في 8 يوليو/تموز 1982، تواجه المنتخب الفرنسي مع منتخب ألمانيا الغربية في نصف نهائي كأس العالم بملعب رامون سانشيز بيزخوان في إشبيلية الإسبانية، في مباراة دراماتيكية.
تقدّم المنتخب الفرنسي في النتيجة 3-1 مع بداية الوقت الإضافي، قبل أن يعود الألمان في النتيجة ويكسبوا ورقة المرور إلى الدور نصف النهائي بعد الفوز بالمباراة بركلات الترجيح.
لكنّ "ليلة إشبيلية" كما اتفق الإعلام الفرنسي والألماني على تسميتها، كانت أيضاً مسرحاً لواحد من أكثر الأعمال المروّعة التي شهدتها هذه الرياضة على الإطلاق.
فأكثر ما جعل تلك المباراة عالقة في أذهان تاريخ كأس العالم، هي الإصابة الفظيعة التي تعرّض لها اللاعب الفرنسي باتيستون من قبل الحارس الألماني شوماخر، حيث كسر لباتيستون اثنتين من أسنانه، وثلاثة أضلاع، وتضرر نخاعه الشوكي، وهي اللحظة التي صُنّفت إحدى أقسى لحظات كأس العالم.
شوماخر يرتكب أبشع تدخل في تاريخ كأس العالم
علاوة على الإثارة التي حملتها مباراة النصف النهائي من كأس العالم 1982 بإسبانيا، والتي جمعت بين منتخبي الديوك الفرنسية والمانشافت الألماني، والتي شهدت 6 أهداف وإثارة كبيرة، ولم تحسمها سوى ركلات الجزاء الترجيحية، وهي أوّل مباراة في تاريخ كأس العالم تلجأ إلى ركلات الترجيح للحسم، فإنّ ما حدث في الدقيقة الـ60 من تلك المباراة بقي في ذاكرة كأس العالم.
قبل ذلك، تعرّض اللاعب الفرنسي بيرنارد جينغيني إلى إصابة قوية في الدقيقة الـ50، ليضطّر إلى مغادرة الملعب، ويدخل مكانه المهاجم "باتريك باتيستون" الذي كان يراقب من كرسي الاحتياط عنف حارس منتخب ألمانيا، توني شوماخر، الزائد عن اللزوم.
لم يكن باتيستون يعلم أنه سيغادر الملعب هو الآخر بطريقة عاطفية للغاية بعد 10 دقائق فقط من دخوله بديلاً.
في الدقيقة الـ60، يمرّر النجم الفرنسي ميشال بلاتيني تمريرة سحرية إلى الأمام، ليكون باتيستون وجهاً لوجه مع المرمى، وبينما كان يرقب الفرنسيين الطريقة التي سيسجّل بها البديل الفرنسي، كان الحارس الألماني شوماخر قد قرّر بسرعة كبيرة الخروج من مرماه نحو الكرة التي كانت في متناول المهاجم الفرنسي باتيستون.
كان لدى حارس فريق "إف سي كولن" متسع من الوقت لتجنب اللاعب الفرنسي، وبدلاً من ذلك، قفز شوماخر في الهواء، ولوى جسده وألقى بوركه في وجه الفرنسي بسرعة عالية، الذي تلقى ضربة قوية تلاها اصطدام لا يقلّ قوة بالأرض.
توقف الجميع بعد تلك اللحظة، اللاعب باتيستون على الأرض، يحاول أن يرفع ذراعه ثم يسقط ذراعه بطريقة غريبة، ليندفع بعدها لاعبي الديوك بالركض باتجاه باتيستون للاطمئنان عليه، وتحديداً بعدما ظهرت على وجهه الدماء! اعتقد الكثير من اللاعبين أنّ باتيستون يمكن أن يكون قد فارق الحياة، في هذا الصدد قال بلاتيني، الذي بدا أكثر المتأثرين بالحادث بعد ذلك: "لم يكن لديه نبض، لقد بدا شاحباً جداً".
بقي باتيستون 7 دقائق كاملة على أرض الملعب قبل أن يحمل بالنقالة إلى المستشفى.
استمر اللعب بعدها وسط ذهول من لاعبي منتخب فرنسا من الذي حدث للتو، لقد فقد اللاعب الفرنسي باتيستون 2 من أسنانه، وأصيب بكسور في 3 أضلاع، كما عانى من مشاكل في الظهر مدى الحياة، وأطلق على الحارس الألماني توني شوماخر لقب "جزار إشبيلية" بعد تلك الواقعة.
