لُقّب أوزيبيو بـ"الملك" و"الفهد الأسود"، وكان النجم الأول لنادي "بنفيكا لشبونة" ومنتخب البرتغال لكرة القدم، خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. وما زال حتى الآن يُعتبر أسطورة الكرة في بلاده.
كان أول لاعب برتغالي يبلغ النجومية العالمية، وينال "الكرة الذهبية"، ثم "الحذاء الذهبي"، قبل النجمين لويس فيغو وكريستيانو رونالدو.. إنه أوزيبيو القادم من إفريقيا.
والده من المستعمرين البرتغاليين ووالدته موزمبيقية
وُلد أوزيبيو دا سيلفا فيريرا يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني 1942 في مابوتو، العاصمة الحالية لدولة موزمبيق، والتي كانت تُسمّى وقتئذٍ "لورينزو ماركيز".
والده هو لوريندو أنطونيو دا سيلفا فيريرا، ينحدر من عائلة من المستعمرين البرتغاليين كانت تعيش في أنغولا، قبل أن يهاجر إلى موزمبيق للعمل في السكك الحديدية. أما والدته، فهي موزمبيقية الأصل، وتدعى إيليزا أنيسابيني.
نشأ الطفل أوزيبيو في فقرٍ شديد، مع والدته وأشقائه الثلاثة الذين يكبرونه سناً في موزمبيق، التي كانت تشكل -مع أنغولا- مستعمرة برتغالية، بعد أن توفي والده عندما كان لا يزال في الثامنة من عمره.
بدأ يلعب كرة القدم مع أقرانه في شوارع حي "مافالالا" التاريخي، قبل أن ينضم في الـ15 من عمره إلى نادي لورينزو ماركيز، حيث تألق بشكلٍ لافت. فقد سجل 77 هدفاً في 43 مباراة رسمية فقط، وقاد الفريق إلى التتويج بلقب الدوري للمستعمرة البرتغالية.
عندما بلغ سنّ الـ18، كان نادي بنفيكا لشبونة البرتغالي قد جهز له عقداً بعد أن لفت أنظاره، وقد انضمّ أوزيبيو بالفعل إلى النادي في ديسمبر/كانون الأول 1960.
أُعجب به بيليه لما كان في الـ18
وصل أوزيبيو، إذاً، إلى البرتغال وهو في الـ18 من عمره، فتأخر قليلاً في التأقلم مع حياته الجديدة بأوروبا؛ وقد انعكس ذلك على أدائه، حيث اكتفى بخوض مباراتين رسميتين فقط مع بنفيكا في موسمه الأول (1960-1961)، سجّل خلالهما هدفين اثنين.
ولكنه بدأ في التألق مع ناديه الجديد في صيف 1961، فسجّل 3 أهداف كاملة خلال مباراة ودية، هُزم فيها بنفيكا أمام نادي سانتوس البرازيلي (3-6).
أسطورة الكرة العالمية بيليه كان يلعب مع صفوف نادي سانتوس، ويُقال إنه أُعجب بأوزيبيو لدرجة أنه استفسر -بعد نهاية المباراة- من ماريو كولونا، النجم الأول لبنفيكا، متعجباً: "من هذا الفتى؟".
وقد كان بيليه مُحقاً في الإعجاب بالمهارات الفنية لأوزيبيو، وفعاليته الكبيرة أمام المرمى؛ فسرعان ما أصبح الشاب الإفريقي الواعد مُدلل جماهير نادي بنفيكا الأول، بعد أن قاده إلى التتويج بلقبه الأوروبي الثاني في موسم 1961-1962، مسجلاً 5 أهداف في 6 مباريات، منها هدفان في اللقاء النهائي الذي فاز به النادي البرتغالي على ريال مدريد الإسباني (5-3).
وفي موسم (1962-1963) بلغ أوزيبيو، مع نادي بنفيكا، الدور النهائي لبطولة أوروبا للأندية، بعد تسجيله 6 أهداف في 7 مباريات. لكن الفريق فشل في الحفاظ على لقبه، بعد هزيمته بصعوبة، أمام نادي ميلان الإيطالي (1-2).
ووصل بنفيكا إلى الدور نفسه في موسم 1964-1965، وخسره أمام نادي إنتر ميلان الإيطالي (0-1). ولكن أوزيبيو خرج هذه المرة بجائزة فردية مميزة، وهي هدّاف البطولة، برصيد 9 أهداف.
قاد البرتغال إلى إنجاز تاريخي في مونديال إنجلترا 1966
بالإضافة إلى تألقه مع نادي بنفيكا في موسم 1965، فقد قاد أوزيبيو منتخب البرتغال إلى التأهل للمرة الأولى في تاريخه إلى نهائيات كأس العالم، التي أُقيمت في إنجلترا عام 1966؛ وذلك بعد أن سجل 6 أهداف من مجموع الأهداف التسعة التي وقعها منتخب بلاده في مرمى كل من: تشيكوسلوفاكيا، ورومانيا، وتركيا، خلال تصفيات القارة الأوروبية.
وأنهى أوزيبيو موسمه الرائع بنيل جائزة فردية ثمينة، وهي "الكرة الذهبية" لأفضل لاعب في أوروبا لسنة 1965، متقدماً على الإيطالي جيانسينتو فاشيتي، والإسباني لويس سواريز.
