يُمكن القول إن هوليوود أنتجت أفلام حرب عالمية استثنائية، إن كانت عن الأولى أو الثانية، إلا أن التوثيق الأكثر دقة كان من نصيب الحرب العالمية الثانية. وبعد مضي أكثر من 75 عاماً على اندلاعها، تستمر هوليوود بتقديم العديد من جوانب الحرب الأكثر كارثية في التاريخ البشري.
لكن، هل كانت كل تلك الأعمال دقيقة في تجسيد الأحداث أو تصوير ما عاشه الناس خلال تلك الفترة؟ وإلى أي مدى كانت الوقائع التاريخية، الواردة في هذه الأفلام، صحيحة؟
نسرد لكم فيما يلي مجموعة من أدق أفلام الحرب العالمية الثانية بناءً على 3 معايير. أولاً، هل قدّم صُناع العمل القصة الأساسية بالشكل الصحيح، وصوّروا التسلسل الزمني للأحداث والشخصيات المشاركة بدقة؟
ثانياً، هل جسّد صُناع أفلام الحرب العالمية الثانية "روح" ذلك العصر، والظروف التي عاشها العسكريون والمدنيون، وطريقة تفاعلهم معها ومعاً؟ وأخيراً، هل قدّموا "مظاهر" ذلك العصر بصورةٍ صحيحة؟ سواء من ناحية أزياء الممثلين والشعارات التي تعلوها مع الشارات المناسبة، أو لناحية إظهار الأسلحة والمعدات والتكتيكات المستخدَمة في ذلك العصر فعلياً؟
تمثل هذه المعايير معضلةً كبيرة ومُكلفة لصناع الأفلام عادةً، وهذا طبيعي جداً، فكيف الحال لصناع أفلام الحرب العالمية الثانية؟ نادراً ما تحدث المعارك في تسلسلٍ زمني مباشر ومُحكَم. فالحروب غالباً ما تكون فوضوية ومربكة ومقلقة، والتنسيق فيها شبه مُعدم، خصوصاً حين تنطلق.
كذلك، من المهم الإضاءة على نقطة أساسية، وهي رواية الحرب. فالتاريخ يكتبه الأقوياء والمنتصرون، وبالتأكيد ستختلف الروايات عن الحدث نفسه بين محاربٍ وآخر، وبشكلٍ كبير. وهذه هي حال أفلام الحرب العالمية الثانية أيضاً، عليكَ أن تبحث عمّن كتبها وأنتجها وقدّمها إليك.
لكن تجارة صنع الأفلام تهدف إجمالاً إلى نتيجةٍ واحدة قبل كل شيء: جني الأرباح. ولهذا يتعيّن على صناع أفلام الحرب العالمية الثانية رواية قصصهم بإيجاز، وضمن حدود ميزانيتهم وقيود الوقت المفروضة عليهم.
كما يجب أن يفعلوا ذلك "بأكثر الطرق الممكنة إقناعاً، وإثارة، وجاذبية من الناحية العاطفية"، على حدّ تعبير مؤلف سيناريو فيلم Hacksaw Ridge روبرت شينكان، بحسب ما جاء في موقع Historynet. وربما يؤثر ذلك على الدقة التاريخية للعمل.
خير مثال على هذه المعضلة يتجلى في تصوير جوزيف إي ليفين لرواية A Bridge Too Far من تأليف كورنيليوس ريان، التي تحولت إلى فيلمٍ يُثنى عليه لدقته وأحد أفضل أفلام الحرب العالمية الثانية.
وتَذكّر أن المخرج ريتشارد أتينبورو كان بحاجةٍ لأن يروي قصة عملية "ماركت جاردن" الكاملة، ويجسّد إحدى أكثر العمليات تعقيداً في الحرب، خلال فيلمٍ يمتد لنحو ثلاث ساعات فقط؛ بينما استمرت الحملة الهولندية لـ9 أيام، بمشاركة مئات آلاف الجنود البريطانيين، والأمريكيين، والكنديين، والبولنديين، وحتى المدنيين الهولنديين العالقين في مهب الريح.
