كلما فتحتُ نشرة إخبارية أجدها تعرض معلوماتٍ عن تهديداتٍ ما توجّهها إيران بحقِّ جيرانها العرب، ما يُعبّر عن حجم الشقاق الذي يعيشه العالم الإسلامي بين نصفيه السُّني والشيعي.
الوضع يبدو ميؤوساً منه بعدما اشتبكت أمور السياسة والفقه، ما جعل العداء بين المعسكرين يبدو مستحكماً بشكل استعصت عليه أعتى محاولات التوفيق بين المذهبين الكبيرين.
ربما يعتقد البعض أن أكبر محاولة للتوفيق بين السنة والشيعة هي دار التقريب بين المذاهب الإسلامية التي رعاها الأزهر الشريف.
هي خطوة مؤثرة بلا شك، ولكن برأيي كانت هناك خطوة أخرى أكثر أهمية، رعاها الأزهر الشريف أيضاً، تلك الخطوة لو نجحت كما خطّط لها واضعوها ربما لقربت المسافات بين العالمين العربي والسُّني بشكلٍ لا فِصام فيه.
صاحبة تلك الخطوة لم تكن أزهرية أو شيعية، وإنما كانت فتاة مصرية لم تبلغ الـ17 من عُمرها… هي الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق، التي قُدِّر لأكتافها أن تنوء بذلك الحِمل الثقيل.
بعدما رتّب أخوها لها زيجة قدّر أنها ستُنصِّبه خليفةً على كافة المسلمين، وتقرب بين العالمين الشيعي والسُّني تحت الراية المصرية.
الأخت المفضلة
بطلة الحكاية هي الأميرة فوزية، ابنة الملك فؤاد الأول، والملكة نازلي، وُلدت في قصر رأس التين في نوفمبر/تشرين الثاني 1921، والتي استفاضت المرويات التاريخية في الحديث عن جمالها، منها ما نُقل عن مايلز لامبسون، السفير الإنجليزي في مصر وقتها، بقوله "إنها أجمل نساء الأرض".
بخلاف ألقابها الملكية حملت فوزية لقباً غير رسمي، هو "الشقيقة المفضلة"، بسبب قُربها الشديد من فاروق، فحسبما ورد في كتاب "فاروق وسقوط الملكية في مصر"، للكاتبة لطيفة محمد سالم، كانت علاقة فاروق بأخواته البنات فاترة فيما عدا الأميرة فوزية، فهي الوحيدة منهن التي التزمت بسياسة القصر وبأوامر أخيها، وهو ما تجلّى في موافقتها على الزيجة دون أخذ رأيها.
ومن فرط تعلُّق فاروق بأخته أفرد لها جناحاً خاصاً في قصر الطاهرة، كان مخصصاً لإقامة الأميرة، رُوي عنه أنه كان غاية في البذخ والترف.
يقول محمد حسنين هيكل في كتابه "المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل"، إن زواجها من ولي العهد الإيراني كلّل إحدى التوجهات السياسية التي اقتنع بها الملك، وهي ضرورة التوجه شرقاً نحو إيران، ويضيف هيكل: حتى إذا قيل إن صاحب فكرة هذا الزواج هو "رضا خان"، شاه إيران الأب، في محاولة للبحث عن أصلٍ عريق لأحفاده، فإن القبول المصري بهذا الزواج يحمل في طياته إحساساً بأهمية الشرق في المنظور الاستراتيجي، وبالوسائل التي يمكن أن تخدمه بمنطق تلك الأيام.
عقبات الزواج
عقب الاتفاق المبدئي على الزيجة أثيرت عدة اعترضات داخل مصر وإيران، منها أن الأمير الإيراني لا يجيد العربية، والأميرة المصرية لا تُجيد الفارسية؛ لذا كلّف فاروق مُترجمه محمد عوني بتعليم شقيقته اللغة الفارسية، وعقب نجاحه في تلك الخطوة قلّده الملك وسام النيل، كما منحه الشاه وساماً رفيعاً تقديراً لمجهوداته.
