في سابقة تاريخية دخلت السنغال في مأزق حول من تكون السيدة الأولى للبلاد؛ نظراً لكون الرئيس الجديد لديه زوجتان. باصيرو ديوماي فاي، البالغ من العمر 44 عاماً، يعتبر الأول في تاريخ السنغال الذي يدخل القصر الرئاسي بزوجتين، إذ تنتشر ظاهرة التعدد في السنغال والتي يعتبر البعض أنها تعطي للرجل مكانة اجتماعية.
على موقع "إكس" أشعلت العديد من التساؤلات الرأي العام السنغالي حول من هي السيدة الأولى، إذ قالت سيندي كراني عبر حسابها على منصة "إكس": "لقد تم تحطيم الرقم القياسي لرئيس السنغال المنتخب الذي لديه زوجتان.. السؤال هو: من ستكون السيدة الأولى؟".
فيما علق الدكتور بينكينج: "نجاح مزدوج.. رئيس السنغال المنتخب مع زوجتيه الجميلتين. يا شباب تعدد الزوجات هو المفتاح. وراء كل رجل ناجح، هناك امرأة. الآن تخيلوا زوجتين!".
باصيرو ديوماي فاي من السجن إلى الرئاسة
في تطور مثير للأحداث السياسية بالسنغال، تمت إعادة دفع السياسي البارز فاي إلى واجهة المشهد السياسي، وذلك بعد أسبوع من خروجه من السجن برفقة معلمه الجدلي، عثمان سونكو. سونكو، الذي تعرض للإقصاء من السباق الانتخابي بعد إدانته بتهمة التشهير، فقد شكل قوة دافعة لفاي في الحياة السياسية.
فاي، الذي يبلغ من العمر 44 عاماً، اضطر للترشح كمستقل بعد حل حزبه "وطنيو السنغال" (باستيف) في يوليو/تموز 2023، عقب اتهامات بإثارة الاضطرابات. حزب PASTEF، الذي تأسس على يد سونكو في عام 2014، قدم دعمه الكامل لفاي.
قبل نجاحه في الانتخابات واصل الجناح الشعبوي، بقيادة سونكو وفاي، تنظيم احتجاجات ضد الرئيس ماكي سال، متهمين إياه بالفساد وعدم الكفاءة في التعامل مع الفقر المستشري في البلاد. تمديد سال لموعد الانتخابات، الذي كان مقرراً في فبراير/شباط 2024، أثار جولة جديدة من الأزمة السياسية، استمرت حتى تدخُّل المحكمة الدستورية لإجراء الانتخابات.
ولد باسيرو ديوماي دياخار فاي عام 1980 في ندياجانياو في مقاطعة مبور، وهو ينحدر من عائلة متواضعة. وبعد حصوله على البكالوريا عام 2000 في مدرسة ليسيه ديمبا ديوب في مبور، التحق باصيرو ديوماي فاي بكلية الحقوق بجامعة الشيخ أنتا ديوب في داكار، حيث حصل على درجة الماجستير في القانون.
وبعد ثلاثة أشهر من حصوله على درجة الماجستير، عام 2004، تم قبول باصيرو ديوماي فاي في المدرسة الوطنية للإدارة (ENA) وتخرج بعد ثلاث سنوات، في عام 2007، والتحق بالمديرية العامة للضرائب وأملاك الدولة.
والتقى هناك بعثمان سونكو الذي سبقه ببضع سنوات في هذه الهيئة المرموقة للإدارة السنغالية. ونشأت علاقة بين سونكو وديوماي تكاد تكون وثيقة، فهما شقيقان لا ينفصلان.
سبب دخول فاي إلى السجن؟
تم إطلاق سراح السياسي فاي ومعلمه عثمان سونكو في 14 مارس/آذار 2024، قبل أيام قليلة من موعد الانتخابات، عقب توجيه اتهامات جدية لكليهما. فاي، الذي أُلقي القبض عليه في أبريل/نيسان 2023 بتهم تشمل نشر أخبار كاذبة، وازدراء المحكمة، والتشهير بمؤسسة، واجه فترة من التوتر الشديد قبل إطلاق سراحه.
عثمان سونكو، الذي تم اعتقاله في يوليو/تموز 2023، وُجهت إليه تهم خطيرة تتضمن التحريض على التمرد، والتآمر مع جماعات وُصفت بـ"الإرهابية"، وتعريض أمن الدولة للخطر، وتصرفات غير أخلاقية تجاه قاصرين دون سن 21 عاماً.
قرار إطلاق سراحهما جاء بعد إقرار قانون العفو في وقت سابق من الشهر، في خطوة اعتبرها الكثيرون محاولة لتهدئة التوترات السياسية المتصاعدة قبيل الانتخابات. هذا الإفراج المبكر وغير المتوقع يشير إلى تحول محتمل في الديناميكيات السياسية السنغالية، ويطرح تساؤلات حول مستقبل الحراك السياسي والاحتجاجات في البلاد.
