بينما تستعد الجزائر لاستضافة القادة العرب في القمة العربية في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، فإن الاجتماعات التحضيرية شهدت العديد من الخلافات، التي لا يعرف هل يستطيع القادة حلها أم لا، قُبيل اختتام القمة.
وسيرفع للقمة 7 قرارات رئيسية يتصدرها دعم القضية الفلسطينية، وإقرار استراتيجية متعلقة بالأمن الغذائي لأول مرة، وإعلان باسم الجزائر الدولة المضيفة بأبرز القضايا التي تم بحثها، وعادة الإعلان ليس بذات القوة القانونية الخاصة بالقرارات، ولكنه يحمل إلى حد ما مواقف ورؤية الدولة المضيفة دون تعارض مع مجمل مواقف الدول العربية.
وتأتي القمة بعد توقف نحو 3 سنوات؛ حيث كان مقرراً عقدها في مارس/آذار 2020، إلا أنه تم تأجيلها نظراً لجائحة كورونا، وعقدت آخر قمة عربية اعتيادية في تونس عام 2019 وهي القمة العربية الدورية الثلاثون.
وهذه هي القمة العربية الرابعة التي تستضيفها الجزائر، وكانت أول قمة استضافتها الجزائر في نوفمبر 1973، فيما كانت الأخيرة في العام 2005.
وستكون القرارات الرئيسية السبعة مرتبطة بدعم القضية الفلسطينية والأزمات العربية في ليبيا واليمن وسوريا ولبنان والعراق والسودان، وإصلاح الجامعة العربية، ومكافحة الإرهاب، والموقف من سد النهضة الإثيوبي، ودعم تنظيم مصر لقمة المناخ المرتقب، ورفض "التدخل" الإيراني بالشؤون العربية، الذي تنفيه طهران عادة.
بينما يتوقع أن يصدر عن قمة الجزائر على مستوى القادة استراتيجية هي الأولى من نوعها متعلقة بالأمن الغذائي، لا سيما بعد تضرر دول عربية عدة من تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية التي اندلعت في فبراير/شباط الماضي، وفق المصادر ذاتها التي رصدتها الأناضول.
وقرارات القمة التي تصدر عن القادة تصاغ عادة في أروقة اجتماعين رئيسيين؛ الأول اجتماع كبار المسؤولين والمندوبين الدائمين، وحدث الأسبوع الماضي، ثم وزراء الخارجية الذي انعقد يومي السبت والأحد.
ومن المعتاد أن يرفع الاجتماع الوزاري مشاريع القرارات لنظرها باجتماع القادة يومي 1 و2 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، يسمح خلاله بإضافة بند يتعلق بآخر المستجدات.
ولا تصدر القرارات رسمياً من الجامعة العربية إلا بعد ختام القمة بجانب إعلان باسم الدولة المضيفة وسيكون معنوناً باسم "إعلان الجزائر"، ويكون بين القرارات والإعلان، فضلاً عن بيان ختامي، تشابه كبير معتاد بكل دورة للقمة.
أفكار جديدة سوف تعرض على القادة خلال القمة العربية
الجمعة، أشار الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير، حسام زكي، في تصريحات صحفية، إلى أنه لأول مرة ستشهد هذه القمة، وفق زكي، "مشروع قرار حول استراتيجية للأمن الغذائي العربي ستطرح على القادة"، بجانب اثنين آخرين أحدهما عن سد النهضة الإثيوبي المتعثرة مفاوضاته بين مصر والسودان وإثيوبيا، والثاني بشأن دعم قمة المناخ الأممية المرتقبة أن تقام بمصر في 6 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وقال مندوب الجزائر الدائم لدى الجامعة العربية عبد الحميد شبيرة، في تصريحات صحفية نقلتها الإذاعة الجزائرية الخميس، إن بلاده "أدرجت ملف إصلاح الجامعة في جدول أعمال القمة، وستعرض على قادة الدول المشاركة أفكاراً جديدة، لم يسبق لها مثيل"، دون تفاصيل بشأنها.
