قالت شبكة fox business الأمريكية، إن الصين وروسيا ربما تعملان على إطلاق عملة جديدة مدعومة بالذهب، في خطوة تهدف إلى خلع الدولار الأمريكي كعملة احتياطية أساسية في العالم. لكن إلى أي مدى يمكن لبكين وموسكو النجاح بذلك؟ وكيف سيؤثر ذلك على مكانة الدولار؟
الصين تشتري كميات ضخمة من الذهب
ثمّة ما يشير إلى أن الصين وروسيا تسعيان لاعتماد عملة جديدة مدعومة بالذهب، بهدف نزع الصفة من الدولار الأمريكي كعملة احتياطية أولى عالمياً ومهيمنة بلا منازع على نظام التجارة العالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كما تقول شبكة fox business الأمريكية.
الصين، كما روسيا، لم تؤكد، كما لم تنف، وجود توجّه لدى البلدين بشأن "العملة البديلة"، غير أن بكين كانت أطلقت منذ عدة أشهر حملة كبيرة لشراء كميات ضخمة من الذهب، بالتزامن مع اضطرار موسكو للتخلي عن الدولار بسبب العقوبات المفروضة عليها جراء غزوها أوكرانيا، هذا الغزو الذي أدى إلى زيادة الطلب على الذهب كملاذ آمن بامتياز.
وعلى ضوء التطورات على صعيد الحرب في أوكرانيا والتوتّرات في جزيرة تايوان، واشتداد الحرب التجارية التي تطبع منذ سنين العلاقة بين الصين والولايات المتحدة، لا يستبعد بعض الخبراء أن تقوم بكين بإطلاق عملة جديدة مدعومة من الذهب.
عملة جديدة مشتركة.. هل يمكن لروسيا والصين الإطاحة بالدولار الأمريكي؟
نقلت الشبكة الأمريكية عن الخبير الاقتصادي في مركز الدراسات الآسيوية التابع لمؤسسة التراث، مين هوا تشيانغ، قوله إن "الدولار الأمريكي سيبقى العملة الأكثر أماناً واتساقاً والأكثر استخداماً في آسيا والعالم"، حسب تعبيره.
ويرى الخبير الاقتصادي تشيانغ أنه لا توجد عملة أخرى مدعومة بالذهب أو بغيره، يمكن مقارنتها حالياً بالدولار الأمريكي، "ومن غير المرجح أن يتغير ذلك في المستقبل القريب"، وفق قوله.
وفكرة العملة الروسية الصينية المشتركة كان تمّ الحديث عنها مراراً خلال العقد الماضي، خاصة بعد أن افتتح البنك المركزي الروسي أول مكتب خارجي له في بكين في العام 2017.
ويشير الباحث الأمريكي المتخصص في شؤون الصين بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، كريغ سينغلتون، إلى أن المسؤولين في الصين لطالما تحدثوا خلال العقدين الماضيين عن ضرورة إصلاح النظام المالي العالمي بما يضمن وضع حدّ لهيمنة الدولار الأمريكي على سوق المال العالمي.
وفي تصريح لشبكة "فوكس نيوز"، يرى سينغلتون أن "ثمة عنصرين يتركزان في الاستراتيجية؛ الأول يتعلق بتطوير نظام تجارة السلع العالمية على أساس اليوان، والأمر الثاني يتعلق بالجهود التي تبذلها الصين بالشراكة مع روسيا والدول الأخرى ذات التوجه المماثل، لتحدي هيمنة الدولار من خلال إنشاء عملة احتياطي جديدة".
ويتابع الباحث سينغلتون حديثه قائلاً: "من حيث المبدأ، تسعى بكين وموسكو إلى بناء مجال نفوذ خاص بهما يتمتع بعملة موحدة؛ مما يضمن لهما حصانة ضد العقوبات الأمريكية".
الصين تمتلك سابع أكبر احتياطي للذهب
كانت كمية الذهب القياسية التي اشترتها الصين في الآونة الأخيرة، على مرأى ومسمع من العالم، أثارت استغراباً لدى المراقبين والمتابعين الأمريكيين، ويشار في هذا السياق إلى أن إدارة الجمارك الفيدرالية السويسرية أعلنت في شهر آب/أغسطس الماضي أن الصين أحد أكبر مشتري سبائك الذهب في العالم، تلقّت أكثر من 80 طناً من سويسرا في شهر تموز/يوليو، بزيادة أكثر من الضعف عن شهر حزيران/يونيو وثمانية أضعاف عن شهر أيار/مايو.
وتشير البيانات المالية الدولية التي صدرت منذ شهر آذار/مارس الماضي إلى أن الصين تمتلك سابع أكبر احتياطي للذهب في العالم، هذا فيما لم تبرح بكين تواصل تلقيها المزيد من شحنات المعدن النفيس.
ويوضح خبير التداول في شركة "أسواق آسيا"، فرانسيس هانت أن استخدام الذهب لدعم العملة يعدّ أفضل وسيلة لتوطين الثقة في العملة المذكورة"، ولم يستبعد هانت أن تكون تلك العملة "رقمية، من أجل منح السلطات الصينية إمكانية أعلى لمراقبة نشاط مواطنيها".
ما المعوقات أمام العملة البديلة؟
لكن في المقابل، يقلل تشيانغ من أهمية النجاح المحتمل لعملة جديدة بسبب "حجم التجارة الصغير نسبياً"، الذي من شأنه أن يحدّ من نمو تلك العملة، أما مسألة أن تكون تلك العملة رقمية، فهذا سيؤدي إلى صعوبة الترويج لها، حسب رأيه.
ويقول تشيانغ: "حتى في حال استخدم كلا البلدين عملة جديدة في المعاملات التجارية الثنائية، فإن حجم التجارة الصغير نسبياً سيحد من التأثير في الدولار الأمريكي"، لافتاً الانتباه إلى أن عملة دولية، مثل اليورو، تتطلب "أرضية سياسية وتنسيقاً وتكاملاً اقتصادياً، وهذا الأمر غير موجود حالياً في آسيا"، حسبما يؤكد الخبير الاقتصادي.
ويشار إلى أنه في شهر آب/أغسطس الماضي، تمّ إجراء 43% من المدفوعات العالمية بالدولار الأمريكي، و34% باليورو، فيما بلغت المدفوعات العالمية بالرنمينبي (اسم العملة الصينية الرسمية) 2% فقط من إجمال المدفوعات العالمية، وفقاً لـ"آر إم بي تركر".
ويؤكد تشيانغ على أن "الرنمينبي تكتسب بعض القوة، لكنها لا تزال خلف الدولار واليورو"، مضيفاً أن "ثقة الأجانب تجاه الآفاق الاقتصادية للصين وروسيا (أو عدم وجودها) تشكل قيوداً رئيسة" على أي عملة مشتركة محتمل وجودها.