جُنحة بلا عقاب.. الحَكم لم يرَ خطأ شوماخر الفظيع!
كانت تلك الحادثة تستوجب تدخل الحكم، لكن على العكس من ذلك، لم يكن هناك خطأ أو عقوبة أو حتى بطاقة صفراء، وبدلاً من ذلك، أشار الحكم الهولندي، تشارلز كورفر، إلى ركلة مرمى، وسط استغرابٍ من الفرنسيين، ومن جميع من تابع تلك المباراة من وراء الشاشات.
قال كورفر في وقت لاحق، أعتقد أنني كنت سأمنح شوماخر بطاقة حمراء، لكن في المباراة كنت مقتنعاً أنني اتخذت القرار الصحيح.
فيذكر الحكم الهولندي أنّه لم ير التصادم العنيف، كونه كان يتابع الكرة التي خرجت من المرمى، وعلى الفور سأل الحكم الهولندي، تشارلز كورفر، مساعده على خط التسلل عما رآه، وأخبره أنّ التصادم لم يكن مقصوداً.
يذكر الحكم الهولندي أنه منذ ذلك الحين، لم يستطع فعل أي شيء أكثر من ذلك، ويتحسّر عن الخطأ بالقول "للأسف، لم يكن من الممكن مشاهدة الصور على الشاشة، بطبيعة الحال، شعرت بالأسف الشديد بعد ذلك، لأن فرنسا خسرت بعد أن تقدمت 3-1، لقد أُلقي باللوم علىّ في ذلك".
توني شوماخر أصبح أكثر شخصية ألمانية مكروهة في فرنسا
لا يزال الهجوم على أرض الملعب أحد الأخطاء الأكثر إثارة للاشمئزاز في تاريخ كأس العالم، مع ذلك كان موقف الحارس الألماني شوماخر من الإصابة أكثر بروداً، في البداية أراد الحارس الألماني لعب الكرة دون اكتراث للحالة التي كان عليها اللاعب الفرنسي الملقى على أرض الملعب، وهو يمضغ العلكة.
وعندما أخبرته وسائل الإعلام الفرنسية أنه ضرب أسنان باتيستون، هز الألماني كتفيه: "إذا كانت الأسنان فقط، أخبره أنني سأدفع لطبيب أسنانه"!
في استطلاع أجرته إحدى الصحف بعد فترة وجيزة، تغلب توني شوماخر على أدولف هتلر، باعتباره العدو الأكبر لفرنسا، كما ارتفعت المشاعر المعادية لألمانيا في فرنسا خلال الأسابيع التي تلت المباراة، مع تماثيل الحارس التي عُثر عليها معلقة على أعمدة الإنارة، وذلك وفقاً لما نقلته dailymail البريطانية.
أدت المشاعر المتنامية بالكره، التي تسبب بها الحارس شوماخر، إلى تدخل السياسيين، فقد أرسل المستشار الألماني هيلموت شميت برقية إلى الرئيس فرانسوا ميتران، وأصدر كلاهما بيانات لمحاولة نزع فتيل الأزمة.
كما رتّب أحد أصدقاء باتيستون لقاءً بعد ذلك بوقت قصير في ميتز، حتى يتمكن حارس المرمى شوماخر من الاعتذار عما فعله، كان ذلك في اليوم السابق لحفل زفاف باتيستون، وقدم شوماخر إلى الحفل بهدية والاعتذار.
مع ذلك، لم يتوقف كره الفرنسيين للحارس الألماني، في سنة 1984، ووفقاً لموقع goal الفرنسي، تواجه المنتخبان الألماني والفرنسي لأول مرة بعد كأس العالم.
يقول شوماخر "عندما دخلت الملعب في ستراسبورغ في أول مباراة دولية لنا ضد فرنسا بعد كأس العالم، رأيت نفسي كدمية بالحجم الطبيعي، تتدلى على حبل المشنقة" ويضيف "تم تسييج الملعب وتأمينه من قبل الشرطة بالهراوات، وإلا لكان الفرنسيون يمزقونني. وفي كل مكان كانت هناك لافتات عليها صليب معقوف وشعارات النازية".
مع ذلك كانت تلك المباراة فرصة للقاء شوماخر مع باتيستون، فقد تبادلا القمصان في غرفة تغيير الملابس، وقاما بطوي أحداث "ليلة إشبيلية" التي بقيت راسخة في ذاكرة كأس العالم.