في عالم التكنولوجيا وريادة الأعمال، حيث المنافسة شرسة والابتكار هو مفتاح النجاح، ظهرت إلى الوجود شركة ألمانية تُعرف جديدة تحمل اسم "Rocket Internet" تمكنت من تحقيق مكانة بارزة على المستوى العالمي.
هذه الشركة تأسست في عام 2007 على يد الإخوة مارك، وأوليفر، وألكسندر ساموير، وقد كانت فكرتها مختلفة جدا عن باقي الشركات، إذ يمكن القول أنها تفتقر للإبداع، لكنها تعمل على التطوير.
ومن هنا يمكن القول أن ما يميز شركة Rocket Internet عن غيرها هو نموذج أعمالها الفريد والمثير للجدل، حيث تقوم باستنساخ أفكار شركات ناجحة عالمياً وإنشاء نسخ مشابهة لها في الأسواق الناشئة، وهذا هو الذي يُطلق عليه أحياناً "الاستنساخ الاستراتيجي".
البداية من ألمانيا.. رحلة الإخوة ساموير في عالم الأعمال
بدأت قصة الإخوة ساموير في ألمانيا، حيث وُلد كل من مارك، وأوليفر، وألكسندر، ونشأوا في مدينة كولونيا غرب البلاد.
كان لدى هؤلاء الإخوة اهتمام مشترك وشغف مبكر بعالم التكنولوجيا وريادة الأعمال، الشيء الذي جعلهم يدخلون طريقا جديدة، لم يسبق أن دخلها أحد غيرهم بنفس الطريقة.
وقد بدأ مارك، وأوليفر، وألكسندر مسيرتهم في هذا المجال خلال فترة دراستهم الجامعية، حيث أطلقوا أولى مشاريعهم التقنية التي أدخلتهم مجال ريادة الأعمال في أواخر التسعينيات.
وقد كان مشروعهم الأول عبارة عن موقع للتجارة الإلكترونية يُدعى "Alando"، والذي كان نسخة مطابقة تقريبا لموقع eBay الأمريكي الشهير.
وفي ظرف ستة أشهر فقط من إطلاق موقع Alando، الذي أصبح منافسا للموقع الأصلي، قام الإخوة ببيعه إلى موقع eBay مقابل $43 مليون دولار، مما كان بداية موفقة ومثيرة لهم في عالم الأعمال.
بداية أفكار مبتكرة في عالم الاستنساخ والأعمال
بعد نجاح فكرة مشروع موقع "Alando"، قرر الإخوة سنة 2007، العمل على تطوير مشروعهم بشكل أكبر، ومن هنا جاءت فكرة تأسيس شركة Rocket Internet.
وقد تم اختيار أن تكون عبارة عن شركة استثمارية، تُركز في عملها على تطوير مشاريع إلكترونية تعتمد على نماذج أعمال موجودة مسبقًا وناجحة في الأسواق الغربية، ثم تطبيقها في الأسواق الناشئة. كانت رؤيتهم واضحة وهي كالتالي: إذا كان هناك نموذج عمل ناجح في الولايات المتحدة أو أوروبا، فلماذا لا يكون ناجحا في آسيا أو إفريقيا أو أمريكا اللاتينية كذلك؟
نموذج العمل هذا لم يكن شائعًا في الوقت الذي ظهرت فيه هذه الشركة، لكنه أثبت فعاليته بعد فترة بسيطة من الإنشاء.
إذ أن الإخوة ساموير كانوا يختارون بعناية الشركات الناجحة من أجل استنساخها وتقديم نفس خدماتها، مثل Amazon، وZappos، وGroupon.
ثم يقومون بإطلاق شركات مشابهة تقدم نفس الخدمات، لكن مع تعديلات طفيفة تتناسب مع احتياجات الأسواق المحلية حسب الدولة التي يتم فيها إنشاء الشركة الجديدة.