كما كشف شبيرة، في تصريحات نقلتها الإذاعة الجزائرية، أن "هناك وثيقة ستعلن أمام القادة والوفود تحت عنوان إعلان الجزائر، تتناول مجمل القضايا التي تداولها باجتماعات القمة".
وهو ما أكده السفير حسام زكي، في تصريحات صحفية، الأحد، قائلاً إن "الجزائر باعتبارها الدولة المضيفة تعمل على إعداد مشروع الإعلان".
وأشار إلى أن "بعض المشاورات تقوم بها الدولة المضيفة مع الدول التي ترغب في الاطلاع عليه، وسيتم الانتهاء من مشروع الإعلان قُبيل القمة العربية".
وأكد زكي أنه "تمت مناقشة كافة البنود المدرجة على مشروع جدول أعمال القمة بشكل "توافقي"، ولم يتم إرجاء أي منها للقادة، و"الأمور تسير نحو قمة ناجحة".
ومن المعتاد أن تشمل قرارات القمم العربية مختلف قضايا الأمة العربية وتحدياتها والأزمات الدولية والإقليمية، وسط توقعات بأن تصدر القمة في بيانها الختامي أو إعلانها دعماً لاستضافة قطر لكأس العالم 2022 الذي يبدأ الشهر المقبل، خاصة وهي أول دولة عربية تستضيف تلك البطولة.
حضور خليجي أقل من المتوقع
رغم عدم مقاطعة أي دولة للقمة، ولكن هناك توقعات بأن الحضور سيكون أقل من التوقعات على مستوى الزعماء لا سيما خليجياً"، حسب ما قال المحلل السياسي الأردني البارز، منذر الحوارات، للأناضول.
وأضاف الحوارات أنه من "الجيد عدم مقاطعة أي دولة للقمة"، مستدركاً: "لكن القمم تقاس بمستوى الحضور وليس بالقرارات".
وشهدت قمة تونس السابقة مشاركة 13 زعيماً وترأسها الرئيس التونسي الراحل الباجي قايد السبسي.
وبحسب وسائل إعلام جزائرية، من المتوقع أن يشارك 17 من القادة العرب في القمة، فيما أكد الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي، السبت، أن قمة الجزائر ستشهد مشاركة 15 قائداً عربياً من ملوك ورؤساء وأمراء.
وتأكد عدم حضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لقمة الجزائر لأسباب صحية، وكذلك رئيس دولة الإمارات وأمير دولة الكويت والعاهلين المغربي والأردني وسلطان عمان، فيما تأكد حضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، حسب ما ذكر مندوب قطر الدائم لدى جامعة الدول العربية سالم مبارك آل شافي.
في المقابل، لم يُعلم بعد بشكل نهائي الموقف بشأن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي عادة ما يحضر القمم العربية، ولكن القمة بالجزائر، تعقد في وقت حساس بالنسبة لمصر في ظل عملية تعويم الجنيه وقُبيل عقد قمة المناخ في شرم الشيخ، وقبيل دعوات التظاهر في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، ولكنه يرجح حضوره.
و"قرارات القمة دائماً ما تكون كثيرة، لكن ليس المهم صدور قرارات فهذا أمر سهل، ولكن لا يوجد إجماع حول آلية تنفيذها، وهذه هي المعضلة الرئيسية خلال القمم السابقة وربما الحالية، حسب المحلل السياسي الأردني البارز، منذر الحوارات.
خلاف بسبب خريطة المغرب
وحضر الخلاف الجزائري المغربي بشأن الصحراء بشكل محدود في القمة.
حيث أعلنت جامعة الدول العربية أنه لا علاقة لها بنشر قناة الجزائر الدولية AL24 News خريطة للعالم العربي على موقعها الإلكتروني تُخالف الخريطة التي درجت الجامعة العربية على اعتمادها؛ مما أثار تحفظ الوفد المغربي، في إشارة لخريطة تظهر الصحراء كدولة مستقلة عن المغرب.
ونفت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، في بيان رسمي، أن يكون لها أي "شركاء إعلاميين" في تغطية أعمال القمة العربية الحادية والثلاثين التي تُعقد بالجزائر، وأكدت عدم وجود صلةٍ لها بأية مؤسسة إعلامية تدعي هذه الصفة، في إشارة للقناة التي نشرت هذه الخريطة.