إليكم فيما يلي قائمةً بأبرز أفلام الحرب العالمية الثانية، التي يُمكن القول إنها أدق الأعمال عن الحرب العالمية، وهي مرتبة وفقاً لتاريخ صدورها. ورغم أن القائمة مخصّصة للأفلام، لا يُمكننا إلا أن نذكر مسلسل Band Of Brothers.
تعاون الفريق الإبداعي نفسه، الذي أنتج فيلم Saving Private Ryan، من أجل نقل كتاب المؤلف ستيفن أمبروز Band of Brothers (الصادر عام 1992) إلى الشاشة؛ والذي يروي قصة "سَرية إيزي"، التابعة لفوج المشاة المظلي 506، في الفرقة 101 المحمولة جواً.
ضمّ الفريق الإبداعي كلاً من المخرج ستيفن سبيلبرغ، والممثل توم هانكس، وغيرهما. وقد أسفر هذا التعاون عن مسلسلٍ تلفزيوني قصير، من 10 حلقات، أُنتج العام 2001.
يتتبع المسلسل قصة جنود "سَرية إيزي"، منذ الفترة التي قضوها في معسكر التدريب بإحدى الولايات الأمريكية وحتى الاستسلام النهائي لوحدات الفيرماخت، قرب محل إقامة أدولف هتلر في جبال الألب بيرشتسجادن.
لا تصوّر الكثير من الأفلام تجارب وعواطف جندي المشاة العادي، بقدر دقة هذا المسلسل الذي يُمكن اعتباره تحفة فنية. فالمسلسل يجسّد ما عاشه جنود "سَرية إيزي" بحق خلال الحرب، ولا شك أن المقابلات المصورة مع بعض أفراد السرية الحقيقيين تضيف بُعداً إنسانياً آخر إلى تجربة المشاهدة.
فيلم Schindler's List
يُعتبر هذا الفيلم، الذي أُنتج عام 1993، أحد أفضل أفلام الحرب العالمية الثانية؛ فهو يروي سيرة ذاتية لأحد الصناعيين الألمان، الذي أنقذ ما يقارب الـ1200 يهودي خلال فترة الهولوكوست، من خلال إخفائهم في مصانعه وقت المحرقة.
القصص المتداخلة والشخصيات والمشاعر الغامضة سمحت لمخرج الفيلم بالإبداع في تجسيد قصص الذين عايشوا الحدث، ولسنا نبالغ لو قلنا إنه أحد أفضل الأفلام المعادية للحرب في تاريخ السينما، والذي عرض قضية الهولوكوست بشكلٍ جديد.. كلها تفاصيل جعلته يحصد المرتبة السادسة في قائمة أفضل الأفلام على الإطلاق عبر موقع IMDb، مع تقييم 8.9.
يحكي الفيلم عن الاضطهاد الذي تعرّض له اليهود في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية على يد النازيين، وعن القصة الحقيقية للنازي تشيندلر، الذي أنقذ أكثر من 1000 يهودي من محرقة الهولوكوست.
استخدم المخرج الأمريكي ستيفن سبيلبيرغ تأثيرات رمزية وبسيطة جداً في الفيلم، حتى لا ينشغل المشاهد بها، ويركّز على مدى قبح الحرب وتأثيرها المباشر على الأفراد. وهذه هي فكرة الفيلم التي تلخصت في جملة واحدة: "بإمكان فعلٍ واحد، لشخصٍ واحد، أن يؤثر على حياة الكثيرين".
ولعلّ المشهد الشهير، للطفلة التي ترتدي الجاكيت الأحمر في فيلمٍ صُوّر بالأبيض والأسود كاملاً، هو المشهد الأجمل في الفيلم وسيبقى مطبوعاً في ذاكرتنا إلى الأبد.
