجمهورية الصين.
وفي 1 يناير/كانون الثاني 1912، أعلن سون يات سين عن تأسيس جمهورية الصين، وصاغ الدستور المؤقت للبلاد، كما أصدر سلسلة من المراسيم المؤيدة لتطوّر الديمقراطية والرأسمالية داخل البلاد.
في هذه الأثناء، وبدعمٍ من الخارج، حرّض القائد العسكري الصيني يوان شيكاي، سراً، مرؤوسيه على معارضة سون.
تحت ضغط الصينيين والأجانب، اضطر سون يات سين إلى التنازل عن كثير من التدبيرات الواجب اتخاذها. وعلى الرغم من تنحى الإمبراطور في 12 فبراير/شباط 1912، فإن سون استقال في اليوم التالي، ليُنتخب شيكاي رئيساً للبلاد، وتسقط ثمار الثورة في يده.
قيام الملكية من جديد وإعادة الجمهورية مرة أخرى
في سبتمبر/أيلول عام 1912، قرّر شيكاي تعيين سون يات سين مديراً عاماً لتطوير السكك الحديدية، خصوصاً أنه (أي سون) كان يخطط لبناء 100 ألف كيلومتر من السكك الحديدية في غضون 10 سنوات.
ولكن خوفاً من شعبية سون، أصدر شيكاي قراراً باغتيال سون، في الوقت الذي أعاد فيه سون تنظيم التحالف الثوري ويؤسّس الحزب القومي المعروف بـ"الكومينتانغ" -وهو الحزب الحاكم في تايوان حالياً- بسبب ذلك دعا سون إلى حملةٍ عقابية مسلحة ضدّ شيكاي.
في يونيو/حزيران 1913، أرسل شيكاي قواته لمهاجمة مقاطعة جيانغشي ونانجينغ؛ على أمل القضاء على حزب الـ"كومينتانغ". في المقابل، وبدفعٍ من سون، أعلنت مقاطعة جيانغشي الاستقلال عن الصين وإطلاق حملة عقابية ضدّ شيكاي، الأمر الذي مهّد لقيام الثورة الثانية.
بعد استقلال جيانغشي، تبعتها العديد من المقاطعات الأخرى -وضمن ذلك نانجينغ، وآنهوي، وشنغهاي، وقوانغدونغ، وفوجيان، وهونان- لكن بسبب الترهل الذي أصاب حزب الـ"كومينتانغ"، وعدم وجود قيادة موحدة لقواته المسلحة، سرعان ما قُمعت الثورة الثانية، واضطرّ سون يات سين إلى الفرار من جديد إلى اليابان.
وبحلول نهاية عام 1915، أعاد شيكاي النظام الملكي معلناً نفسه إمبراطوراً للبلاد؛ إلا أنه أُجبر -بعد المعارضة الداخلية والضغوط الخارجية- إلى إلغاء الملكية في العام التالي، العام نفسه الذي توفي فيه شيكاي، فقاد البلاد من بعده رئيس الوزراء دوان كيروي.
إلى الشيوعية.. أنظار سون يات سين نحو السوفييت
منذ أغسطس/آب 1922، شهدت أفكار سون يات سين تغييرات كبرى بعد أن فقد الأمل في الحصول على الدعم من اليابان والغرب الرأسمالي. فتوجهت أنظاره نحو السوفييت الشيوعيين.
في البداية، التقى الشيوعيين الصينيين وتعرّف إليهم وتوطدت علاقته بهم، ما أدى إلى لقائه بالدبلوماسي السوفييتي أدولف جوفي، الذي تعاون سون معه.
في سبتمبر/أيلول 1922، شرع سون يات سين في إعادة هيكلة حزب الـ"كومينتانغ" على سياسة جديدة تقوم على ثلاثة أركان هي: التحالف مع روسيا السوفييتية، والتعاون مع الحزب الشيوعي الصيني، ومساعدة العمال والفلاحين.
ومن ثم أسّس أكاديمية "هوانغبو" العسكرية، ودعا المستشارين السوفييت إلى الصين، للمساعدة في تدريب القوات الثورية على غرار النظام العسكري السوفييتي. وفي هذا الإطار، فإن أشهر أقوال سون: "للقيام بالثورة؛ يجب أن نتعلم من روسيا. ما لم نتبع النموذج الروسي، فإن الثورة التي يقوم بها حزبنا لن تنجح أبداً".
كان الإرث الكبير لسون في هذه الفترة هو ترسيخ مبادئ الصين الجمهورية، فأصبح بمثابة "أبٍ للصين الحديثة"، في نظر القوميين والشيوعيين؛ إلى جانب دوره المهم في إنشاء أسطورة الحزب الشيوعي الصيني.
في 12 مارس/آذار 1925، توفي سون يات سين في بكين، وترك وصيةً أعلن فيها: "كرستُ نفسي على مدى أربعين عاماً للقضية الثورية. هدفي هو الحصول على الحرية والمساواة في الصين، وأرى أنه لتحقيق هذا الهدف يجب أن تنهض الأمة كلها وأن نتحالف مع تلك الدول التي ستعامل الصين على قدم المساواة، دعونا ننهض ونقاتل معاً. الثورة لم تتحقق بعد".
وأعرب، في رسالته الأخيرة إلى الاتحاد السوفييتي، عن أمله في أن "فجر اليوم الذي سيرحب فيه الاتحاد السوفييتي، كصديق وحليف، بصين قوية ومستقلة بات قريباً، وذلك في النضال الكبير من أجل تحرير الشعوب المضطهدة".
وتابع يقول: "العالم سوف يمضي يداً بيد لتحقيق النصر، لذا يجب أن نحقق إيقاظاً شاملاً لشعبنا، ونتحالف معاً مع شعوب العالم التي تعاملنا على أساس المساواة".