غابت الابتسامة عن مشجّعي المنتخب المغربي، الأربعاء 14 ديسمبر/كانون الأول 2022، بعد خروجه من نصف نهائي مونديال قطر على يد حامل اللقب فرنسا (2-0)، لكنّ هذه الخسارة لم تمنعهم من الاحتفال والتنويه بمسيرة مشرّفة لفريق حظي بحبّ كبير تخطّى حدود المملكة.
يلخص المشجع أسامة أبدوح (35 عاماً) هذا الشعور قائلاً لوكالة الأنباء الفرنسية: "لقد لعبوا مباراة جيّدة، لكنّ الحظ خانهم، واجهنا بندّية حامل اللقب، هذا رائع". ويضيف الشاب الذي تابع المباراة بالدار البيضاء "هذا الفريق جعلنا نحلم حتى النهاية، أرفع لهم القبعة".
في المقابل كانت مشاعر الشاب حكيم سلامة أكثر مرارة، إذ ظلّ يتمنّى أن تستمرّ المسيرة الرائعة لأسود الأطلس، "لكنّنا ضيعنا فرصة القرن، أنا محبط".
احتفال رغم الخسارة
في العاصمة الرباط وجَّه بعض السائقين التحيّة إلى المنتخب بإطلاق العنان لمنبّهات سياراتهم، تحت السماء الماطرة، لكن بعيداً عن أجواء الفرح العارم التي كانت تغمر شوارع المدينة إثر كل انتصار كان أسود الأطلس يحقّقونه خلال الأسبوعين الأخيرين.
فيما خرج مئات المغاربة إلى شارع "محمد الخامس" بالعاصمة الرباط، بمجرد انتهاء المباراة التي جمعت منتخب بلادهم بنظيره الفرنسي في الدور نصف النهائي، مرددين شعارات تشيد بمستوى المنتخب الجيد، وفي الدار البيضاء أكبر مدن البلاد خرج المئات للاحتفال.
وفي حيّ درب السلطان الشعبي بالدار البيضاء قال لوكالة فرانس برس، البائع الجوّال رشيد صديق، قبيل ساعات من انطلاق المباراة إنّ "المنتخب الوطني حقّق معجزات منذ بدء المونديال… لذلك لست مهتماً كثيراً بالربح أو الخسارة"، وأضاف الرجل الذي استبدل بيع الحلويات بالأعلام الوطنية "لقد ربحوا احترام وإعجاب كلّ المغاربة، وهذا لا يقدّر بثمن".
وهذا الحي الشعبي الذي كان معقلاً لحركة المقاومة ضد الحماية الفرنسية، في خمسينات القرن الماضي، يعدّ أيضاً من معاقل الكرة المغربية، إذ ولد فيه في 1949 نادي الرجاء البيضاوي، أحد أكبر ناديين مغربيين ومن بين الأشهر في إفريقيا.
وفي هذا الحيّ أيضاً ولد لاعبون من نجوم الكرة المغربية، مثل محمد جرير (حمان) صاحب أول هدف مغربي في تاريخ المونديال العام 1970 ضد ألمانيا الغربية في المكسيك.
ويقول اليافع محمد نظيفي، الذي يحلم أن يصير يوماً مثل قدوته سفيان بوفال، "نحن مولعون بالكرة في هذا الحيّ، من الطبيعي أنّ انتصارات المنتخب غذّت أحلامنا".
ولا يكاد يخلو أيّ متجر في الحيّ من أقمصة المنتخب المغربي بأسعار زهيدة (بين 4,5 إلى 7 يورو فقط)، بل حتى سترات شتوية بألوان العلم الوطني.
ويضيف أحد تجار الحي، خالد علوي (31 عاماً) "لقد أسعدَنا أسود الأطلس، ولكنّهم أيضاً نشّطوا تجارتنا"، وهي تباع "بسهولة منذ الانتصار على بلجيكا"، كما يضيف الشاب الذي يرتدي هو الآخر أحدها.
ويتقاسم مشجعون أفارقة نفس مشاعر الفخر بأداء المنتخب الذي بقي الممثّل الوحيد للقارّة منذ الدور ربع النهائي، إذ يؤكّد الإيفواري المقيم بالمغرب سيديبي زومانا، أنّ "المغرب جعل كلّ إفريقيا فخورة، لقد تابعت بحماس مسار هذا الفريق كما لو أنّه منتخب بلادي".
مباراة تاريخية للمغرب
واكتست المباراة أمام فرنسا طابعاً خاصاً نظراً للعلاقات الوثيقة بين البلدين من جهة، وتزامنها من جهة ثانية مع فتور في علاقاتهما الدبلوماسية، ما جعل بعض التعليقات في مواقع التواصل الاجتماعي تحمّلها أبعاداً سياسية.
إذ ذهب الكاتب المغربي الطاهر بنجلون في تصريح لصحيفة "لوباريزيان" الفرنسية إلى حد مقارنة المباراة مع "أجواء استقلال المغرب"، العام 1956، بعد 44 عاماً من الحماية الفرنسية الاسبانية.
وفي غمرة الحماس والشغف الاستثنائيين اللذين خلقهما المنتخب، خصوصاً بعد تأهّله إلى نصف النهائي، خصّصت شركة الخطوط الجوية المغربية رحلات استثنائية منذ الثلاثاء لنقل أعداد إضافية من جماهير المنتخب إلى الدوحة لتشجيع الأسود.
لكنّ وصول المشجعين المغاربة إلى الدوحة تعكّر مع إلغاء بعضها الأربعاء، فيما تعذّر على كثيرين منهم في الدوحة الحصول على تذاكر لدخول الملعب، كانوا قد وُعدوا بها من الاتحاد المغربي.
وأثار هذا الارتباك انتقادات في وسائل التواصل الاجتماعي، واتهامات "بالمحسوبية" في توزيع التذاكر، دون أن يصدر أيّ توضيح من الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم.
وفاز المنتخب الفرنسي على نظيره المغربي بهدفين نظيفين، ليضرب موعداً مع الأرجنتين في نهائي المونديال يوم الأحد القادم.
وسيواجه المنتخب المغربي نظيره الكرواتي، الذي سبق وتعادل معه سلباً في دور المجموعات، لتحديد صاحبي المركزين الثالث والرابع في النهائيات.
ونجح المغرب في كتابة تاريخ جديد للكرة العربية والإفريقية، بعد تأهله للدور نصف النهائي، عقب الفوز على البرتغال، أحد المرشحين للظفر بالكأس.
وبات المغرب ثالث منتخب من خارج أوروبا وأمريكا الجنوبية يتأهل إلى المربع الذهبي في نهائيات كأس العالم، بعد الولايات المتحدة عام 1930، وكوريا الجنوبية في عام 2002.