وتبرأت الجامعة من هذه الخريطة، مؤكدة أنها لا تعتمد خريطةً رسمية مبيناً عليها الحدود السياسية للدول العربية، بما فيها المملكة المغربية، وأنها تتبنى خريطة للوطن العربي دون إظهار للحدود بين الدول؛ تعزيزاً لمفهوم الوحدة العربية.
تلميحات إلى ضرورة فتح المجال لترشيح أمين عام غير مصري
ومن القضايا المثيرة للجدل فيما يتعلق بإصلاح الجامعة العربية، ما قيل عن احتمال طرح تدوير منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية.
ومن الناحية القانونية، فإن الميثاق لا يحدد جنسية الأمين العام، ولكنه عادة ما يأتي من دولة المقر (كل الأمناء العامين مصريون، إلا خلال الفترة التي نقلت الجامعة العربية لتونس بعد اتفاق كامب ديفيد من عام 1979 إلى 1990 حيث كان الأمناء العامون من تونس).
وطرح المطلب عدة مرات من قبل، ولكنه يثير حساسية القاهرة، وبدورها تميل أغلب الدول العربية للتجديد للأمين العام المصري، احتراماً لمكانة القاهرة القومية، وفي أحيان أخرى، كان الطابع القومي والتاريخ الدبلوماسي المرموق للمرشح المصري، يجعل بعض الدول العربية تتنازل له مثلما حدث مع الدكتور نبيل العربي الأمين العام الذي تولى بعد ثورة يناير 2011، حيث تنازلت قطر عن مرشحها تقديراً لمصر ومكانة هذا الدبلوماسي المخضرم.
ورجّح الدكتور حسين قادري، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة باتنة (شرقي الجزائر) في تصريح لقناة الجزيرة، أن تصبح أفكار الجزائر لإصلاح الجامعة العربية حول تدوير منصب أمينها العام "محط خلافات" في القمة المقبلة.
كما توقع قادري أن تقدم الجزائر اقتراحات ذات علاقة بـ"رفع موازنة الجامعة العربية"، معتبراً أن هذا "يعني رفع مهامها في تقديم مساعدات للاجئين العرب وفي التنمية داخل الدول العربية وغيرها".
ولفت أيضاً إلى احتمال طرح الجزائر بنداً متعلقاً بـ"عدم الاستعانة بأي طرف خارجي" أو كما سماه بـ"العدو" ضد أي دولة عربية، "دون الإشارة إلى بلد بعينه"، وذلك للوصول إلى "الحماية المشتركة في حال الفشل في التوصل إلى دفاع مشترك"، وفق تعبيره.
غضب مغربي مما يوصف باستفزاز بروتوكولي وأمني
وشهد اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب، الذي يحضر للقمة، ما زعم أنها استفزازات وخروقات في حق الوفد المغربي المشارك فيه، وفقاً لما نقلته صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية عن مصدر دبلوماسي مغربي.
وقال المصدر إنه "قد ارتكبت في حق الوفد المغربي خروقات بروتوكولية وتنظيمية، تتنافى مع الأعراف الدبلوماسية، والممارسات المعمول بها في اجتماعات، جامعة الدول العربية"، مضيفاً أن الخروقات بدأت بما قال إنه "تقصير في استقبال رئيس الوفد المغربي في المطار"، و"تفاقمت عند وصول الوفد إلى قاعة الاجتماع، وحتى في الأنشطة الموازية، بما فيها مأدبة العشاء التي أقامها وزير الخارجية الجزائري (رمطان لعمامرة)، حيث تعمدت الجهة الجزائرية وضع المغرب في غير محله، من حيث الترتيب البروتوكولي أو الأبجدي، وكذلك واجه الوفد المغربي "استفزازات" من قِبل الأمن الجزائري، حسبما نقلت الصحيفة.