وعندما تعالت بعض الهمسات المصرية المتسائلة عن مدى صلاحية زواج رجل شيعي من امرأة سُنية، تدخّل شيخ الأزهر مصطفى المراغي وصرّح للصحف بأنه "ليس في الإسلام ما يمنع هذا الزواج على الإطلاق".
يقول راينر برانر في كتابه "التقريب بين المذاهب الإسلامية في القرن العشرين، إن الأزهر استشعر وجود فجوة كبيرة تمنع وقوع الوحدة المأمولة بين السُّنة والشيعة؛ فخلال زيارته إلى القاهرة تبيّن عدم إجادة ولي العهد الإيراني للّغة العربية، وهو ما دفع الأزهر إلى ترجمة خطبة المراغي إلى الفرنسية، وتقديمها إلى الأمير الإيراني. بعدها أمر المراغي بأن تكون الفارسية ضمن اللغات الأساسية التي تُدرّس في الأزهر، كما ألّف زيدان بدران كتاباً حمل عنوان "التحفة الفوزية في تعليم اللغة الفارسية".
أيضاً، كان السياسي المصري علي ماهر أحد أشد المتحمسين لذلك الاقتران، بقوله "إن اليوم الذي تبدأ فيه الأسرة الملكية المصرية بمصاهرة الأسرة المالكة الإيرانية هو اليوم الذي تبدأ فيه عظمة مصر الحديثة، وما يرجى لها في أن تكون أكبر درة في تاج الإسلام، وهو حلم سوف يتحقق على يديْ جلالة الملك فاروق".
يقول محمد حسنين هيكل في كتابه "سقوط نظام"، إن ماهر كان مقتنعاً بسياسة عائلة "هابسبورج" المالكة في فيينا، والتي قيل عنها إنها وسّعت من ملكها داخل غرف نوم الأمراء والأميرات -أي بالمصاهرة- أكثر مما وسعت بالحروب وفتوحات الجيوش، لذا كان متحمساً للتوحيد بين أكبر بلدين في الشرق بزواجٍ لا مثيل له.
ولذلك اعتبر ماهر أن ذلك الزواج سيؤكد زعامة مصر على البلاد الإسلامية. كل هذه الأجواء كانت تصبُّ في مصلحة الملك فاروق، الذي كان يسعى لتتويجه خليفةً للمسلمين بعد إلغائها في إسطنبول.
وهو ما يُبرّر رفض الملك فاروق لطلب الملك أحمد زوغو، ملك ألبانيا، بخطبة الأميرة فوزية، بسبب رغبته في تزويج أخته لأحد قادة الدول الإسلامية الكبرى حتى يُسهّل له حلمه المنشود.
من جانبها، رحّبت جماعة الإخوان المسلمين بتلك الخطوة، واعتبرها حسن البنا المرشد العام للجماعة "فاتحة عهد يُمن وسعادة للمملكتين المصرية والإيرانية العريقتين في الحضارة والمدنية، الشقيقتين في الدين والآمال والتقاليد"، في برقية رسمية بعثها إلى رئيس وزراء إيران سنة 1938م.
10 أضعاف وزنها ذهباً
وفي 1939م، تزوّجت فوزية من محمد رضا بهلوي، بعدما أقيم لها حفلا زفاف، كلاهما أعظم من الآخر، الأول في القاهرة والآخر في طهران، حضر الحفل الأخير وفد من الجيش المصري سافر خصيصاً إلى إيران.
وبهذه المناسبة أصدرت أم كلثوم أغنيتها "مبروك على سموك وسموه".