من هي السيدة الأولى؟
حسب الناشطة الاجتماعية السنغالية، ناتالي يامب، فإن مفهوم "السيدة الأولى" يفتقر إلى الأساس الدستوري أو القانوني في السنغال وغيرها من دول العالم. وتؤكد أن هذا اللقب لا يعكس وضعاً رسمياً، مشيرة إلى أن جميع النساء في مثل هذه المواقع هن مواطنات عاديات بموجب القانون.
كما لفتت الناشطة السنغالية النظر إلى أن الولايات المتحدة وبعض النظم الملكية فقط هي التي تنص على وضع السيدة الأولى أو ما يعادله في التشريعات الرسمية.
وتطرقت أيضاً إلى مسألة تعدد الزوجات بين رؤساء الدول، مشيرة إلى أسماء مثل باسيرو، وبارو، وزوما، الذين اتخذوا أكثر من زوجة رسمياً. وأكدت أن هذا الوضع لم يخلق أي تعقيدات بروتوكولية، حيث تُعتبر الزوجة التي ترافق الرئيس في المناسبات الرسمية بمثابة "السيدة الأولى"، وإن كان برفقة زوجاته جميعاً، يتم الإشارة إليهن بـ"السيدات الأوائل".
يؤيد إدريس آيات، الباحث في العلوم السياسية، الرؤية القائلة بأن لقب "السيدة الأولى" لا يستند إلى أي دور رسمي أو مخصصات مالية بموجب القانون. إذ أشار آيات إلى أن الوظائف التي قد تتولاها زوجة الرئيس، كإدارة جمعيات خيرية أو مؤسسات، لا تبرر الحصول على معاملة مالية خاصة، بل يتم تقديرها كأي موظفة أخرى في الخدمة الوطنية.
آيات يلفت النظر كذلك إلى التقاليد الإفريقية العريقة التي كانت تمنح الزوجة الأولى مكانة مميزة ضمن الإمبراطوريات، معتبراً إياها أماً للرعية والأمة بأسرها. هذه المكانة، وفقاً له، كانت تمتد لتشمل جميع نساء الإمبراطورية على قدم المساواة.
مع ذلك، يؤكد على أن زوجتي الرئيس هما مواطنتان عاديتان يساهمان في دعم زوجهما بمسؤولياته، تماماً كما يفعل أي زوجين في البلاد. آيات يعتبر أن ثقافة التعدد في أفريقيا، التي هي أقدم من الديانات ومستقلة عنها، لم تخلق مشاكل بروتوكولية، حتى بين الرؤساء الذين اتخذوا أكثر من زوجة رسمياً.
تعدد الزوجات في القارة السمراء
تعدد الزوجات، الظاهرة الاجتماعية التي تسود بشكل خاص في القارة الأفريقية، تُظهر تنوعاً ثقافياً وتاريخياً عميقاً يمتد عبر القارات والعصور. يعزو بعض العلماء الأسباب وراء انتشار هذه الظاهرة في أفريقيا، بشكل جزئي، إلى تأثيرات تجارة الرقيق التي أثرت بشكل مباشر على التوازن الديموغرافي بين الجنسين، ما ساهم في ترسيخ تعدد الزوجات كنمط اجتماعي مقبول ومستدام في المناطق الأفريقية.
يلاحظ أنه في المناطق الريفية، حيث يشهد تعدد الزوجات ازدهاراً، يتأخر متوسط عمر الزواج الأول للشباب، ما يسلط الضوء على الارتباط الوثيق بين هذه الظاهرة وأنماط الحياة المجتمعية، بما في ذلك الغيرونتوقراطية، أو سيطرة الشيوخ، وزيادة الطبقية الاجتماعية.
حزام تعدد الزوجات الأفريقي، الممتد من السنغال غرباً إلى تنزانيا شرقاً، يشهد نسباً عالية من النساء في زيجات متعددة، تقدر بثلث إلى نصف النساء في هذه المنطقة. تعد غرب أفريقيا خصوصاً من أبرز معاقل تعدد الزوجات.
تاريخياً، لم تقتصر ممارسة تعدد الزوجات على أفريقيا وحدها، بل كانت مقبولة في عدة ثقافات عالمية، بما في ذلك المجتمع العبري القديم، والصين القديمة، وثقافات الهنود الحمر، والبولنيزيين، وكذلك في شبه القارة الهندية واليونان القديمة. حتى الإمبراطورية الرومانية والكنيسة الكاثوليكية الرومانية شهدتا تقبلاً لهذه الظاهرة في أزمنة معينة.
في العصر الحديث، تُمارس ثقافة تعدد الزوجات في بعض أجزاء أمريكا الشمالية أيضاً، خاصة بين بعض فئات المورمونيين، مثل كنيسة يسوع المسيح الأصولية لقديسي اليوم الحاضر، ما يدل على استمرارية وتعقيد هذه الظاهرة الاجتماعية والثقافية عبر الزمان والمكان.