ما الذي يمكن أن يدفع شخصاً ما إلى محاولة تدمير لوحات عالمية وأعمال فنية تاريخية تُقدَّر بملايين الدولارات؟
قد يتخيل كثيرون أن مخربي اللوحات الفنية غالباً ما يعانون من أمراض نفسية أو عقلية دفعتهم إلى مثل تلك الأعمال، ولكن في كثير من الحالات يتم استهداف الأعمال لسبب محدد.
وهم يعتبرون أنهم من خلال هذه الطريقة يستقطبون الضوء والاهتمام العالمي المطلوب لقضيتهم لكي تتصدر العناوين الرئيسية، حتى وإن كان ذلك من خلال تدمير كنز ثقافي لا يُقدر بثمن.
وبعد واقعة إلقاء نشطاء حماية البيئة حساء الطماطم على لوحة "عباد الشمس" الشهيرة للرسام الهولندي فينسنت فان غوخ، المعروضة في المعرض الوطني بالعاصمة البريطانية لندن، بات من الضروري العودة بالزمن إلى مناسبات أخرى تكررت فيها مثل تلك الوقائع الجريئة، لأسباب متفاوتة.
بعض تلك الحوادث أتلفت بالفعل قطعاً فنية فريدة بشكل جزئي أو كامل، بينما نجا البعض الآخر منها عقب عمليات ترميم أجراها خبراء متخصصون.
1- لوحة الحراسة الليلية للفنان العالمي رامبرانت
تم تخريب لوحة الفنان الهولندي الأشهر من القرن السابع عشر، رامبرانت فان راين، بعنوان الحراسة الليلية، في عدة مناسبات.
ففي 13 يناير/كانون الثاني عام 1911، حاول جندي بحرية عاطل عن العمل بقطع اللوحة بسكين حاد، لكنه لم يتمكن من قطع الورنيش السميك على اللوحة.
ثم في عام 1975، قام ويليام دي رايك، مدرس عاطل عن العمل، بقص عشرات الخطوط المتعرجة في اللوحة بسكين قبل أن يصارعه الحراس ويلقون القبض عليه.
بعد الحادث، تم تشخيص حالة الشاب بأنه يعاني من اضطراب عقلي. وقد تم إرساله إلى مستشفى للأمراض النفسية حيث انتحر هناك في 21 أبريل/نيسان عام 1976. في المقابل، فقد استغرق ترميم اللوحة 6 أشهر، ولا تزال آثار القطع الحاد باقية فيها حتى اليوم.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ إنه في عام 1990، ألقى رجل سائلاً حامضاً على لوحة الحراسة الليلية المعروضة حتى الآن بمتحف أمستردام الوطني.
وقد تمكن الحراس من تخفيفه بسرعة بالماء قبل أن يخترق طبقة الورنيش السطحية على اللوحة، وتمت استعادة اللوحة مرة أخرى. ولكن لم يتم تحديد هدف تلك المحاولات التخريبية قط.
2- لوحة غيرنيكا للفنان العالمي بيكاسو
في عام 1974، كتب توني شفرازي، صاحب معرض Shafrazi للفنون في نيويورك، عبارة تقول: "اقتلوا الأكاذيب جميعاً" أو (KILL LIES ALL) بطلاء أحمر فوق لوحة غيرنيكا الجدارية للفنان الإسباني العالمي بابلو بيكاسو التي صممها في القرن التاسع عشر.
وقد كان دافع شافرازي، الخبير في الفن وقيمة اللوحات الأصلية، هو الاحتجاج على عفو الرئيس الأمريكي آنذاك ريتشارد نيكسون، عن ويليام كالي الضابط السابق بالجيش الأمريكي ومجرم الحرب المُتهم بقتل ما يتراوح بين 200 و400 من المدنيين الفيتناميين العزل فيما بات يُعرف باسم مذبحة ماي لاي في 16 مارس/آذار عام 1968، خلال حرب فيتنام.
لحسن الحظ، تمت إزالة الطلاء بسهولة نسبية من السطح المصقول للوحة.
3- الاعتداء على لوحة بحيرة أرجنتيل لمونيه
أندرو شانون، الرجل الذي أحدث قطعاً ضخماً في قلب لوحة كلود مونيه التي تُقدر بقيمة 10 ملايين دولار في يونيو/حزيران عام 2012، حُكم عليه بالسجن خمس سنوات، نتيجة فعلته.