وحسبما نشرت صحيفة الجزيرة السورية، ضمن التقارير التي كتبتها خلال تغطيتها للحدث، فإن الأميرة فوزية دُفع فيها أعظم مهر عرفته مصر، بعدما قرّر ولي عهد إيران أن يكون مهر عروسه هو 10 أضعاف وزنها ذهباً، وهو ما قُدِّرت قيمته بـ400 ألف جنيه.
وعندما أُثيرت مشكلة تتعلّق بالدستور الإيراني، الذي يحرم فوزية وذريتها من اعتلاء العرش لأنها غير إيرانية، أصدر الإمبراطور قراره بمنحها الجنسية الإيرانية وتوريثها لذريتها بلا أي عقبات قانونية.
أيضاً، ذكر أنيس منصور في كتابه "أعجب الرحلات في التاريخ"، فإن الشاه أهدى الحكومة المصرية قصراً غاية في الجمال، أصبح مقرّاً لبعثتها الدبلوماسية، زاره منصور وتناول فيه الطعام بأدواتٍ عليها التاج الملكي المصري، رغم مرور سنواتٍ طويلة على قيام الجمهورية في مصر.
وبحسب الصحيفة السورية، فإن وكيل العروس كان الملك فاروق نفسه، أما الشاهدان فكانا مصريين، هما: علي ماهر، رئيس الديوان الملكي، وسعيد ذو الفقار باشا، كبير الأمناء. وأن شيخ الأزهر تولّى عقد القران في حضور عددٍ كبير من العلماء الإيرانيين، على أن تصدر وثيقة الزواج (القسمية) باللغتين العربية والفارسية.
أبرز المُهنئين بتلك الزيجة كان الزعيم الألماني هتلر، الذي بعث إلى ملك مصر ببرقية تهنئة رسمية بتلك الخطوة، وهو أمر كان مبرراً في ظل العلاقة متنامية القوة التي حرص فاروق على خلقها مع ألمانيا لمواجهة النفوذ البريطاني المتزايد في بلاده.
أما أشهر الغائبين عن ذلك الحفل الأسطوري فهو زعيم الوفد مصطفى النحاس، الذي تمتّع بعلاقات سيئة مع القصر برّرت تجاهله. لاحقاً اعتبر النحاس عدم دعوته إهانة لا تُغتفر وبعث للقصر احتجاجاً رسميّاً على عدم دعوته، وهو الأمر الذي علّق عليه الصحفي البازر مصطفى أمين في مقالٍ نشرته مجلة "آخر ساعة"، كتب فيه "هذا حدث يُؤسَف له كل الأسف، وكان من الممكن أن يُعالج بطريقة أخرى حتى لا تُثار مسألة كهذه في وقتٍ تحتفل فيه البلاد بأفراح شقيقة الملك".
أتى هذا القرار بالرغم من إعلان النحاس عن رغبته في تنحية خلافاته مع الملك جانباً، وإعطاؤه تعليمات لكافة القواعد الحزبية للوفد بـ"الابتهاج بالحدث الملكي السعيد"، لكن هذا لم يكن كافياً لتصفية الأجواء مع فاروق.
هذا الحدث أشار له النحاس نفسه في مذكراته، بعدما حكى في الجزء الثاني منها أن الملكة نازلي اتصلت بزوجته ودعتها إلى حفل القران. يحكي النحاس: حمّلت الملكة زوجتي تحية ورجاء ألا أتأثر من تصرفات الملك، فهو شاب طائش وتحيط به بطانة سيئة تريد أن تعيش على حسابه، لهذا طلبت من زوجتي أن تشكر الملكة وأن تلبّي دعوتها لحضور عقد القران.
وحينما تعرضت جريدة "المصري" لتلك الواقعة، وتساءلت عن سبب استدعاء زعماء كافة الطوائف والأحزاب ما عدا مصطفى النحاس زعيم الأغلبية، حُوكم رئيس تحريرها أمام القضاء بتهمة العيب في الذات الملكية!
