رقد جيفري كيفر على طاولة العمليات داخل أقدم مستشفى في الولايات المتحدة، محاطاً بفريقٍ جراحي، ومجموعة من المهندسين، وجمعٍ من المتفرجين الذين يأملون في مشاهدة المراحل المبكرة من ثورة في مجال الرعاية الصحية، باستخدام "واجهة الدماغ الحاسوبية"، وفق ما ذكرته صحيفة Wall Street Journal الأمريكية، الجمعة 22 مارس/آذار 2024.
إذ كان كيفر يخضع لجراحة دماغية من أجل تخفيف أعراض مرض باركنسون، لكنه وافق على زراعة جهاز تجريبي يُدعى "واجهة الدماغ الحاسوبية" بدماغه بشكلٍ مؤقت، خاصة أن جمجمته كانت ستظل مفتوحةً لأربع ساعات تقريباً على كل حال.
ظل الجهاز الذي طورته شركة Precision Neuroscience مستقراً على سطح دماغ كيفر لمدة 25 دقيقة حتى يقرأ أفكاره. وخلال تلك الفترة أدى كيفر سلسلة من التدريبات بيديه، بينما عكف المهندسون على مطابقة إشارات دماغه مع حركاته.
كان الهدف هو تدريب جهاز سيمنح المرضى المصابين بالشلل القدرة على تشغيل الحاسوب بأفكارهم. وأوضح الدكتور بنجامين رابوبورت، كبير العلماء والشريك المؤسس في Precision، أن الحاجة لهذا الجهاز مهولة.
تجربة زراعة "واجهة الدماغ الحاسوبية"
في يوم الجراحة وصل كيفر إلى مستشفى بنسلفانيا في فيلادلفيا الساعة الثامنة صباحاً تقريباً، من أجل الاستعداد للجراحة. ولم يكن قد تناول أدوية باركنسون في ذلك الصباح بناءً على طلب الأطباء، وتسبب هذا في جعل ذراعه اليمنى تهتز باستمرار وكأنه يلف مقبض باب لا يُفتح.
في مرحلة ما قبل الجراحة أعطاه المهندسون زوجاً من القفازات السوداء والزرقاء المجهزة بمستشعرات. ولمعايرة أجهزة الاستشعار أمره الفريق أن يضم قبضته ثم يلفها، ويفتح أصابعه ويغلقها، ثم يحرك أصابعه في الهواء، ويدلك راحة يده بإبهامه، ثم يرفع يده مفرودة في الهواء ويصنع علامة النصر.
عند الظهيرة تقريباً نُقل كيفر إلى غرفة العمليات، وهناك شرع جراح الأعصاب إيان كاجيغاس في تقشير جزء من فروة رأسه، ثم صنع ثقبين بحجم عملة الـ10 سنتات على كل جانب من جمجمته، وسمحت الفتحتان لكاجيغاس بعلاج مرض باركينسون، الذي يعاني منه كيفر، باستخدام التحفيز العميق للدماغ.
لكن قبل بدء العلاج مرر الجراح واجهة الدماغ الحاسوبية إلى سطح دماغ كيفر، وجرى إيقاظ كيفر من التخدير الخفيف لبدء الدراسة، وسرعان ما بدأ في تأدية الإيماءات الثلاث التي سبقت معايرتها: حجر وورقة ومقص، وفق ما وثقه الأطباء في مقطع فيديو للعملية.
ظهرت صور الإيماءات بترتيب عشوائي على شاشة الحاسوب الموضوعة أمامه، وكلما نجح في مطابقة الصورة مع حركة يده اليسرى، كانت كلمة "ناجح" تومض بحروف كبيرة على الشاشة، وبعدها طُلِبَ من كيفر أن يتصور تأدية الإيماءات التي تظهر على الشاشة، لكن دون تحرك يده التي ترتدي القفاز.
على مقربة منه بدأ زوج من أجهزة الحاسوب في تسجيل إشارات دماغه، وظهرت أفكاره في شكل موجةٍ من الألوان فوق شبكة من النقاط، في دلالة بصرية على أن الأقطاب الكهربائية تلتقط نشاط دماغ كيفر في الوقت الفعلي.
قال رابوبورت: "هذا هو المنتج، وهذا هو الغرض، أردنا إثبات أننا نستطيع معرفة ما يحاول الدماغ قوله حين تكون لدينا أفكار بلا حركة".
كيف يعمل الجهاز؟
تحمل واجهة الدماغ الحاسوبية التي جرت زراعتها على دماغ كيفر اسم "الطبقة السابعة- واجهة القشرة المخية" من شركة Precision Neuroscience.
يبلغ طول الغرسة الدماغية المرنة نحو 12.7 سم، مع عرض يبلغ 1.27 سم، وبسمك أنحف من شعرة الإنسان. ويتوافق الجزء الخارجي منها، المصنوع من البوليمر الأصفر المرن مع سطح الدماغ، كما تحتوي على 1,024 قطباً كهربائياً في أحد الطرفين ومُوصِّلاً في الطرف الآخر.
عند زراعة واجهة الدماغ الحاسوبية خلال جراحة متخصصة في المستقبل، سيجري وضع الأقطاب الكهربائية على الدماغ عبر شق كبير بما يكفي لتمرير الغرسة فقط، وسيستقر الجهاز بين فروة الرأس وبين الجمجمة، مع سلكٍ يمر تحت الجلد وأسفل العنق، وصولاً إلى هوائي وبطارية مدمجة على الصدر.
بينما ستتصل الرقائق الحاسوبية في الغرسة بتطبيق ذكاء اصطناعي لاسلكي، من أجل ترجمة إشارات الدماغ التي التقطتها الأقطاب الكهربائية وتحويلها إلى رموز حاسوبية، ما سيساعد في النهاية على تحريك فأرة أو كتابة كلمات أو تأدية غيرها من المهام الرقمية. وأوضح رابوبورت: "هذا مذهل بالنسبة لي، ويكاد يشبه الخيال العلمي".