وكان الهجوم على اللوحة قد وقع بمعرض أيرلندا الوطني، في دبلن، حيث هاجمت شانون لوحة لمونيه بعنوان (Argenteuil Basin with a Single Sailboat)، أو بحيرة أرجنتيل وقارب شراعي وحيد والتي تعود لعام 1874، ثم صرخ في زوار المعرض المصدومين الذين حضروا المشهد.
حارس الأمن الذي كبح جماح شانون بعد فترة وجيزة، وجد علبة من الطلاء ضمن متاع الرجل كان ينوي أن يسكبها لاحقاً على اللوحة.
وقد تم تسجيل الحادث بواسطة كاميرات المراقبة في المتحف، والتي أشهرت شانون وهو يثقب العمل الفني عمداً بلكمة مباشرة.
علاوة على ذلك، ووفقاً لصحيفة Express، عندما داهمت الشرطة منزل شانون في دبلن في أبريل/نيسان الماضي، عثروا على 48 قطعة مسروقة تزيد قيمتها على 100.000 دولار تقريباً، وضمن ذلك بعض الأعمال الفنية القيّمة والكتب والتحف. واتضح أنها سُرقت من دبلن وبلفاست ويوركشاير، وكان بعضها يعود إلى الثمانينيات والتسعينيات.
4- لوحات عالمية ضمن الأكثر استهدافاً: الموناليزا لليوناردو دافينشي
لطالما جذبت لوحة الموناليزا لليوناردو دافينشي، التي تعود لعام 1503، انتباه المخربين من أصحاب الأهداف لجذب الانتباه أو حتى من المرضى العقليين، ما جعلها اليوم واحدة من أكثر الأعمال الفنية حماية في العالم.
وكانت الواقعة الأولى لتخريب اللوحة في عام 1956، عندما تعرض الجزء السفلي من التحفة لأضرار بالغة بعدما صب أحد المخربين على اللوحة سائلاً حمضياً في أثناء عرضها بمتحف في مونتوبان بفرنسا.
ثم لاحقاً في 30 ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، ألقى شاب بوليفي يدعى أوغو أونجازا فيليجاس، حجراً على اللوحة؛ أدى إلى فقدان بقعة من الصبغة بالقرب من الكوع الأيسر للموناليزا، والتي تم دهنها وترميمها لاحقاً.
ثم في أبريل/نيسان عام 1974، قامت امرأة معاقة- احتجاجاً على سياسة المتحف للمعاقين- برش طلاء أحمر على اللوحة في أثناء عرضها بمتحف طوكيو الوطني.
وفي 2 أغسطس/آب عام 2009، ألقت امرأة روسية- معترضةً على قرار حرمانها من الجنسية الفرنسية- بقدح تذكاري من الفخار ابتاعته من متجر متحف اللوفر على اللوحة التي كانت معروضة هناك.
هذا الاعتداء لم يسفر إلا عن تحطيم الواقي والسياج الزجاجي للوحة.
منذ هذه الواقعة بدأ استخدام الزجاج المضاد للرصاص في حماية لوحة الموناليزا من الهجمات.
وأخيراً في 29 مايو/أيار عام 2022، تعرضت الموناليزا للمرة الأخيرة لهجوم في متحف اللوفر من قبل رجل متنكر في زي امرأة مُسنة على كرسي متحرك.
وقد حاول الرجل الذي اتضح لاحقاً أنه أحد المتظاهرين النشطاء في التنديد بأزمة المناخ، بكسر الزجاج المضاد للرصاص الذي يحمي لوحة عصر النهضة الأشهر، وقام بتلطيخ الزجاج بكعكة.
ومع ذلك لم تتعرض اللوحة لأي أذى قبل أن يتم إلقاء القبض على الرجل.
بطبيعة الحال، قد لا تكون تلك الوقائع هي الأخيرة من نوعها في قائمة محاولات البعض جذب الانتباه أو حتى "التنديد" بقضايا سياسية واجتماعية وبيئية. ومن يدري ما اللوحة المقبلة التي قد تصبح ضحية أحد المخربين.