هل يمكن أن تعاقب الولايات المتحدة إسرائيل؟ هذا السؤال لم يكن مطروحاً تقريباً من قبل، ولكن بعد قرار مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (إف بي آي) فتح تحقيق في مقتل الصحفية الفلسطينية الأمريكية شيرين أبو عاقلة، أصبح مطروحاً بالأوساط الأمريكية حتى لو على مستوى نظري.
ورغم إعلان إسرائيل عن أنه تم إبلاغها بالقرار، فإن الحكومة الأمريكية لم تعلن رسمياً بعد عن فتحها تحقيقاً بشأن اغتيال شيرين أبو عاقلة برصاص جنود إسرائيليين في مايو/أيار الماضي أثناء تغطيتها غارة إسرائيلية في مدينة جنين في الضفة الغربية المحتلة.
وأشاد السيناتور الديمقراطي من ولاية ماريلاند كريس فان هولين، الذي ساعد في قيادة المساءلة عن وفاة أبو عاقلة، بقرار مكتب التحقيقات الفيدرالي، ووصفه بأنه "خطوة متأخرة لكنها ضرورية ومهمة في السعي لتحقيق العدالة والمساءلة"، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
التحقيق يمكن أن يعرّض الجنود الإسرائيليين للمساءلة القانونية
ويمكن لهذه الخطوة غير المسبوقة أن تُعرّض الجنود الإسرائيليين للمساءلة القانونية الأمريكية عن أي تورط في القتل، وهي حقيقة ستضيف بالتأكيد إلى التوترات المتصاعدة بين إدارة بايدن والحكومة القادمة لرئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، التي من المتوقع أن تضم عدة وزراء من حزب يهودي يميني متطرف.
يأتي تحقيق مكتب التحقيقات الفيدرالي بعد أن توصل مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون إلى قرارين منفصلين بأنَّ شيرين أبو عاقلة قد قُتِلَت على الأرجح برصاصة إسرائيلية طائشة. لكن عدداً من النشطاء والسياسيين رفضوا هذا الاستنتاج، واحتج البعض بأنَّ الجنود ربما قتلوا عمداً الصحفية الفلسطينية البارزة -التي كانت ترتدي خوذة وسترة واقية مكتوباً عليها كلمة "صحافة" عندما أُطلِقَت عليها النيران.
سناتور ديمقراطي لوح بعقوبات تتعلق بالمساعدات الأمريكية العسكرية لإسرائيل
جدير بالذكر أنَّ السيناتور الديمقراطي باتريك ليهي قد هدد سابقاً بأنَّ مقتل أبو عاقلة قد يعرض للخطر المساعدات العسكرية السنوية الضخمة التي تقدمها واشنطن لتل أبيب. وقال ليهي في سبتمبر/أيلول: "لسوء الحظ، لم يُجرَ تحقيق مستقل وموثوق. هناك تاريخ من التحقيقات في إطلاق النار من جنود الجيش الإسرائيلي التي نادراً ما تؤدي إلى المساءلة".
ولا يزال هناك عدد من الأسئلة غير الواضحة حول التحقيق. فقد أشار جميل دكوار من الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية على تويتر، إلى أنه لا يزال "من غير الواضح ما إذا كانت السلطات الإسرائيلية ستتعاون بالكامل مع مكتب التحقيقات الفيدرالي"، الأمر الذي قد يُعقّد الجهود للوصول إلى نتيجة نهائية حول سبب وكيفية إطلاق النار على أبو عاقلة.
إسرائيل ترفض التعاون في التحقيق بشأن مقتل شيرين أبو عاقلة
وذكرت صحيفة The Times of Israel أنَّ إسرائيل رفضت على الفور التعاون مع التحقيق.
ونقلت الصحيفة الإسرائيلية عن وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس قوله في تغريدة: "لقد أوضحت للممثلين الأمريكيين أننا نقف وراء جنود الجيش الإسرائيلي، ولن نتعاون مع أي تحقيق خارجي، ولن نسمح بالتدخل في الشؤون الداخلية لإسرائيل".
