يواصل رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد تلقي الضربات من أكثر من جهة، في ظل سعيه لإنقاذ حكومته المهددة بعد الانشقاقات التي شهدتها خلال الأسابيع القليلة الماضية، آخر تلك الضربات الشكاية التي تقدم بها 50 محامياً تونسياً ضد الشاهد حول "تلقي أموال من بريطانيا لتشويه الاحتجاجات الاجتماعية"، إضافة إلى قرار حزب المسار الانسحاب من الحكومة.
إذ ذكرت وكالة الأناضول أن 50 محامياً تونسياً، تقدموا الجمعة 20 يوليو/تموز 2018، بشكاية قضائية ضدّ رئيس حكومة البلاد يوسف الشاهد، حول شبهة "تلقي أموال من بريطانيا لتلميع صورته وتشويه الاحتجاجات الاجتماعية الأخيرة بالبلاد".
الاستنجاد بمؤسسة إشهارية "لتشويه الاحتجاجات السلمية"
وقال منسق مجموعة المحامين الخمسين، نزار بوجلال، خلال مؤتمر صحفي بالعاصمة التونسية، إنّ "الشكاية تتعلق بتلقي الحكومة التونسية لأموال من بريطانيا خارج الأطر المالية القانونية للاستنجاد بمؤسسة إشهارية لتشويه الاحتجاجات السلمية في البلاد".
وأضاف "لو ثبت تلقي تلك الأموال فإن العقوبات قد تصل إلى الإعدام"، وفق تعبيره.
اجتماع لجنة الصياغة داخل مجموعة الخمسين الليلة تمهيدا لتقديم الشكاية غدا صباحا و عقد ندوة صحفية بنزل افريكا
Gepostet von Nizar Boujlel am Donnerstag, 19. Juli 2018
وأضاف، أنه تم اليوم تقديم الشكاية لدى وكالة الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس في ما يتعلق بالإقامة الجبرية، وذلك على خلفية تصريحات وزير الداخلية المقال لطفي براهم الذي تحدث عن احتجاز أشخاص تحت الإقامة الجبرية دون سند قانوني ودون تحديد التهمة الموجهة إليهم إبان حرب يوسف الشاهد على الفساد.
وأكد بوجلال، أن "اللجنة اتصلت بعائلات المتضررين وزرنا بعض المساجين تحت الإقامة الجبرية قبل التعهد بملفاتهم، وما سمعناه من هول ما وقع تسليط أقصى درجات التعسف في حقهم، من ذلك تم عزلهم وقطعهم (بعضهم) عن إطارهم الزماني والمكاني لمدة 5 أشهر دون معرفة أماكن تواجدهم وتم إيداعهم في أماكن معزولة وهو ما يتنافى مع قانون الطوارئ، الذي يوضح أماكن الإقامة الجبرية" مفيداً بأن هناك أشخاصاً تم وضعهم في محطة نقل وفي ضيعة (فيرمة).
كما أن الاتهامات وُجهت أيضاً لدولة أوروبية
كما أن شكاية "لجنة الـ 50 محامياً" شملت أيضاً دولة بريطانيا، على اعتبار أنها هي من قامت بتمويل الحملة، ومطلع يوليو/تموز الجاري، وقالت صحيفة الغارديان البريطانية إن حكومة بلادها دفعت أموالاً لشركة دعاية عالمية، لإدارة حملة تدعم الحكومة التونسية بعد التحركات التي شهدتها مناطق بالبلد الأخير، مطلع 2018، احتجاجاً على موازنة العام المذكور، والتي أقرت زيادات في الأسعار.
وأشار بوجلال، وفق ما نقله موقع قناة "نسمة" التونسية إلى أن "البرلمان البريطاني قرّر فتح تحقيق في الموضوع، كما أن البرلمان التونسي أيضاً كون لجنة للتحقيق في القضيّة"، دون مزيد من التوضيحات.
وأضاف قوله بأن لجنة الخمسين محامياً، "قررت تقديم الشكاية دون إنابة أي متضرر لإضفاء المصداقية على الملف، مؤكداً أنه على معاني الفصل 103 والفصل 250 تحدثنا عن اختفاء قسري واحتجاز أشخاص خارج الأطر القانونية وهي أفعال خطيرة إن ثبتت هاته الأفعال ضد رئيس الحكومة يوسف الشاهد ووزير الداخلية الهادي المجدوب ربما يتم سجنهم أكثر من 10 سنوات لأن الأفعال المذكورة موجبة لعقوبة شديدة وهي جناية" وفق تعبيره.
غير أن السفارة البريطانية بتونس نفت ذلك
إلاّ أن السفارة البريطانية في تونس، نفت تمويل حكومتها لأي حملة إعلامية مؤيدة لنظيرتها التونسية، بقيادة الشاهد، أو مناهضة للاحتجاجات الاجتماعية بالبلد الأخير. وقالت السفارة: "أصبنا بخيبة من تقارير إعلامية غير صحيحة، شوهت موقف المملكة، فحكومة بريطانيا تقدّم المساعدة التقنية لتونس، من خلال برامج التنمية التّي تساعد القطاع العام على التعامل مع الشعب التونسي بطريقة شفافة".