فيلم Saving Private Ryan
يخلّد الفيلم (من إنتاج 1998) معركة الـ"نورماندي"، حين يُكلِّف الرئيس الأمريكي كتيبة -بقيادة الكابتن ميلر- بالذهاب إلى قلب المعركة وراء خطوط العدو، والبحث عن الجندي ريان، من أجل إنقاذه حتى يعود إلى والدته التي فقدت 3 من أبنائها في الحرب الدائرة.
أبدع الثنائي ستيفن سبيلبيرغ والممثل توم هانكس مرة أخرى في تقديم فيلمٍ يجمعهما. وقد استُعمل خلال التصوير 40 برميلاً من الدم المزيف، وشارك أكثر من ألف شخصٍ في تصويره، بعضهم كانوا أعضاء في قوات الدفاع الاحتياطية الأيرلندية.
كذلك فقد استعان سبيلبيرغ بمجموعات إعادة تمثيل محلية، مثل مجموعة المعركة الثانية، لتأدية دور الجنود الألمان. بالإضافة إلى ذلك، استعان بجنود شاركوا سابقاً في حروبٍ وبُترت أطرافهم، من أجل الدقة في نقل واقع الجنود الأمريكيين المشوّهين خلال الإنزال.
وقد درس المخرج ستيفن سبيلبيرغ الصور التي التقطها مصور الحرب الشهير روبرت كابا من غزو نورماندي، وأعاد إنتاجها لأجل الفيلم، مما منح المخرج إحساساً بالواقع نقله لعمله.
فيلم Downfall.. أبرز أفلام الحرب العالمية الثانية
في تجسيدٍ متميز لنهاية أدولف هتلر ونظامه النازي، يروي فيلم Downfall (إنتاج عام 2004) أيام الاضطراب الأخيرة التي عاشها الفوهرر، محاصراً داخل ملجئه في برلين. وتستند الأحداث جزئياً إلى مذكرات تراودل يونغه، وهي واحدة من أمينات سرّ هتلر وزملائه في الملجأ.
يثير الفيلم الاهتمام بشدة رغم الشخصية الشريرة التي تدور حولها الأحداث، وهو من دون شك أحد أفضل أفلام الحرب العالمية الثانية. وقد سعى صناع الفيلم إلى إضفاء طابعٍ إنساني على القاتل الجماعي الأكثر اختلالاً والأسوأ سمعةً في التاريخ، وبذلك تركوا المساحة للمشاهدين حتى يستوعبوا هتلر وكل ما يمثله بأنفسهم.
أبدع الممثل السويسري برونو غانتس بتجسيده لشخصية هتلر المعقدة، وترشح الفيلم لجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي عام 2004. ولا يزال يُثير الجدل داخل ألمانيا وخارجها، بسبب تصويره المُتقن لهتلر، على أنه أكثر من مجرد إنسان متوحش.
فيلم Letters From Iwo Jima
تصعب مشاهدة فيلم كلينت إيستوود الذي يجسّد حملة "إيو جيما" أحياناً، كما هو الحال مع أفلام مثل Saving Private Ryan وDas Boot.
يُصوّر الفيلم أهوال الحرب بشكلٍ متعمق، لكنه ينقلها من المنظور الياباني. ويجب أن تعلم أن كافة الشخصيات اليابانية التي ظهرت في أحداث الفيلم توفيت أثناء المعركة، وأن الناجين في الفيلم هم مجرد شخصيات خيالية.
لهذا لا يُعتبر الفيلم دقيقاً تماماً بالمعنى الحرفي، لكنه يُبدع في نقل أهوال المعركة التي خاضها الجندي الياباني العادي، وهو من هذه الناحية من أفضل أفلام الحرب العالمية الثانية.
