خلال الحرب العالمية الأولى، كانت اليابسة مسرحاً لمئات المعارك الضارية بين قوات دول المحور وقوات دول الحلفاء، من أجل السيطرة على الأرض، لكن ذلك لم يمنع من خوض معارك أخرى على البحر، لا تقل ضراوة عن معارك اليابسة.
وتعتبر معركة يوتلاند المعركة البحرية الرئيسية الوحيدة في الحرب العالمية الأولى؛ ورغم أن المعركة التي دارت بين البحرية البريطانية ونظيرتها الألمانية وإستمرت 72 ساعة فقط، كانت يوتلاند أكبر معركة بحرية في تلك الحرب، فإنّها لم تكن حاسمة للطرفين، وانتهت دون أن يحقق طرفاها أي هدف.
الألمان يحاولون كسر حصار البريطانيين البحري
بعد معركة دوجر بانك في يناير/كانون الثاني 1915، اختارت البحرية الألمانية عدم الدخول في مواجهة بحرية كبيرة مع الأسطول البحري البريطاني الذي كان يتفوق على الألمان في العدد، وذلك لأكثر من عام، مفضّلة وضع الجزء الأكبر من استراتيجيتها في البحر على غواصاتها القاتلة من نوع يو-بوت، وذلك حسب ما ورد في تقرير لموقع history.
ومع ذلك، كان الألمان ينتظرون فرصة مواتية للانقضاض على البريطانيين في البحر، وكسر الحصار البحري الذي فرضه البريطانيون.
في مايو/أيار 1916، ومع تواجد غالبية الأسطول البريطاني بعيداً في قاعدة سكابا فلو البحرية، قبالة الساحل الشمالي لاسكتلندا، اعتقد قائد أسطول أعالي البحار الألماني، الأدميرال راينهارد شير، أن الوقت كان مناسباً لاستئناف المعارك البحرية ضد البريطانيين، والهجوم على الساحل البريطاني من أجل فك الحصار البحري على القوات الألمانية حسب.
أمر شير 19 غواصة من طراز يو-بوت، بالقيام بغارة على مدينة سندرلاند الساحلية على بحر الشمال، كان الأدميرال راينهارد شير واثقاً من أن اتصالاته كانت مشفرة بشكل لا يكسر من طرف البريطانيين.
ومع ذلك، قامت وحدة استخبارات بريطانية والمعروفة باسم الغرفة 40، بفك الشفرة الألمانية، وقامت بتحذير قائد الأسطول البريطاني الكبير، الأدميرال جون روشورث جيليكو، من مخطط الألمان.
نتيجة لذلك، في ليلة 30 مايو/أيّار، انطلق أسطول بريطاني مكون من 28 سفينة حربية، و9 طرادات قتالية، و34 طرادات خفيفة و80 مدمرة من سكابا فلو ، متجهاً إلى مواقع قبالة سكاجيراك.
ولسوء حظ الأدميرال شير، أعاقت الأحوال الجوية المناطيد التي كلفها بمراقبة حركة الأسطول البريطاني من سكابا فلو.
أكبر معركة بحرية في الحرب العالمية الأولى
في 31 مايو/أيّار 1916م، بدأت معركة بحرية كبيرة بين الأسطولين الألماني والبريطاني، كان يقود الأسطول البحري الألماني الأدميرال راينهارد شير، بمساعدة نائبه فرانز فون هيبر، أما الأسطول البحري البريطاني فكان تحت قيادة السير جون جيليكو، بمساعدة السير ديفيد بيتي، وذلك حسب الموسوعة البريطانية.
كان الأسطول الألماني مشكلاً من 100 سفينة يديرها حوالي 45 ألف ضابط وبحار، بينما كان الأسطول البريطاني مشكلاً من 151 سفينة وحوالي 60 ألف بحار، في أكبر معركة بحرية في الحرب العالمية الأولى
بحلول الساعة 1:30 من بعد الظهر، كانت الأساطيل المتنافسة تقترب من بعضها البعض، لكن كل منهما لم يكن على علم بوجود الآخر بالقرب منه.
قبل الساعة الرابعة من بعد ظهر يوم 31 مايو/أيّار 1916، واجهت قوة بحرية بريطانية بقيادة نائب الأدميرال ديفيد بيتي سرباً من السفن الألمانية بقيادة الأدميرال فرانز فون هيبر، ذلك على بُعد حوالي 75 ميلاً من الساحل الدنماركي.
أطلق السربان النار على بعضهما البعض في وقت واحد، لتبدأ المرحلة الافتتاحية لأكبر معركة بحرية في الحرب العالمية الأولى، معركة يوتلاند.
استغرقت المرحلة الأولى من المعركة النارية 55 دقيقة، تم خلالها تدمير طرادين بريطانيين، مما أسفر عن مقتل أكثر من ألفي بحار.
في الساعة 4:43 مساءً، انضم إلى سرب هيبر بقية الأسطول الألماني بقيادة شير. أُجبر بيتي على الصمود حتى وصول السير جيليكو مع بقية الأسطول البريطاني الكبير.
حسب navy museum، بدأت المرحلة الثانية، عندما دخل الأدميرال جون جليكو بسربه من السفن إلى المعركة في حدود الساعة 6 مساءً، وانقلبت المعركة حتى صباح اليوم الموالي أين كانت المعركة سجالاً بين الأسطولين.
بعد الساعة 6:30 مساء يوم 1 يونيو/حزيران، نفذ أسطول شير انسحاباً مخططاً له مسبقاً تحت غطاء الظلام إلى قاعدتهم في ميناء فيلهلمسهافن الألماني، منهياً المعركة.
لم ينتصر فيها أحد!
فقدت البحرية الألمانية خلال معركة يوتلاند، 11 قطعة بحرية، بما في ذلك سفينة حربية وطراد معركة، وخسرت 3058 بحاراً.
وعانت 10 سفن ألمانية أخرى من أضرار جسيمة، وبحلول 2 يونيو/حزيران 1916، كانت 10 سفن فقط شاركت في المعركة على استعداد لمغادرة الميناء مرة أخرى
أمّا البريطانيون فقد تكبّدوا خسائر فادحة أكبر، حيث غرقت 14 سفينة، بما في ذلك 3 طرادات قتالية، وقتل نحو 6784 بحاراً. وبحلول الظلام الكامل في الساعة 10:00 مساء، بلغت الخسائر البريطانية 6،784 بحاراً و111 ألف طن من المعدات، والخسائر الألمانية وصلت إلى 3058 بحاراً و62 ألف طن من المعدات.
في 4 يوليو/تموز 1916، أبلغ الأدميرال راينهارد شير القيادة العليا الألمانية، أن خوض معركة يوتلاند لم يكن خياراً مناسباً، وأن حرب الغواصات كانت أفضل أمل لألمانيا لتحقيق النصر في البحر.
وعلى الرغم من الخسائر الفادحة التي تكبدها الأسطول البريطاني في المعركة، فإن معركة يوتلاند عزّزت التفوق البحري البريطاني في بحر الشمال، فبعد تلك المعركة لم يقوم أسطول أعالي البحار الألماني بمحاولات أخرى لكسر حصار الحلفاء أو إشراك الأسطول الكبير لما تبقى من الحرب العالمية الأولى، وذلك حسب anzac portal.