كشف موقع Africa Intelligence الفرنسي عن نشاط كبير تقوم به جماعات الضغط "اللوبيات" التي تنشط بين المغرب وفرنسا، مستغلين توتر العلاقات بين البلدين خلال الأشهر الأخيرة، وهو ما اتضح جلياً في الزيارة الأخيرة التي أجراها وزير الخارجية الفرنسي إلى المملكة.
الموقع الاستخباراتي الفرنسي أوضح في تقرير له الإثنين 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022، أن البرود الدبلوماسي السائد بين العاصمتين يوفر مساحة استثمارية جديدة لهؤلاء الأشخاص الذين ينشطون بالفعل بين باريس والرباط.
مع ذلك، فقد "شُيطنَت" هذه الشبكات إلى حد ما منذ وصول إيمانويل ماكرون إلى السلطة في فرنسا، على حد تعبير الموقع الفرنسي.
عمل جماعات الضغط في المغرب
حاول وزير التجارة الخارجية الفرنسي أوليفييه بيشت، خلال زيارته للمغرب في الفترة من 18 إلى 20 أكتوبر/تشرين الأول، الحفاظ على التوازن الحساس في العلاقات بين فرنسا والمغرب، التي تعاني حالياً من فتور.
مع ذلك، استطاع بيشت في الدار البيضاء الاعتماد على جماعات الضغط والوسطاء النشطين للغاية؛ مثل جان-لويس بورلو وعمر العلوي، اللذين ساعدا في تنظيم العديد من لقاءاته. وبورلو، وزير البيئة السابق، هو في الواقع "صديق" طويل الأمد للمملكة.
في الوقت نفسه، فإنَّ عضو اللوبي الفرنسي المغربي عمر العلوي هو فاعل رئيسي في العلاقات بين باريس والرباط وغالباً ما يساعد في تنظيم رحلات السياسيين الفرنسيين إلى المغرب، مثل تلك التي أجراها فرانك ريستر، الوزير المفوض للعلاقات البرلمانية والحياة الديمقراطية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
في الدار البيضاء، حضر بيشت منتدى تشويسول إفريقيا للأعمال، الذي عُقِد في فندق حياة ريجنسي الدار البيضاء بحضور رئيس الوزراء عزيز أخنوش وشكيب علج، الذي يرأس تجمع أرباب العمل بالاتحاد العام لمقاولات المغرب. وقد نظم هذا الحدث أيضاً مواطنٌ فرنسي معروف جيداً في المغرب؛ وهو الاقتصادي باسكال لوروت.
فرنسيون "في خدمة" الرباط
كما في حالة بورلو، لا تزال نقاط الاتصال الرئيسية للرباط في باريس مرتبطة ارتباطاً وثيقاً باليمين السياسي الفرنسي. في الجمعية الوطنية (الغرفة الثانية في البرلمان الفرنسي)، ينقل عضو البرلمان إريك سيوتي بأمانة موقف المغرب من قضية الصحراء.
من بين الحرس الفرنسي الجديد، يضمن النائبان أوريلين برادي (36 عاماً)، وبيير هنري دومون (35 عاماً) استمرار الشعلة الموالية للمغرب داخل حزب الجمهوريين.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أجرى دومون مقابلة مع وكالة الأنباء المغربية الرسمية، "المغرب العربي بريس"، دعا خلالها فرنسا إلى "اتباع خطى" الولايات المتحدة في الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية. وهنا أيضاً، كان العلوي هو من يمسك زمام الأمور من الكواليس.
تنطبق نفس القصة على تيار اليسار؛ حيث أصبح المؤيدون الفرنسيون للمملكة الآن بعيدين عن القوة المركزية؛ مثل وزير المالية السابق ميشيل سابين، الذي سهّل زيارة الرئيس السابق فرانسوا أولاند إلى الجامعة الدولية بالرباط في 20 أكتوبر/تشرين الأول، بدعوة من جمعية "أوقفوا الفساد"، التي شارك في تأسيسها.
يقيم سابين علاقات جيدة مع النخب السياسية والاقتصادية المغربية. فهو الذي منح محمد الكتاني، الرئيس التنفيذي لمجموعة "التجاري وفا بنك" المغربية، وسام جوقة الشرف عام 2015.
محاولة مغربية لاختراق عالم ماكرون
مع وضع ذلك في الاعتبار، حاول عدد من جماعات الضغط المغربية في باريس اختراق عالم ماكرون.
من بين هؤلاء المتحدث باسم الحكومة السابق بنيامين غريفو، الذي دعا في فبراير/شباط من العام الماضي أيضاً إلى الاعتراف بـ"مغربية" الصحراء، لكنه لم يعد يخدم الرئيس بأية صفة.
من جانبه، كان العلوي مقرباً من تييري سولير، الذي عمل مستشاراً خاصاً لماكرون، ومثّل إحدى ضواحي باريس في البرلمان، لكن أدت مجموعة من التهم الجنائية بشأن الاحتيال الضريبي المزعوم واستغلال النفوذ واختلاس الأموال العامة إلى خروجه من دائرة المفضلين لدى رئيس الدولة.
وتراقب الرباط المفاوضات الجارية في الجمعية الوطنية لتعيين الرئيس الجديد لمجموعة الصداقة الفرنسية المغربية التابعة للجمعية، ويجري النظر في اسم نوبيس كريم بن شيخ.
تقدم مرحلي في العلاقات
مع ذلك، تمكّن السفير المغربي في باريس محمد بنشعبون، قبل أسابيع قليلة من عودته إلى الرباط في أكتوبر/تشرين الأول، من مقابلة شخص قريب جداً من ماكرون؛ وهو أوريلين ليتشيفالييه، الرجل الثاني سابقاً في الخلية الدبلوماسية بقصر الإليزيه، والرئيس الحالي للمديرية العامة للعولمة بوزارة الخارجية.
منذ تعيين بنشعبون رئيساً لصندوق الثروة السيادية في الرباط، كان سعد بندورو، القنصل العام السابق في فرنسا، يدير الأمور يوماً بعد يوم. وكان بندورو في غمرة ذلك عندما كان سلف بنشعبون، شكيب بنموسى -وزير التعليم الآن- يصب تركيزه على مهامه رئيساً للجنة خاصة معنية بنموذج التنمية.
بالتالي، سيكون بنشعبون قد خدم ما مجموعه شهرين فقط في منصب سفير؛ لأنه قدّم أوراق اعتماده إلى ماكرون فقط في نهاية يوليو/تموز.
هذه ليست مجرد أحد تفاصيل البروتوكولات؛ فحتى يتلقى البلد المضيف أوراق الاعتماد هذه، لا يمكن للسفير المُعيّن أن يطلب مقابلة رئيس الدولة أو أفراد الحكومة أو رؤساء البرلمان.
حسب الموقع الاستخباراتي الفرنسي، تظل الحقيقة الواضحة الآن أنَّ السفير السابق لم يكن المرشح الأفضل لإحياء العلاقة بين فرنسا والمغرب. وباعتباره وزيراً سابقاً للمالية، كانت شبكاته في باريس منتشرة بالأساس في القطاع المصرفي.