ويُحسب للمخرج إيستوود إبداعه في تقديم شخصيات الفريق أول تاداميتشي كوريباياشي (التي جسّدها كين واتانابي)، والبارون تاكيتشي نيشي، وغيرهما من القادة اليابانيين. فقد نقل إيستوود شخصية وروح الجنود المتمرسين، الذين خدموا قضيةً كان مصيرها إلى الزوال.
جرى تصوير فيلم Letters from Iwo Jima بالتزامن مع فيلم إيستوود الآخر Flags of Our Fathers، الذي ينقل المعركة من الجانب الأمريكي. ويمكن القول إن الفيلمين أبدعا في تصوير طبيعة المعركة الحقيقية على مسرح المحيط الهادئ، بكل وحشيتها وهمجيتها.
ومن المهم الإشارة إلى أن فيلم Letters from Iwo Jima فاز بجائزة أوسكار، عن فئة أفضل مونتاج صوتي عام 2006.
فيلم Unbroken
قررت الممثلة والمخرجة أنجلينا جولي تحويل رواية لورا هلنبراند الأكثر مبيعاً، إلى فيلمٍ يروي حكاية الطيار وسجين الحرب الأمريكي لويس زامبريني، لتكون النتيجة فيلماً ملهماً بحق.
كان زامبريني شاباً مضطرباً نشأ في تورانسي بولاية كاليفورنيا، قبل أن يكتشف تمتعه بسرعةٍ مذهلة وروح لا تقهر. دفعه اكتشافه إلى التنافس كعدّاء مسافات متوسطة في الألعاب الأولمبية ببرلين عام 1936.
وساعدته هذه السمات على النجاة خلال 47 يوماً عاشها على طوفٍ في المحيط الهادئ، قبل سنوات قضاها في الأسر والتعذيب والتجويع على أيدي اليابانيين الذين أسروه.
ويحتفظ هذا العمل بأقوى رسائل حياة زامبريني حتى شارة نهاية الفيلم، والتي تدور حول اكتشافه لقوة التسامح التي تحرر المرء. ويمكنك التعرف على كامل زوايا هذا الرجل العظيم بشراء نسخة الفيلم على أقراص DVD، حيث تحتوي على مجموعة من المشاهد الخاصة.
فيلم Dunkirk
يُمكن القول إنه أحد أهم أفلام الحرب العالمية الثانية، فقد بذل المخرج والكاتب كريستوفر نولان وصناّع فيلم Dunkirk جهوداً استثنائية لتجسيد أحداث انسحاب دونكيرك بكلّ دقة.
يروي الفيلم (2017) الأحداث من زاوية جنود وطيّاري بريطانيا المحاصرين، بالإضافة إلى مئات المدنيين الذين تحلّوا بالشجاعة للمساعدة في إجلاء أكثر من 338 ألف جندي بريطاني وفرنسي من فرنسا.
وصحيح أن انسحاب دونكيرك مثّل هزيمةً ساحقة، لكنها تحمل في طيّاتها نوعاً من الانتصار، لأنها أعادت إحياء الجيش البريطاني وإنشاء قوةٍ فرنسية حرة.
تُعتبر غالبية شخصيات الفيلم خيالية لكنها مستوحاةً من أفراد واقعيين، مما ساعد في نقل مشاعر الارتباك واليأس والشجاعة التي ساورت الشخصيات بكل دقة.
ويمكنك مشاهدة فيلم Darkest Hour للنظر من زاويةٍ مختلفة إلى انسحاب دونكيرك، حيث يروي هذا الفيلم دور رئيس الوزراء ونستون تشرشل في الانسحاب، ليثبت مرة جديدة أن كتابة التاريخ تعتمد على قرارات رجلٍ عظيم واحد أحياناً.
تجدر الإشارة إلى أن فيلم Dunkirk فاز بجائزة أوسكار عن فئة أفضل مونتاج، وأفضل مونتاج صوتي، وأفضل خلط أصوات في العام 2017.