جدل كبير على منصات التواصل الاجتماعي، تزامن مع عودة ملف التجنيد الإلزامي للنقاش البرلماني، بعد انقطاع دام 20 عاماً، وهو نقاش يأتي في أوضاع سياسية وأمنية غير مستقرة ببلاد الرافدين، وفي توقيت تبرز فيه التيارات الطائفية لتستولي على المشهد العراقي.
التجنيد الإلزامي أو ما يسمى خدمة العلم في محاولة لـ"تمليع" المشروع أمام المواطنين، هو مشروع جديد لـ"عسكرة المجتمع العراقي"، وإغراقه بالضحايا والعنف، والسلاح، وتحويل الشباب إلى أدوات خاضعة بيد الأحزاب.
صحيح أن العسكرية تعلم الشباب الضبط، واستخدام السلاح، والمهارات القتالية، لكن واقع الحال الآن يقول إن المؤسسات التدريبية في العراق بات "مستواها ضعيفاً"، و"منهجيتها قديمة".
كما أن القوات القتالية الحالية في الجيش والصفوف العسكرية العراقية لا تزال بحاجة إلى هيكلة من ناحية التدريب وفق منهاج تدريبي حديث، ولذلك بدأ التحالف الدولي بتدريب القوات العراقية بعد عام 2014 خلال الحرب ضد الإرهاب.
ويمكننا القول أيضاً إن منهجية التدريب التي تُعتمد في التجنيد الإلزامي مثل: حلق الرأس، والضغط النفسي، تدريبات منهجية قديمة، قد تولد مشاكل نفسية لا إصلاحاً تربوياً للمجتمع، كما لا يوجد ضمان من أن جميع فئات الشعب ستكون سواسية في ذلك التجنيد، أو تجنيدهم دون تدخلات ومحسوبية.
وإلى جانب ذلك يحتاج التجنيد الإلزامي إلى دوائر تجنيد، وتسريح، ودوائر حسابات، وبناء معسكرات، وثكنات عسكرية ضخمة، إذا أخذنا في الاعتبار أن عدد الذين سيتطوعون قد يصل إلى ملايين المجندين.
وكذلك يؤخذ في الاعتبار ما يحتاجه التجنيد الإلزامي في حال إقراره من قبل البرلمان العراقي من أسلحة، وآليات، ووقود، وملابس، وطعام، ورواتب ونقل، ولوازم لا أول لها ولا آخر.
كما يخشى أن يفتح التجنيد الإلزامي أبواب "فساد كبير"، خاصة في جوانب مثل عقود شراء، وتجهيز الطعام، والألبسة، والأسلحة، والآليات، وبناء المعسكرات، كما أنه قد يفتح من جديد أبواب ما عرف سابقاً بـ"الجنود الفضائيين في العراق"، الذين اتهموا بسرقة الأموال العامة.
وهذا التجنيد الإلزامي لو تم إقراره قد ينعش من جديد فكرة معاملات شراء الإجازات التي سيتمكن ابن المسؤول من الحصول عليها، بينما ينام ابن الفقير مرغماً مقهوراً عاجزاً عن شرائها، حسب وجهة نظرنا.
ولعلنا في مقالنا هذا نذكّر الشعب العراقي بنتائج التجنيد في العقود السابقة، وما ترتب عليها حينها من "عسكرة الشباب" والخدمة الإلزامية، والاعتقالات التي وصلت حتى الإعدام، بسبب عدم ما يسمى الوفاء للوطن.
لقد خسر العراق يومها ما خسره من ضباط، ورتب، وشباب، بسبب سياسة التجنيد الإلزامي، ولذلك لا يجب أن نعود للمربع الأول، أو إلى نقطة الصفر.
وندعو جميع الأحزاب السياسية، والناشطين السياسيين والمجتمعات المدنية أن يكون ضمن برنامجهم مناهضة التجنيد الإلزامي، فللأسف الشديد الموضوع لا يلقى أي اهتمام من بعض نواب البرلمان العراقي.
فالعراق يجب أن يكون واجهة حضارية، واقتصادية، وسياحية، لا أن يكون عبارة عن معسكرات، وقواعد عسكرية، وذلك لن يحدث إلا بإيقاف هذا المشروع، ومواجهتهِ، والتصدي له، وعدم تمريره، حتى لا نجعل شبابنا حطباً لنار مستقبلية قد لا تنتهي.
وفي الأخير نقول للجميع بأن الشباب العراقي أحوج إلى الدعم المادي، والمعنوي، وفتح مشاريع اقتصادية، توفر وظائف مدنية خاصة بهم، أسوة بشباب دول المنطقة، لا الدخول في جحيم العسكرية، والصراعات، والنزاعات، التي لا يوجد لها نهاية، ولا مكاسب لهم فيها، لأن المستفيد الوحيد من تلك المشاريع من يغتنمون الثروات، ويعطون الفتات لبقية الشعب.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.