وبهذا كان النحاس هو الطرف الأكثر تضرراً من تلك الزيجة، ولم يشاركه ذلك إلا المُنتجة المصرية بهيجة حافظ، بعدما أمرت الحكومة المصرية بمنع عرض فيلمها "ليلى بنت الصحراء"، الذي قام ببطولته حسين رياض وزكي، وتكلّف 18 ألف جنيه، وهي ثروة ضخمة بمعايير تلك الأيام، مكّنت العمل من تحقيق الجائزة الذهبية في مهرجان برلين. رغم ذلك فلقد احتجت عليه الحكومة الإيرانية بدعوى أنه يُسيء إلى تاريخ كسرى ملك الفرس، فصدر القرار بمنع عرضه مجاملة للمصاهرة الملكية بين فاروق والشاه، وهو القرار الذي سبّب لشركة الإنتاج خسارة فادحة.
إمبراطورة.. ولكن
سريعاً، ظهرت ثمار ذلك الاقتران، ففي 22 يناير/كانون الثاني 1939، تقرّر رفع التمثيل الدبلوماسي بين مصر وإيران إلى درجة سفارة.
عقب عامين من الزواج، أُزيح الشاه الأب رضا بهلوي عن الحُكم بأمرٍ من الإنجليز والروس، الذين فرضوا احتلالاً عسكرياً على إيران، وتقلّد محمد بهلوي عرش طهران، وبموجب هذه الخطوة أصبحت الأميرة فوزية إمبراطورة رسمية على إيران.
عقب تقلّدها منصبها كإمبراطورة لإيران لعبت دوراً غير مباشر في توتير علاقة مصر مع بريطانيا، فخلال زيارة لها إلى مصر بعد أسبوعين من حادث 4 فبراير/شباط، الذي أرغم فيه الإنجليز الملك على تعيين النحاس رئيساً للوزراء، بسبب تلك الأحداث زارت الإمبراطورة مصر للاطمئنان على شقيقها.
طلب السفير البريطاني لامبسون أن تكون زوجته رفقة الوفد الذي سيستقبل الإمبراطورة في المطار، فتعمّد أحمد حسين أن يتعامل معها بـ"برود وقلة ذوق"، حسبما وصف السفير البريطاني لاحقاً، وهو ما اعتبره إهانة مباشرة لمُمثل المملكة البريطانية، وطالب باعتذار ملكي رسمي حصل عليه من وزير الخارجية ومن رئيس الوزراء مصطفى النحاس.
رغم تقلّدها التاج الإيراني فإن حالة فوزية النفسية كانت غاية في السوء، هنا تتعدّد الأسباب المروية حول سبب ذلك؛ سوء معاملة أُم الإمبراطور لها، وتواضع حالة طهران والبلاط الفارسي مقارنةً بمصر، وعدم قُدرتها على إنجاب ولي العهد الذي تمنّاه الشاه، فلقد اكتفت الأميرة فوزية بإنجاب طفلة وحيدة من الشاه، هي الأميرة شاهيناز بهلوي (وُلدت في أكتوبر/تشرين الأول 1940م)، التي مثّلت حلقة وصل تاريخية لم تتكرّر بين مصر وإيران.
أو ربما تكون هذه الأسباب كلّها قد تجمّعت في رأس فوزية ودفعتها لطلب الطلاق، في تلك الأثناء كان فاروق يعاني من أسوأ أيام حياته، بسبب متاعبه السياسية بسبب اشتعال الأوضاع في فلسطين، وكذلك مشاكله المتفاقمة مع زوجته، والتي وصلت حدَّ الانفصال. وفي صباح 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1948 أعلنت الصحافة المصرية نبأين بائسين؛ الأول هو طلاق الملك فاروق من زوجته فريدة، والثاني هو طلاق الأميرة فوزية بسبب "ما ثبت من أن مناخ طهران لا يلائم صحة الأميرة المصرية، التي تحمّلت ذلك المناخ حتى اعتلّت صحتها، ولم يعُد في مقدورها الاستمرار".
