كان إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد بنفسه عن اغتيال وديع الحوح قائد مجموعة عرين الأسود الفلسطينية، علامة واضحة على مقدار تخوفها من دور هذا المناضل الذي بات اسمه يتردد على كل لسان في فلسطين.
وفجر الثلاثاء وقبيل أسبوع من الانتخابات العامة الإسرائيلية، نفذ جيش الاحتلال عملية واسعة في نابلس للقضاء على مجموعة "عريس الأسود"، أدت إلى "استشهاد 6 وإصابة 33 آخرين"، وفق ما أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية.
ونفذ العملية نحو 150 من عناصر الاحتلال، حسبما أفادت تقارير، مسلحون ببنادق قناصة وصواريخ محمولة على الكتف، وبغطاء من الطيران الإسرائيلي، وتحت إشراف غرفة عمليات تابعة للشاباك، حيث داهمت قوات الجيش والشاباك وحرس الحدود الإسرائيلي شقة في البلدة القديمة من مدينة نابلس استخدمت كمعمل سري لتصنيع عبوات ناسفة لنشطاء مركزيين لمجموعة "عرين الأسود"، حسب جيش الاحتلال.
وباستشهاد الحوح المكنى بـ"أبو صبيح" يرتقي حتى الآن نحو 10 شهداء من "عرين الأسود" على الأقل، آخرهم وديع واثنان آخران من رفاقه اليوم الثلاثاء، وهما حمدي القيِّم ومشعل بغدادي، وفق ما تداولته مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يزال الاحتلال يطلب آخرين، ويضعهم على لائحة استهدافه.
أهالي نابلس يعيدون جسد قائد عرين الأسود للمستشفى في محاولة لإنعاش قلبه
وأحدث اغتيال الحوح (31 عاماً) ورفاقه صدمة لدى الشارع الفلسطيني والنابلسي على وجه الخصوص، إلى درجة أن الجماهير التي تجمعت أمام المستشفى رفضت فكرة موته، حسبما ورد في تقرير لوكالة "سما" الإخبارية الفلسطينية.
ومن هول المشهد، لم يصدق شبان نابلس خبر استشهاد الحوح في البداية، واستنفروا صوب البلدة القديمة، ومن هناك انطلقوا إلى مستشفى رفيديا، لا سيما أن خبر إصابة وديع جاء متأخراً، ولم يكن معلوماً مكان إصابته وحتى نبأ استشهاده، حسبما ورد في تقرير لموقع "الجزيرة".
وتحت ضغط كبير من المقاومين المسلحين وبعد إعلان استشهاده، أعيد جسد الحوح إلى غرفة العمليات وأجريت محاولات عدة لإنعاش قلبه، وظلت كلمة "رجع النبض" الأكثر تداولاً، ليأتي الخبر الحزين بأن وديع قد رحل فعلاً، وأن "النزيف كان حاداً"، فانطلق رصاص المقاومين في سماء المدينة المحاصرة.
وبأجواء مليئة بالغضب، شيَّع آلاف الفلسطينيين في مدينة نابلس، الثلاثاء 25 أكتوبر/تشرين الأول 2022، جثامين الشهداء الخمسة الذين ارتقوا ليلاً، خلال عملية الاقتحام الإسرائيلية للمدينة التي استهدفت مجموعة "عرين الأسود"، وكان من بينهم وديع الحوح.
وسار المشيعون الغاضبون بجثامين الشهداء في شوارع المدينة، مرددين هتافات تدعو للانتقام.
لماذا احتفى لابيد باغتيال وديع الحوح وخصص له كل هذه القوات؟
الاحتلال وصف الحوح بأنه من أخطر المطلوبين، وكان يدير عمليات عرين الأسود، بالإضافة إلى كونه أحد مؤسسي المجموعة النشطة في نابلس.
وفي الأشهر الأخيرة تحوّلت "عرين الأسود"، المسؤولة عن الكثير من أعمال إطلاق النار في منطقة نابلس، إلى إحدى المشاكل المركزية لأجهزة الأمن في "إسرائيل" ولدى السلطة الفلسطينية، فيما هدفها المعلن هو مواجهة جنود الجيش الإسرائيلي عند دخولهم المدينة أو لدى تأمين مصلّين يهود في قبر يوسف في مدينة نابلس.
وظهرت "عرين الأسود" علناً في عرضٍ عسكريّ مطلع سبتمبر/أيلول الماضي في البلدة القديمة بنابلس، وينتمي أفرادها لمختلف الفصائل الفلسطينية.
ومنذ 12 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، تعيش نابلس ومخيماتها تحت حصار مشدد فرضه الجيش الإسرائيلي؛ إثر مقتل أحد جنوده برصاص "عرين الأسود".
وقال لابيد في تغريدة إن "تصفية رئيس منظمة عرين الأسود وديع الحوح (31 عاماً) مع آخرين، هو نتيجة لعملية مشتركة قامت بها قوات الأمن التابعة للجيش الإسرائيلي والشاباك (جهاز الأمن الداخلي) الليلة الماضية في نابلس".
وأفادت مصادر محلية أن قوات خاصة تابعة لجيش الاحتلال اقتحمت نابلس بأكثر من 10 جيبات عسكرية، وسط اندلاع مواجهات عنيفة بين المقاومين في المدينة والاحتلال، كما حاصرت قوات الاحتلال البلدة القديمة من كل مداخلها، وركزت عملياتها في حوش العطعوط، وحارة الياسمينة، ومدخل الحارة من منطقة رأس العين.