بعض هذه الشركات تشمل Zalando (النسخة الأوروبية من Zappos)، وJumia (النسخة الإفريقية من Amazon)، وFoodpanda (النسخة الآسيوية من GrubHub).
النجاح والتوسع السريع في عدة دول حول العالم
خلال سنوات قليلة الأولى من إنشاء الشركة، نمت Rocket Internet بشكل كبير، وأصبحت تمتلك حصصاً في أكثر من 100 شركة أخرى ناشئة حول العالم.
وما يميز شركة الإخوة الألمان الثلاث، كان هو قدرتهم على العمل على المشاريع بسرعة مع فعالية التوسع الفوري عبر عدة مجالات مختلفة.
كانت فلسفتهم تعتمد على الحصول على تمويل ضخم في مراحل مبكرة من عمر الشركات، واستخدام هذه الأموال في التسويق والتوسع السريع.
إذ تمكنوا من خلال هذه الاستراتيجية في العمل من جذب استثمارات من شركات رأس المال المخاطر، بما في ذلك Access Industries، وKinnevik، وInvestment AB.
الإخوة ساموير كانوا يديرون الأمور بإحكام، معتمدين على فريق إداري قوي وذو خبرة، وقد تبنت Rocket Internet نهجًا دقيقًا في تحليل البيانات ودراسة السوق.
هذه المهارة ساعدها على اتخاذ قرارات استثمارية استراتيجية مكنتها من التفوق على المنافسين المحليين والدوليين الذين يقدمون خدمات مشابهة.
النجاحات البارزة والتحديات
عرفت الشركة العديد من النجاحات في مجال ريادة الأعمال، لكن أحد أبرز النجاحات التي حققتها Rocket Internet كان إطلاق موقع Zalando في عام 2008.
فقد بدأ Zalando كموقع لبيع الأحذية عبر الإنترنت، مستنسخاً نموذج عمل Zappos، ولكن مع مرور الوقت، توسع ليشمل الملابس والإكسسوارات، وأصبح واحدًا من أكبر منصات التجارة الإلكترونية في أوروبا.
وفي عام 2014، طرحت Zalando أسهمها للاكتتاب العام في بورصة فرانكفورت، مما رفع من قيمة الشركة الأم Rocket Internet وأكد نجاح استراتيجيتها.
ومع ذلك، لم تكن مسيرة Rocket Internet خالية من التحديات، إذ كان النقد الرئيسي الموجه للشركة هو عدم التركيز على الابتكار، بل على استنساخ الأفكار الناجحة.
كما واجهت بعض شركاتها صعوبة في تحقيق الربحية المستدامة، نظراً للتكاليف العالية المرتبطة بالتوسع السريع والتسويق في دول معينة.
من رواد الأعمال إلى مؤثرين عالميين
اليوم، بعد النجاح الكبير الذي حققه الإخوة ساموير، أصبحوا من بين أبرز رواد الأعمال في العالم، بفضل أفكارهم التي لم تعتمد على الابتكار بقدر ما كانت توفر خدمات لن يتمكن الآخرين من الحصول عليها لولاهم.
إذ تُقدر ثروة الأخوة بمليارات الدولارات، وقد حققوا تأثيراً كبيراً في صناعة التكنولوجيا والاستثمار العالمي.
وشركة Rocket Internet نفسها أصبحت واحدة من أكبر حاضنات الشركات الناشئة، ولا تزال تواصل تطوير مشاريع جديدة في مختلف القطاعات مثل التجارة الإلكترونية، والتكنولوجيا المالية، والتوصيل السريع.
الإخوة ساموير أثبتوا أن النجاح في ريادة الأعمال لا يتطلب دائماً فكرة مبتكرة كلياً، بل يمكن تحقيقه من خلال استنساخ الأفكار الناجحة وتكييفها مع الأسواق المختلفة.
نموذجهم الاستراتيجي أصبح يُدرس في كليات الأعمال حول العالم، وأصبحت Rocket Internet مثالًا يُحتذى به لمن يرغب في دخول عالم الأعمال والتكنولوجيا.