وبعد قيادته منتخب بلاده لنهائيات مونديال إنجلترا 1966، واصل أوزيبيو تألقه خلال الدورة النهائية، بحيث فازت البرتغال في دور المجموعات على كل من المجر (3-1) وبلغاريا (3-0)؛ ثم على البرازيل بـ3-1، في مباراة عرفت تدخلات خشنة على الملك البرازيلي بيليه، الذي تعرض لإصابة خطيرة تسببت في إنهاء مسيرته بالمونديال مبكراً.
وقد سجل أوزيبيو هدفاً واحداً في مرمى بلغاريا وهدفين أمام البرازيل، ثم أنقذ البرتغال من إقصاء مفاجئ في الدور ربع النهائي على يد كوريا الشمالية.
فبعد أن كان المنتخب الآسيوي متقدماً في النتيجة بثلاثة أهدافٍ نظيفة، منذ الدقيقة الـ24، استطاع المهاجم من أصولٍ إفريقية أن يسجّل أربعة أهداف متتالية -هدفين اثنين في كل شوط- قبل أن يضيف زميله جوزيه أغوستو الهدف الخامس، وتنتهي المباراة بنتيجة 5-3.
في الدور نصف النهائي، واجه المنتخب البرتغالي المنتخب الإنجليزي في ملعب "ويمبلي" الأسطوري؛ ولم يكن الهدف الوحيد لأوزيبيو كافياً لتفادي الهزيمة (1-2)، والإقصاء من البطولة.
أنهت البرتغال مونديال 1966 في المركز الثالث، بعد فوزها في اللقاء الترتيبي على الاتحاد السوفييتي بنتيجة هدفين لواحد، وهو أفضل إنجاز في تاريخ مشاركات هذا البلد الإيبيري في نهائيات كأس العالم لكرة القدم حتى يومنا هذا.
سجل أوزيبيو هدفاً واحداً في المباراة الترتيبية، ما جعله يُتوّج بجائزة أفضل هدّاف للبطولة برصيد 9 أهداف. لكنه أصيب بخيبة أملٍ كبيرة في نهاية العام، عندما احتل المركز الثاني في جائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في أوروبا، بفارق صوتٍ واحد فقط عن الإنجليزي بوبي تشارلتون.
وقد زادت خيبة أمله، عندما علم أنّ الصحفي البرتغالي الذي شارك في اختيار الفائز بالجائزة قد منح صوته للنجم الإنجليزي.
كاد أن يفقد حياته داخل "جاكوزي"
انتهى عام 1966 بحادثة مأساوية بالنسبة إلى اللاعب البرتغالي من أصولٍ إفريقية؛ ففي يوم 5 ديسمبر/كانون الأول، أراد النادي البرتغالي تجريب "جاكوزي" تلقاه هدية من إحدى الشركات الراعية.
وحين كان أوزيبيو مع 6 من زملائه يستمتعون بالمياه الساخنة داخل الجاكوزي، تعرّض الجهاز لتلامسٍ كهربائي. ولولا نجاح اللاعب خايمي غراسا في الخروج من الجاكوزي ونزع الموصل الكهربائي، لكان أوزيبيو و4 من زملائه تعرّضوا لحروقٍ خطيرة.
ومع ذلك، فقد انتهى هذا اليوم بوفاة زميلهم السادس لوتشيانو فينانديز بالصعقة الكهربائية.
أول لاعب ينال الحذاء الذهبي الأوروبي
بعد مونديال 1966، لم يحقق أوزيبيو إنجازات كبيرة مع منتخب البرتغال، ولكنه واصل تألقه مع فريق بنفيكا، الذي بلغ رفقته نهائي بطولة أوروبا للأندية لسنة 1968، ثم انهزم أمام نادي مانشستر يونايتد الإنجليزي.
ولكن اللاعب البرتغالي نال جائزة أفضل هداف للمسابقة برصيد 6 أهداف، كما حصل في العام ذاته على "الحذاء الذهبي" كأفضل هداف في الدوريات الأوروبية، بمجموع 42 هدفاً في 24 مباراة. ليكون بذلك أول لاعب يُدشّن هذه الجائزة التي يمنحها سنوياً الاتحاد الأوروبي لكرة القدم.
استمرّ مشوار أوزيبيو مع نادي بنفيكا 15 عاماً إلى موسم 1974- 1975، نال خلاله 11 لقباً للدوري البرتغالي و5 ألقاب لكأس البرتغال ولقباً واحداً لبطولة أوروبا للأندية البطلة؛ قبل أن يُنهي مسيرته الاحترافية في أمريكا الشمالية، حيث لعب من 1975 إلى 1978 ضمن أندية أمريكية، إضافة لفريقَي تورنتو الكندي ومونتيري المكسيكي.
وبعد نهاية مشواره كلاعب، عيّنه بنفيكا سفيراً للنادي في العالم، كما عمل لفترات مُتقطعة ضمن الجهاز الفني للفريق الأول؛ قبل أن يتعرض لسكتةٍ دماغية يوم 24 يونيو/حزيران 2012، تبعتها سكتة قلبية حادة أدّت إلى وفاته في 5 يناير/كانون الثاني 2014.