إذا كنت تحتفظ في منزلك أو في سيارتك بكرة قدم، فإن غالب الظن أنها وصلت إليك من مدينة سيالكوت، التي تقع شمال شرقي باكستان بالقرب من منطقة كشمير الحدودية. حيث يُصنع أكثر من ثلثي كرات العالم في واحد من المصانع المنتشرة في المدينة، التي يبلغ عددها 1000 مصنع. وتتضمن هذه الكرات "كرة الرحلة" التي تنتجها شركة أديداس للملابس الرياضية، التي تعد الكرة الرسمية التي تُلعب بها مباريات بطولة كأس العالم في قطر.
أكبر مصنع لكرات القدم في العالم.. قصة مدينة سيالكوت الباكستانية
في سيالكوت، يعمل حوالي 60 ألف شخص في صناعة الكرات، أي ما يعادل 8% من سكان المدينة. إذ يعملون غالباً لساعات طويلة، ويخيطون ألواح الكرة مع بعضها يدوياً، كما يقول تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
فأكثر من 80% من الكرات التي تُصنع في سيالكوت تستخدم الخياطة اليدوية، التي تعد عملية شاقة، لكنها تطيل عمر الكرة وتمنحها قدراً أكبر من الاستقرار الديناميكي الهوائي. فهذه الطبقات تكون أعمق، والغرز اليدوية تجعلها مشدودة أكبر من الغرز التي تُخاط باستخدام الآلات.
في مصنع أنور خواجة (Anwar Khawaja Industries)، يحصل الخياطون على ما يقرب من 160 روبية باكستانية -أي حوالي 75 سنتاً- في الكرة الواحدة. وتستغرق كل كرة حوالي 3 ساعات. وبمعدل 3 كرات، يحصل كل خياط وخياطة على حوالي 9600 روبية باكستانية في الشهر. صحيحٌ أن المنطقة فقيرة، ولكن حتى هذه الأجور تكون منخفضة فيها؛ إذ يقدر الباحثون أن الأجر المعيشي في سيالكوت يصل إلى حوالي 20 ألف روبية هندية شهرياً.
صناعة يدوية تقودها النساء بجودة عالية
غالبية الأشخاص الذين يخيطون الكرات يكونون من النساء. وفي أي يوم اعتيادي داخل مصنع أنور خواجة، تخيط النساء كرتين على الأرجح، ثم يعدن إلى بيوتهن ليحضرن الطعام لأطفالهن، ثم يواصلن عملهن في قرية قريبة بعد الظهيرة.
يعمل الرجال عادة في مراحل مختلفة ضمن عملية التصنيع، إذ يجهزن المواد المستخدمة أو يختبرن جودة المنتجات. قبل سن تشريعات العمل في عام 1997، كانت المصانع في سيالكوت توظف أطفالاً تصل أعمارهم إلى 5 سنوات، بجانب آبائهم. وذكر تقرير صادر في عام 2016 أن حظر عمالة الأطفال يمثل تهديداً على الصناعة في سيالكوت، لأنه "انتزع شريحة كاملة من جيل محتمل من العمال المهرة"، وهو ما يؤدي إلى نقص مستمر في الأيدي العاملة.
يستخدم العمال المواد اللاصقة مع المواد النسيجية، ليشكلوا أجزاءً من الجلود الاصطناعية لكرة القدم. تُصنع هذه الجلود الاصطناعية من القطن والبوليستر والبولي يوريثان، وتأتي من بلاد مختلفة. تُستخدم المواد القادمة من الصين مع الكرات الأرخص، بينما تُستخدم المواد القادمة من كوريا الجنوبية مع الكرات ذات الجودة الأعلى. وبالنسبة للكرات التي تكون وجهاتها الدوري الألماني أو الدوريات الأوروبية الأخرى، فإن المكونات التي تأتي من اليابان هي التي تستخدم معها.
ما هي مراحل صناعة كرة القدم اليدوية؟
يقول تقرير بلومبيرغ، إن العمال يفحصون ألواح الكرات في مصنع أنور خواجة. وتُصنع أي كرة عادية من 20 لوحاً سداسي الأضلاع و12 لوحاً خماسي الأضلاع، محكومةً بـ690 غرزة. لكن هناك عدداً متزايداً من كرات القدم التي تُجمع فيها الألواح باستخدام الصمغ، في عملية تسمى الترابط الحراري.
وتبقى هذه الكرات ذات جودة عالية وأرخص من حيث تكاليف الإنتاج، لكن تكاليف نقلها تكون باهظة، بجانب أنها غير قابلة للإصلاح أو تفريغ الهواء منها، على عكس الكرات المصنوعة بالغرز اليدوية.
وتمر الكرات المصنوعة عبر عملية اختبار محمومة كي تستوفي المعايير التي وضعها الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا). وفي هذه الاختبارات، تمر الكرات عبر اختبار كرويتها للتأكد من مثالية استدارة الكرة كي تكون مثالية في الهواء وعند الارتداد وعند الحركة. يشتري الأشخاص حول العالم ما يصل إلى 40 مليون كرة سنوياً، ويُتوقع أن ترتفع المبيعات خلال كأس العالم.
كيف تطورت صناعة كرات القدم تاريخياً؟
في عام 1855 قام العالم تشارلز جوديير بصنع أول كرة قدم من المطاط، وفي البداية لم تكن هناك مواصفات محدد للكرة، إلا أن الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم في عام 1872 قام بتحديد مواصفات معينة للكرة كأن تكون كروية الشكل ويتراوح محيطها بين 27 و28 إنشاً، وتزن 15 أوقية، وبعض هذه المواصفات مُعتمَد إلى اليوم في البطولات الكبيرة.
وتطورت الكرة المستخدمة في اللعبة، ليتم صنعها من المطاط، لكنها ذات ثقب واحد يمكن فتحه لنفخ الكرة، ثم غلقه مرة أخرى، وكان ذلك في عام 1862.
وفي 1970، صمم المهندس المعماري ريتشارد فولر، شكلاً مستحدثاً من الكرة وتم استخدامها في كأس العالم بالمكسيك، وكان ذلك التصميم عبارة عن 12 جزءاً خماسي الأضلاع، و20 جزءاً سداسي الأضلاع، ويتم خياطتها معاً، ثم نفخ الكرة بالهواء وتلوينها بالأبيض والأسود حتى تسهل رؤيتها عبر شاشات التلفاز البيضاء والسوداء.