رجّحت صحيفة "نيويورك بوست" أنّه من المتوقّع ارتفاع أسعار الشوكولاتة في الفترة المقبلة في جميع أنحاء العالم؛ بسبب تقليل وتيرة الإنتاج وإيقاف عمليّات التصنيع في مصانع الكاكاو الأفريقية الكبرى في ساحل العاج وغانا اللذين يعتبران أكبر منتجين للكاكاو في العالم، حيث تصل حصتهما إلى ما يقرب من نصف إنتاج الكاكاو العالمي، وذلك بعد عجز المصانع عن شراء حبوب الكاكاو الخام.
أسعار الشوكولاتة تشهد ارتفاعاً قياسياً
ويشهد العالم ارتفاعاً قياسيّاً في أسعار الكاكاو بنسبة 200% على أساس سنوي؛ حيث ارتفع سعر الطن إلى 7375 دولاراً مقابل 2490 دولاراً قبل عام بارتفاع بلغ 196% بحسب المصدر نفسه.
وكانت المصانع قد زادت بالفعل أسعار البيع للمستهلكين، لا سيما بعد ضعف المحصول 3 سنوات متوالية، ومن المتوقع أن يستمر هذا الضعف موسماً رابعاً في ساحل العاج وغانا اللتين تنتجان ما يقرب من 60 % من إجمالي إنتاج الكاكاو في العالم.
كما ارتفعت الأسعار بأكثر من الضعف خلال العام الماضي، وبلغت بذلك أعلى مستوى لها على الإطلاق.
وقال الخبير العالمي والمسؤول في شركة "تروبيكال" Tropical الأمريكية لأبحاث السوق، ستيف ووتردج، إنه ينبغي التركيز على تخفيض الطلب المتزايد على الكاكاو "لموازنة التخفيض الحادث في المعروض".
ويُشار إلى أن صانعي الشوكولاتة لا يمكنهم استخدام الكاكاو الخام مباشرة ، بل يتطلب ذلك معالجة الحبوب أولاً لتحويلها إلى زبدة أو سوائل قبل تحويلها إلى شوكولاتة جاهزة، ولكن مع ارتفاع أسعار حبوب الكاكاو، يواجه المصنعون صعوبات في شراء الكميات الكافية لإنتاجها .
أكبر شركة مُنتجة للمسحوق تتوقّف عن شراء الحبوب
وأعلنت شركة "ترانسكاو"، التابعة للدولة في ساحل العاج، التي تمتلك واحداً من أكبر المصانع التسعة الرئيسية لمعالجة الكاكاو في البلاد، توقّفها عن شراء حبوب الكاكاو بسبب ارتفاع أسعارها، كما أفادت بأنها لم تنقطع عن الإنتاج باستخدام مخزونها الحالي. ومع ذلك، لم توضح الشركة إلى أي مدى انخفضت وتيرة العمل في مصنعها. ووفقاً لمصادر مطلعة، يُفترض أن المصنع يكاد يكون متوقفاً عن العمل في الوقت الحالي.
وأشارت الصحيفة إلى أنه من المتوقع أن تتبع شركات مصنعة كبيرة مثل "ترانسكاو"، التي تديرها دولة ساحل العاج، خطوات مماثلة قريباً وتقف أمام تهديد الإغلاق.
كما أكّدت "نيويورك بوست" أنّ شركة الأغذية العالمية "كارجيل"، ذات الأصول الأمريكية، واجهت صعوبات في تأمين الحبوب لمصنعها الرئيسي في ساحل العاج، وقامت بتعليق العمليات لمدة تناهز أسبوعاً خلال الشهر الماضي.
وأكد مصدّران آخران في غانا، أن معظم مصانعهم الثمانية ، بما في ذلك الشركات التي تملكها الدولة، قد أوقفت العمل أكثر من مرة ولعدة أسابيع منذ بداية الموسم في أكتوبر/تشرين الأول.
وأعلنت شركة CPC في غانا أنها تعمل بحوالي 20% فقط من طاقتها بسبب نقص الحبوب .