رئيسة المبرّة
عقب انفصالها عن الشاه حاولت الأميرة فوزية استعادة جزءٍ من نشاطها، وهو ما يُظهره التصفح الدقيق للجرائد المصرية، التي نشرت صفحاتُها بعضاً من أنشطة الأميرة المصرية.
في مايو/أيار 1947، أرسل الملك فاروق إلى تونس شحنة معونة غذائية تحمل 300 طنٍّ من القمح لإغاثة المتضررين، حملتها باخرة حملت اسم "الأميرة فوزية". لم ترضَ فرنسا عن تلك الخطوة واعتبرتها مقدمة لدفع التونسيين إلى الثورة ضدها، فأمرت بإعادة الباخرة فوزية من حيث أتت دون إنزال حمولتها، وهو الحادث الذي أثار توتراً في العلاقات بين الدولتين.
وفي سبتمبر/أيلول 1948، إبان اشتعال حرب فلسطين، وضعت حجر أساس مبنى طبي في المعادي، وهو ما كرّرته لاحقاً، في فبراير/شباط 1949، حينما شاركت في افتتاح مدينة "تحسين الصحة" في القاهرة، وهو منشأة مخصصة لمقاومة مرض الدرن لا يزال قائماً حتى اليوم.
في مارس/آذار 1949، تزوّجت من العقيد إسماعيل شرين بك، الذي حظي بثقة فاروق الكبيرة، حتى إنه كان حلقة الوصل السرية بينه وبين الألمان، وكان هو رئيس الوفد المصري الذي بحث اتفاقية الهدنة بين مصر وإسرائيل خلال المفاوضات التي أجريت في رودس، برعاية الولايات المتحدة، وفي آخر حكومة عيّنها فاروق شغل شرين بك منصب وزير الحربية، وهي الحكومة التي أُطيح بها فور اندلاع الثورة.
وفي فبراير/شباط 1951، افتتحت الأميرة "مبرة محمد علي" (منظمة خيرية) في المعادي (عُينت رئيسةً لها)، وبعدها بـ4 أشهر افتتحت مؤسسة دار الشفا، وفي مايو/أيار 1951، لعبت دور البطولة في حفل زواج أخيها من الملكة ناريمان، بعدما كانت مُساعدة العروس الأولى في كل تفاصيل الزفاف، ولازمتها خلال تحركها من منزلها في مصر الجديدة، حتى دخلت قاعة الاحتفال مرتدية ثوبها الأبيض الفاخر.
في أبريل/نيسان 1952، افتتحت الأميرة فوزية معرضاً خيرياً تابعاً لجمعية الأميرة فريال، وفي مايو/أيار من العام نفسه افتتحت فرعاً آخر لمبرة محمد علي في المحلة الكبرى. كانت رئاستها للمبرّة آخر منصب رسمي شغلته حتى قامت الثورة.
وبعدها بعدة أيام، تحديداً في 26 مايو/أيار، افتتحت معرض أشغال تابعاً لمبرة (منظمة خيرية) أخرى تحمل اسم الملك فؤاد، ليكون هذا آخر نشاط رسمي مُسجّل لها قبيل اندلاع ثورة يوليو/تموز، التي أنهت الحُكم العلوي لمصر.
الطريف، أن الهلالي- آخر رئيس وزراء في عهد الملكية- أراد تعيين محمد نجيب وزيراً، وهي خطوة كانت كفيلة بمنع قيام ثورة يوليو/تموز، لكن الملك رفض وأصرَّ على تعيين زوج أخته فوزية بدلاً منه، ففوجئ بعد تشكيل الوزارة بيومٍ واحد (أُعلنت يوم 22 يوليو/تموز) بنجيب يقود الضباط الأحرار ويطالبه بالتنازل عن العرش.