شبح مسيرات إيران يحلق في اجتماعات القمة
كما نشب خلاف بين وزير خارجية المغرب والجزائر بسبب الطائرات المسيّرة الإيرانية، حيث طالب الوزير المغربي بأن يدرج في قرارات القمة مسألة تسليح إيران للبوليساريو بالطائرات المسيّرة واستهدافها للأراضي العربية، سواء في الخليج أو المغرب ضمن جدول الأعمال، حسبما نقل موقع قناة العربية عما وصفه بمصدر مطلع.
ورد الوزير الجزائري رمطان لعمامرة بالرفض قبل أن يتدخل من جديد رئيس الدبلوماسية المغربية ليقول مخاطباً لعمامرة: "ليس من حقك الرفض هناك تصويت حول القرارات"، بيد أن وزير خارجية الجزائر تجاهل كلامه قبل أن يعيد ناصر بوريطة "نفس الطلب، وسانده حسب نفس المصدر"، معظم من في القاعة ثم خرج من قاعة الاجتماع ولم يغادر الجزائر، كما قيل"، حسب قناة العربية.
وأقر مندوب الجزائر الدائم لدى الجامعة العربية عبد الحميد شبيرة، بأن خلافات سُجلت بين مندوبي الدول الأعضاء في الجامعة العربية إزاء مسائل سياسية، أبرزها علاقة الدول العربية مع كل من تركيا وإيران، وهما الدولتان الإقليميتان المحيطتان بالأمن العربي، وتربطهما علاقات بدول عربية متفاوتة.
وأشار بالقول إلى أن "الاختلاف في وجهات النظر شيء طبيعي في التعاون متعدد الأطراف في ظل وجود آراء مختلفة تتطلب دراسة على مستوى أعلى، وهذا ما حصل بالنسبة لبعض الملفات المطروحة والمدرجة في مشروع جدول أعمال القمة، والتي تقرر رفعها إلى اجتماع وزراء الخارجية للنظر والبت فيها قبل دراستها على مستوى القمة".
هل يتم طرح مسألة التطبيع في القمة؟
وقالت صحيفة الشروق الجزائرية إنه يتوقع أن تكون القمة العربية المرتقبة محطة لما وصفته بـ"محاكمة موجة التطبيع الجديدة"، التي تعرف باتفاقيات أبراهام، التي هندس لها الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، والتي وصفتها الصحيفة الجزائرية بأنها خيانة لعمل عربي مشترك، أرسيت قواعده في قمة بيروت في عام 2002.
وأشارت الصحيفة إلى أنه خلال عرضه لبيان السياسة العامة للحكومة أمام نواب المجلس الشعبي الوطني، قال الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن (رئيس الوزراء)، إن "القمة العربية بالجزائر ستكرّس، فضلاً عن ترسيخ القيم المشتركة والتضامن العربي، الطابع المركزي للقضية الفلسطينية وتعزيز مبادرة السلام العربية لسنة 2002".
ويكتسب ملف التطبيع حساسية خاصة؛ لأن الجزائر مضيفة الاجتماع تعد من أشد المؤيدين للفلسطينيين، وقد رعت الجزائر اتفاق مصالحة بين الفصائل الفلسطينية في منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وأدى التعاون الأمني، الذي أقامته المغرب مع إسرائيل، بعد تطبيع العلاقات بينهما، إلى تزايد توتر العلاقات بين البلدين، وخاصة في ظل الإعلان عن التعاون في المجال العسكري مع تل أبيب، والعلاقات الجزائرية المغربية، كانت متوترة أصلاً بسبب الخلافات العميقة بشأن الصحراء، التي أدت إلى قيام الجزائر بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب في أغسطس/آب 2021.
ولكن صدور قرار من القمة بإدانة التطبيع يستلزم أغلبية الأعضاء، وهو أمر صعب بالنظر إلى أنه هناك نحو خمس دول عربية تطبع مع إسرائيل وأغلبها دول ذات وزن سياسي واقتصادي ثقيل (مصر، الأردن، الإمارات، المغرب، البحرين، والسودان)، بينما بقية الدول غير مطبِّعة إما حليفة للدولة المطبعة وإما دولة فقيرة تعاني من أزمات ومشكلات داخلية.