ارتفاع الأسعار يعرقل آلية التجارة العالمية
وتُشير التقارير إلى تسبّب ارتفاع الأسعار إلى عرقلة آلية راسخة لتجارته عالمياً، تقوم على بيع المزارعين محاصيلهم من الحبوب إلى التجار المحليين، فيبيعها التجار إلى مصانع المعالجة أو موردين عالميين، ثم تتولى الشركات والمورّدون بيع الحبوب بعد معالجتها -بالزبدة والمسحوق السائل- إلى عمالقة صناعة الشوكولاتة في العالم، مثل "نستله" السويسرية، و"هيرشي" و"موندليز" الأمريكيتين.
وكان من المعتاد أن تكون السوق تابعة لقواعد تنظيمية صارمة، حيث يشتري تجار التوريد والمصنعون الحبوب من التجار المحليين مقدماً بأسعار متفق عليها قبل إنتاج المحصول بعامٍ تقريباً. وبعد حصاد المحصول، تحدد الهيئات التنظيمية المحلية أسعاراً أقل عند باب المزارع يمكن للمزارعين فرضها مقابل الحبوب.
لكن بسبب ضعف المحصول وانخفاض إنتاجه، يضطر التجار المحليون إلى دفع مبالغ أعلى من السعر المتفق عليه عادةً للحصول على الحبوب من المزرعة، وهذه الحبوب يتم بيعها في سوق المستهلك بأسعار مرتفعة بدلاً من تسليمها بالأسعار المتفق عليها.
ونتيجة لذلك، يضطر تجار التوريد العالميين إلى شراء الحبوب بأي ثمن لتنفيذ عقودهم مع الشركات ، في حين تجد شركات التصنيع المحلية صعوبة في المنافسة بالأسعار المرتفعة، مما يؤدي إلى نقص في إمداداتها بالحبوب.
وفي هذا العام، تفاقمت الأزمة بحيث أصبح من الصعب على مصانع المعالجة الحصول على الحبوب التي تعاقدت عليها مسبقاً، وفي الوقت نفسه لا يمكنها شراء الحبوب بأسعار السوق الفورية المرتفعة.
وتوقعت المنظمة الدولية أن ينخفض إنتاج الكاكاو العالمي بنسبة 10.9 %، ليصل إلى 4.45 مليون طن متري هذا الموسم، وأن تنخفض عمليات الطحن -مقياس للطلب- بنسبة 4.8 %، لتصل إلى 4.78 مليون طن متري.
وفي هذا السياق، زادت الشركات من أسعار منتجاتها بالفعل. وكشفت بيانات صادرة عن شركة "سيركانا" Circana الأمريكية لأبحاث السوق، أن متاجر البيع بالتجزئة في الولايات المتحدة رفعت أسعار الشوكولاتة العام الماضي بنسبة 11.6 % عما كانت عليه في عام 2022.
لا حبوب كاكاو ولا زبدة
وأشارت المنظمة الدولية إلى أن انخفاض الإنتاج يعزى إلى تحديات تواجه مصانع المعالجة في شراء الحبوب، وانخفاض الكميات المتوفرة من زبدة الكاكاو وارتفاع أسعارها، مما ينعكس سلباً على صانعي الشوكلاتة ويُتوقع أن يترتب على ذلك ارتفاع الأسعار على المستهلكين وتتوقع المنظمة تراجع المخزونات العالمية إلى أدنى مستوياتها منذ 45 عاماً بحلول نهاية الموسم.
وفي سياق متصل، أكد ستيف ووتردج، المسؤول في شركة "تروبيكال" لأبحاث السوق، أن سوق الكاكاو قد تشهد عجزاً آخر في الموسم المقبل بسبب تفاقم إصابة محاصيل الكاكاو بالآفات في غرب أفريقيا. وتشير بيانات المنظمة إلى أن السوق الدولية لم تشهد عجزاً في 4 سنوات متتالية منذ أواخر ستينيات القرن الماضي.