وبحسب كتاب نبيل خليل "ملف الانقلابات في الدول العربية المعاصرة"، فإن زوج الأميرة فوزية كان شاهداً على اللحظات الأخيرة لفاروق كملك على مصر، فكان في صحبة عددٍ من رجال السلك الدبلوماسي، حين قاد اللواء محمد نجيب الملك من قصر رأس التين بالإسكندرية، حتى صعد على متن اليخت الملكي "المحروسة" الذي غادر به إلى إيطاليا.
بعد اندلاع الثورة سنَّ رجال يوليو سكاكينهم بحقِّ ما تبقى من التراث العلوي في البلاد، فكان من ضمن القضايا التي نظرتها محكمة الغدر قضية بدأ تداولها في أغسطس/آب 1952، وعُرفت إعلامياً باسم "قضية مجاري سيدي بشر"، والتي بحثت فساد المحليات في تحويل المرور من الكورنيش إلى شارع الأميرة فوزية، في إطار رغبة كبير مهندسي بلدية الإسكندرية في تنفيذ خط مجارٍ كامل ليرفع من قيمة منزله.
بسبب "قضية المجاري" تردّد اسم الأميرة فوزية على الصحف كثيراً، رغم انتفاء أي علاقة لها بتلك القضية.
بعد قليل، وقعت المواجهة المباشرة بين الطرفين، بعدما استولت الثورة على مجوهرات قيمتها 600 ألف دولار منها، فلجأت فوزية إلى القضاء، بدعوى أن تلك المصوغات حصلت عليها من الشاه وليس من فاروق، ولكنها خسرت القضية.
وهنا لا نعلم مدى صدق فوزية من عدمه، فالثابت من المرويات الدقيقة أن الشاه اشترط استرداد مجوهراته حتى يُعلن طلاق الأميرة فوزية رسمياً، فهل أعادتها كلها أم استبقت لنفسها بعضاً منها صادرته الثورة لاحقاً؟ هذا ما لم أستطع تبيُّن حقيقته أبداً.
عقب انحسار الأضواء عنها بسبب الثورة خفتَ الحديث عن الأميرة المصرية تماماً، فكادت أخبارها أن تنقطع عن الناس، لولا أنها ظهرت في عهد السادات حينما تقدّمت إليه بطلب لإعادة دفن رفات أخيها الملك فاروق في مسجد الإمام الرفاعي بجوار أبيه. وافق السادات بشرط أن يتم الدفن سرّاً وبلا أي دعاية، وهو ما استجابت له الأميرة المصرية، التي كانت الشاهد الوحيد على عملية إعادة دفن أخيها.
أما بالنسبة للشاه محمد نفسه فإن تأثير الطلاق عليه كان "ذا أبعاد استراتيجية"، فحسبما أوضح سعيد باديب في كتابه "العلاقات السعودية الإيرانية"، فإن مشاعر الشاه تأثرت بفشل اقترانه بالأميرة فوزية، بسبب شكواها من صعوبة الحياة في طهران. يقول سعيد: "ربما كان استياء الشاه من كلامها هو الذي دفعه إلى اتخاذ موقفٍ صامتٍ تجاه أزمة السويس، في الوقت الذي أعلن فيه العالم الإسلامي كله تأييده لحقِّ مصر في تأميم قناة السويس".
انقطع الشاه عن زيارة مصر، وبعد وفادته الأولى عليها خلال عقده خطبته لم يزرها مُجدداً إلا عام 1974، في عهد السادات، بعدما تحوّل الشاب الخجول ذو الـ19 عاماً إلى طاغية ترتعد منه المنطقة بأسرها.
وحسبما أورد هيكل في كتابه "خريف الغضب"، فإنه خلال زيارته إلى أسوان صدرت الأوامر بإزالة صورة لعبد الناصر كان الشاه سيراها في طريقه وقد تُغضبه، فقد كان عداؤه لعبد الناصر وللقومية العربية مستحكماً.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.