وأعرب وزير الدفاع الإسرائيلي عن موقف مماثل في سبتمبر/أيلول عندما قال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إنَّ الولايات المتحدة تحث إسرائيل على مراجعة بروتوكولات فتح النار للجيش الإسرائيلي في أعقاب مقتل أبو عاقلة.
وأضافت The Times of Israel أنَّ التحقيق الأمريكي يأتي بعد شهور من الضغط من عائلة أبو عاقلة والمُشرّعين الأمريكيين الذين خاب أملهم من النتائج غير الحاسمة لتقييم سابق من وزارة الخارجية والتحقيق العسكري الإسرائيلي في وفاة المراسلة البارزة في مايو/أيار الماضي؛ ومنهم العديد من المشرعين المعتدلين نسبياً المعروفين بدعمهم القوي للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية، مثل السيناتور روبرت مينينديز والسيناتور كوري بوكر. ويتهم مسؤولون فلسطينيون وقناة الجزيرة وعائلة شيرين أبو عاقلة إسرائيل بقتل المرأة البالغة من العمر 51 عاماً عمداً، وحثوا واشنطن على فتح تحقيق كامل.
ويمثل القرار الأمريكي تحولاً بعد شهور من إصرار إدارة بايدن على أنها لن تفتح تحقيقها الخاص، وبدلاً من ذلك اعتمدت على التحقيقات التي تجريها السلطات الإسرائيلية والفلسطينية.
وانتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد في ذلك الوقت غاضباً ما وصفه بـ"محاولة إملاء" سياسات إسرائيل. وبدا أنَّ الولايات المتحدة قد تراجعت في وقت لاحق من ذلك الأسبوع؛ إذ قال المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس إنه ليس من حق واشنطن ولا "أية دولة أو كيان آخر أن تقول تحديداً ما يجب أن يفعله الجيش الإسرائيلي أو أية منظمة عسكرية أو أمنية في جميع أنحاء العالم".
ليست أول مرة يجري الـ"FBI" تحقيقاً حول مقتل مواطنين أمريكيين
وفي السياق ذاته، أفادت وكالة The Associated Press الأمريكية بأنَّ سلسلة من التحقيقات المستقلة التي أجرتها الأمم المتحدة ووسائل الإعلام الدولية، وحتى الوكالة الأمريكية نفسها، وجدت أنَّ القوات الإسرائيلية أطلقت على الأرجح الرصاصة القاتلة.
ولطالما اتهمت جماعات حقوق الإنسان الجيش الإسرائيلي بالفشل في إجراء التحقيقات اللازمة في المخالفات التي ارتكبتها قواته ونادراً ما تُحاسب القوات. بينما تزعم إسرائيل أنَّ تحقيقاتها مستقلة ومهنية.
ووفقاً لوكالة The Associated Press، ليس من الغريب أن يجري مكتب التحقيقات الفيدرالي أو غيره من المحققين الأمريكيين تحقيقات في الوفيات أو الإصابات غير الطبيعية للمواطنين الأمريكيين في الخارج، خاصةً إذا كانوا موظفين حكوميين. ومع ذلك، فإنَّ مثل هذه التحقيقات المنفصلة ليست هي القاعدة، ومن النادر جداً حدوثها في دولة حليفة للولايات المتحدة مثل إسرائيل مُعترَف بها في واشنطن على أنها تتمتع بنظام قضائي موثوق ومستقل.
وعلى الرغم من أن القادة الأمريكيين والإسرائيليين قد تبادلوا تصريحات قوية بشأن أبو عاقلة في الماضي، إلا أن المسؤولين الإسرائيليين يعتقدون أن فتح تحقيق أمريكي في مقتل شيرين أبو عاقلة هو مجرد إجراء رمزي، حسبما قالت مصادر إسرائيلية لصحيفة Haaretz الإسرائيلية، حيث زعموا أنه من غير المرجح أن يمضي التحقيق دون موافقة من وزارة الخارجية الأمريكية وموافقة الحكومة الإسرائيلية.