وفي تصريحات إعلامية سابقة، نفى المتحدّث باسم الحكومة التونسية، إياد الدهماني، صحة التقرير الذي نشرته "الغارديان". وشدّد الدهماني، على أن حكومة بلاده "لم تتعاقد إطلاقاً مع أي شركة إشهار، في علاقة بما عرفته البلاد من احتجاجات اجتماعية" .
وقبل ذلك كانت حكومة الشاهد قد تلقت "ضربة سياسية"
إذ قرر حزب المسار، الذي يُشارك في الحكم عبر توليه حقيبة وزارة الزراعة، الانسحاب من الحكومة التونسية ليلة الثلاثاء. وقد حدث ذلك إثر اجتماع عقده المكتب السياسي للحزب. وسينعكس هذا الأمر سلباً على حكومة يوسف الشاهد، ذلك أنه سيزيد من إضعافها.
وفي تقرير لصحيفة Jeune Afrique الفرنسية، فإنه في الوقت الراهن، لا يعد حزب المسار جزءاً من حكومة الشاهد. وخلال سنة 2016، بعد المشاورات حول تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، فرض أمين عام حزب المسار، سمير الطيب، على إدارة الحزب المشاركة في الحكومة.
وفي ذلك الوقت، فسّر سمير الطيب، الذي أصبح فيما بعد وزيراً للزراعة، هذا القرار قائلاً: "إن اليسار التونسي يفتقر إلى خبرة ممارسة السلطة، ويُعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية فرصة لاكتساب هذه الخبرة". بموجب هذه التطورات، انخرط الطيب في المجموعة التي تضم الموقعين على وثيقة قرطاج، والمتكونة من تسعة أحزاب وهيئات وطنية تعمل على وضع خارطة طريق الحكومة التونسية.
إذ وافق المسار (حزب "التجديد" سابقاً)، على مضض على خطط وثيقة قرطاج، ذلك أنها لا تتناسب مع الخط السياسي للحزب الذي يُعد من بين أعرق الأحزاب اليسارية في تونس. وعلى امتداد أشهر عديدة، توترت العلاقات بشكل واضح بين سمير الطيب، الذي يدعم حكومة الشاهد، وبقية أعضاء الحزب الذين يُحاولون جاهدين احتواء هذا الأمين العام.
لكن انسحاب الحزب كان متوقعاً
فقد جمّد سمير الطيب عضويته في الحزب منذ شهر. وعلى الرغم من عدم تمثيله للحزب، إلا أن هذا السياسي قد استمر في حضور الاجتماعات التي تناقش اتفاقات قرطاج. وقد كانت هذه الأحداث خطيرة بما فيه كافية لدفع حزب المسار إلى الانسحاب من الحكومة.
ويقول تقرير الصحيفة الفرنسية إنه من الآن فصاعداً، لم يعد الحزب، الذي تزعم منذ فترة طويلة المعارضة السياسية في البلاد، ملزماً بالتقيد بمواقف الحكومة؛ بل أصبح يملك حرية القيام بدور المراقبة والنقد السياسي. وفي البيان الذي أصدره مكتبه السياسي مساء يوم 17 يوليو/تموز 2018، صرح هذا الحزب أنه "ليس مهتماً بكل الجوانب التي لها علاقة بالتجاذبات والصراعات السياسية في هذه الحكومة، والتي لا تمت إلى المصلحة الوطنية بصلة".
نتيجة لهذه التطورات في الساحة السياسية التونسية، لم يعد سمير الطيب، الذي تم تعيينه في منصب وزير الزراعة نظراً لانتمائه لحزب المسار للمساهمة في تشكيل حكومة وحدة وطنية؛ يُمثل سوى شخصه لا غير.
وأثار قرار الحزب استياء الطيب، كما أضعف حكومة يوسف الشاهد، التي فقدت دعم أحزاب عديدة باستثناء حزب حركة النهضة. وانطلاقاً من هذا المنطق، تبدو خيارات رئيس الحكومة في تضاؤل مستمر. وفي الوقت الراهن لم يبق أمام الشاهد سوى حلين: إما مواجهة مجلس نواب الشعب بطلب تجديد ثقته في رئيس الحكومة، الأمر الذي يصعب تحقيقه، أو الاستقالة. وبشكل عام، يتوقف المستقبل السياسي للشاهد على هذا القرار الذي سيُقدم على اتخاذه.
اقرأ أيضا
نجل السبسي في مواجهة الشاهد.. صراعات سياسية مستعرة بتونس مع اقتراب انتخابات الرئاسة المقررة في 2019