إذا كان تلقي المجاملات يجعلك تشعر بعدم الراحة والحرج، فأنت لست وحدك. إذ يربط حوالي 70% من الناس مشاعر الإحراج والانزعاج بالثناء عليهم والمديح على أفعالهم أو سماتهم الشخصية.. ولكن لماذا نشعر بهذه الطريقة؟
أسباب الشعور بالانزعاج عند تلقي المجاملات
يبدأ الإحساس بالانزعاج من المجالات في نقطة بسيطة، ألا وهي الشعور بالمفاجأة. وتتمثل استجابات الجسم الفسيولوجية لحدث غير متوقع في الشعور بالشلل للحظات، ونحاول إيجاد تفسير لما يحدث، أو قد لا نصدق الأمر من الأساس.
ففي كثير من الأحيان، يكون من الصعب التوفيق بين آراء الآخرين الإيجابية تجاهنا وبين وجهات نظرنا السلبية تجاه أنفسنا. هذا التفاعل بين المفاجأة والصورة الذاتية يمكن أن يجعل من الصعب استيعاب الأشياء اللطيفة التي نسمعها عن أنفسنا.
وعلى حد تعبير عالم النفس الأمريكي جاي وينش: "الأشخاص الذين يعانون من تدني احترام الذات غالباً ما يشعرون بعدم الارتياح عند تلقي المجاملات، ولكن ليس كل من لا يشعر بالارتياح عند تلقي المجاملات يعاني بالضرورة من تدني احترام الذات"، إذ قد يكون سبب الضيق هو الميل إلى الكمالية، وعدم الاقتناع بالمديح مثلاً.
لذلك لا توجد إجابة واحدة بسيطة عن سبب استجابتنا للمديح بهذه الطريقة. ومع ذلك، في معظم الحالات، ما يجعلنا غير مرتاحين هو أن المجاملات تفاجئنا.
إذ إن الموقف غير المتوقع -سواء كان مجاملات لطيفة لم تكن مستعداً لتلقيها أو دباً تهجّم عليك أثناء المشي في حديقة- سيؤديان إلى نفس ردة الفعل المكونة من أربع مراحل، وهي:
- الشعور بالمفاجأة والشلل المؤقت.
- محاولة البحث عن تفسير.
- محاولة تغيير وجهة نظرنا.
وبالرغم من أنه غالباً ما تجلب المفاجآت الفرح والإثارة، لكن بالنسبة لبعض الأشخاص، حتى الأخبار السارة عاطفياً يمكن أن تكون مُربكة وقد يبدأ قلب الشخص بالتسارع، وقد تتوسع حدقة عينيه وقد تتعرق راحة اليد مع ارتفاع مستويات الدوبامين.
وبالتالي فإن هذه التجربة العاطفية المكثفة يمكن أن تشعرك بعدم الارتياح وزعزعة الاستقرار النفسي المعهود الذي تشعر به. ونتيجة لذلك، قد يرغب البعض منا في الهرب نفسياً من المجاملات والمديح وأي شيء قد يسبب هذه المشاعر الثقيلة، ومحاولة الشعور بالاستقرار والراحة مرة أخرى.
لذلك قد يكون تجاهل مدح الآخرين من خلال التفوّه سريعاً بإحدى الاستجابات الساخرة التي تنتقد أو تنفي المجاملة عن أنفسنا هو طريقتنا اللاواعية أحياناً لمحاولة استعادة السيطرة على ما يبدو وكأنه "موقف هش عاطفياً".
محاولة البحث عن إجابة مقنعة
بعد المفاجأة الأولية عند تلقي المجاملة، نبدأ في البحث عن الإجابات. أي قد نحاول أن نفهم "لماذا" قال شخص ما ما قاله لنا، وقد يكون من المربك التوفيق بين وجهة النظر الإيجابية لشخص آخر، مع وجهة نظرنا (السلبية) لأنفسنا.
ووفقاً لخبراء في علم النفس، يُسمى هذا السلوك بالتحيُّز التأكيدي: الميل للبحث عن المعلومات التي تؤكد وجهات نظرنا وتجاهل وجهات النظر التي تتحدى تلك الآراء؛ لذا، عندما يهنئك شخص ما على فعل رائع تعتقد أنك لم تؤده على أكمل وجه مثلاً، فقد يكون الأمر مزعجاً ومثيراً للأعصاب.
ويمكن للتفاعل الشخصي بين الإحساس بالمفاجأة والصورة الذاتية عن النفس أن يجعلا من الصعب استيعاب الأشياء اللطيفة التي نسمعها عن أنفسنا. وبالتالي هذا يعني أن الكثير منا يستجيب بشكل محرج وغير مرتاح للمجاملات كسلوك غير واعٍ من أجل الحماية الذاتية. ولسوء الحظ، فإن هذه الحماية الذاتية اللاواعية غالباً ما تحرمنا من التواصل البشري، ويمنعنا من قبول الكلمات الرقيقة والامتنان للآخرين ومن الآخرين حيال أفعالنا الجيدة وسماتنا الشخصية الحميدة.
فكيف إذن نقبل المجاملة؟
لكي تتقبل المجاملة، عليك أن تدع الناس يحبونك أو يظهرون أنهم يقدرونك أو يهتمون بك. ويمكن لك القيام بهذه العملية من خلال اتباع الخطوات التالية:
1. احترم الشخص الذي يمدحك: استوعب في قرارة نفسك أن الأشخاص يخاطرون بقول ما يقدرونه فيك، ويكشفون أنفسهم من خلال قول شيء رأوه فيك أثار إعجابهم بك. لذا تواصل مع الشعور بالامتنان والاحترام وعبر لهم عن ذلك عندما تسمع المجاملة أو المديح.
2- اقبل المجاملة: قل ببساطة عبارات شكر وتقبل بسيطة لاستيعاب المديح الذي تلقيته من الشخص الآخر، مثل: "شكراً لك"، أو "أنا ممتن"، أو "أشعر بالتواضع"، أو "يسعدني أنك ترى ذلك".
3- المديح المتبادل: قد ترغب في الاعتراف بالتقدير للشخص الذي وجه لك مديحاً أو مجاملة، وذلك من خلال قول شيء ما لمدحه، مثل: "شكراً لك، هذا يعني الكثير بالنسبة لي"، أو "شكراً لك، هذا لطف منك" أو "هذا من ذوقك".
وختاماً، تذكر أنه ما عليك سوى الاعتراف بما قالوه وإظهار أنك تلقيته بامتنان، بنفس الطريقة التي كنت ستبدو عليها لو أنهم قدموا لك هدية مثلاً. وإن أبسط طريقة للقيام بذلك هي أن تقول "شكراً"، وشيئاً فشيئاً ستشعر بالاطمئنان والامتنان عند تلقي المديح، عوضاً عن الشعور بالغرابة والحرج.
قد يهمك أيضاً: الذاكرة الانفعالية.. لماذا تظل الأحداث المؤلمة خالدة بوضوح في الذاكرة دون غيرها؟