واندلعت اشتباكات مسلحة بين مقاومين في منزل محاصر من مجموعات عرين الأسود وقوات الاحتلال.
ولفتت مصادر محلية إلى انتشار قناصة الاحتلال على أسطح المنازل والمباني المطلة على مركز المدينة وعلى أحياء البلدة القديمة، حيث استهدف جنود الاحتلال بالرصاص الحي أفراداً من قوى الأمن الفلسطيني الذين خاضوا اشتباكاً معهم.
ونعت مجموعة "عرين الأسود"، اليوم الثلاثاء، شهداءها، وعلى رأسهم القائد وديع الحوح، وتوعدت في بيان لها بالرد على جرائم الاحتلال الإسرائيلي المتكررة بحق الشعب الفلسطيني، وبالفعل توقعت المنظومة الأمنية الإسرائيلية أن تسعى عرين الأسود للثأر من إسرائيل.
تمنى الشهادة فنالها في الحارة التي اختارها عرفات مهداً لمقاومته بالستينيات
وكان وديع الحوح قد تمنى أن يلحق برفيقه في عرين الأسود، تامر الكيلاني، الذي اغتالته إسرائيل فجر الأحد الماضي، ليلحق الحوح به فجر اليوم الثلاثاء.
وقال الحوح للكيلاني: "أنا لن أرثيك ولكن سيكون الثأر قاسياً، طلبتها ونلتها ولنا اللقاء في جنان النعيم، سبقتني يا أخي، كنا متفقين مع بعض نروح، لله نزفك شهيداً مقاتلاً مجاهداً في صفوف جنود الله، جنود عرين الأسود".
واستشهد وديع الحوح في حارة الياسمينة بنابلس أيضاً على بعد أمتار من موقع استشهاد الكيلاني، وبالتحديد في حوش العطعوط الحاضن على مدى التاريخ للمقاومين الفلسطينيين، والذي اختاره الراحل ياسر عرفات مهداً لمقاومته الاحتلال أواخر ستينيات القرن الماضي.
حوّل منزله لحصن للمقاومة ورفض إغراءات السلطة
يعتبر وديع الحوح أحد أبرز مؤسسي مجموعة "عرين الأسود" التي باتت تشكل معضلة أمام الاحتلال الإسرائيلي، وهو أسير محرر سجن لدى الاحتلال أكثر من مرة، اعتقل سابقاً بتهمة الانتماء لكتائب شهداء الأقصى الذراع العسكرية لحركة فتح.
وقبل استشهاده اتخذ وديع صبيح الحوح من مخبئه في حوش العطعوط حصناً بعد أن قام "بتفخيخ" المكان وزرع عبوات ناسفة في محيطه ليكون كميناً لكل من يستهدفه هو وغيره من المقاومين.
واحتضن وديع الحوح المقاومين، وسعى للوفاء بوعدٍ قطعه على نفسه لرفاقه الشهداء بحماية المقاومين الأحياء وتشكيل درع لهم.
كما أنه اجتهد لينفذ وصية مؤسس "عرين الأسود" محمد العزيزي، الذي استشهد ورفيقه عبد الرحمن صبح يوم 24 يوليو/تموز الماضي، وهو يوصيه "بالمطارد الأخطر والمطلوب الأول" للاحتلال مصعب اشتية، الذي اعتقلته أجهزة أمن السلطة الفلسطينية قبل أكثر من شهر بجانب كلية الروضة بمدينة نابلس، ويقبع الآن في سجن مدينة أريحا.
وكان رد الحوح و"عرين الأسود" على اعتقال رفيقهم شتية واضحاً وسريعاً، وتجلى ذلك في اشتباك مع السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية لعدة أيام.
ثم رفض، خلال اجتماعه بشخصيات أمنية وسياسية بنابلس، أية عروض بالانضمام للأمن الفلسطيني، والحصول على عفو مستقبلاً من الاحتلال، مقابل تخليه عن المقاومة.
وتوالت عمليات المقاومة ليذيع صيت عرين الأسود التي أصبح وديع قائدها، فهدده الاحتلال مرات عدة، فيرد عليه بأن المقاومة له بالمرصاد، حسبما ورد في تقرير الجزيرة.
يتيم الأب وساهم بزواج شقيقاته الثلاث ورفض الخطبة لأجل المقاومة
ووديع الحوح يتيم الأم والشقيق الوحيد لثلاث بنات، وساهم في زواج شقيقاته الثلاث دون أن يفكر بالخطبة والزواج كأي شاب آخر، وبعد ضغط كبير مارسته العائلة جهَّز منزله مستعداً للخطبة، لكن بعد استشهاد رفاقه ومطاردة الاحتلال له منذ نحو 4 أشهر، كان يرفض كل العروض ويتحدى الضغوط قائلاً: "اخترت طريق الشهادة ولن أحيد عنه".
واعتقل وديع الحوح مرتين (في العامين 2011 و2018) وقضى في سجون الاحتلال الإسرائيلي عاماً كاملاً، وطارده الاحتلال قبل اعتقاله الأخير، وبعد اعتقاله تعرض لتحقيق قاس.
ولكن رغم مرارة تجربة الاعتقال إلا أنها كانت طريقه ليلتحق بركب "عرين الأسود" ويجند بصفوفهم، بل ينفق عليهم من ماله الخاص، حتى إنه ابتاع لنفسه بندقية على حسابه الشخصي.
ويصفه أحد الذين عرفوه من جيرانه بقوله إنه "صلب وعنيد ورأس العرين"، في حين شاع وصفه بـ"سيد الرجال" و"قمر آخر" من نابلس عبر مواقع التواصل الاجتماعي.