المجاعة تلوح في الأفق بقطاع غزة، حيث إن أكثر من مليونين و300 ألف فلسطيني يعيشون في قطاع غزة يتضورون جوعاً، وقد يعلن عن استشهاد الآلاف منهم بعد ساعات إذا استمرت إسرائيل في سياسة التجويع التي تمارسها ضد قطاع غزة فماذا يقول القانون الدولي الإنساني عن جريمة التجويع المنتهجة من قبل إسرائيل؟
فمنذ اليوم الأول لحرب الإبادة التي تشنها تل أبيب على الفلسطينيين في القطاع، فرضت إسرائيل سياسة تجويع قاسية على غزة، وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، حينها، إنه أصدر أمراً بفرض حصار كامل على غزة، وقال غالانت: "لقد أعطيت أمراً: غزة ستكون تحت حصار تام، لا كهرباء، لا طعام، لا وقود، كل شيء مغلق".
طيلة أيام الحرب قطعت إسرائيل الكهرباء والماء، ومنعت دخول جميع الشاحنات التي تحمل مواد غذائية إلى أهالي القطاع، وسمحت بأقل من 9 شاحنات مساعدات منذ الأسبوع الأوّل من فبراير/ شباط.
وأمام مرأى الجميع وتصوير الكاميرات، يراقب العالم كيف ترتكب إسرائيل الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني من خلال سياسة التجويع، ولا أحد حتى اللحظة استطاع فعل شيءٍ لتجنب مأساة المجاعة في غزة وهو ما يخالف نصوص القانون الدولي، فماذا يقول القانون الدولي الإنساني عن جريمة التجويع؟
كيف تعاقب إسرائيل الفلسطينيين بسياسة التجويع؟
كما سبق ذكره، فقد كان واضحاً انتهاج إسرائيل لسياسة تجويعٍ قاسيةٍ في حربها ضد غزة من أجل تهجير الفلسطينيين من أراضيهم،
فقام جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ اليوم الأوّل للحرب باستهداف المخابز والمطاعم و الآبار والبنى التحتية والمصانع التي توفر الغذاء للفلسطينيين، إضافة إلى منعه دخول أي مساعداتٍ غذائية وإنسانية لفترة طويلة، و استهدافه بالقصف هذه القوافل عند دخولها للقطاع، كما قتل مئات الفلسطينيين عند نقاط تسليم المساعدات الغذائية.
وأمام الممارسات الإسرائيلية من أجل إحداث المجاعة في غزة، قاوم الفلسطينيون سياسة التجويع الإسرائيلية من خلال العودة إلى الحياة البدائية، خصوصاً في مواجهة نقص الوقود، حيث انتشرت كثير من المقاطع تبين كيف أصبح سكان القطاع يتدبرون أمرهم في صناعة الخبز بانتشار طرق بديلة لمواجهة متطلبات الحياة.
كما استخدم الفلسطينيون أفران الطين أو أشعلوا الحطب، الكرتون، الأوراق أو أحرقوا الملابس من اجل الطهي والحصول على الدفئ، كما صارت أعلاف الحيوانات بديلاً للطحين والدقيق.
لكنّ سياسة التجويع المنتهجة من قبل إسرائيل، جعل خطر المجاعة يقترب من أي وقت مضى، فقد أضحى كثير من المواد الغذائية غير متوفر في شمال قطاع غزة، كما بلغ سعر كيس الطحين في غزة من 100 دولار إلى 1000 دولار.
كما ضاعفت أزمة المياه الصالحة للشرب من الكارثة، إذ اضطر سكان القطاع لشرب المياه المالحة، مما يعرض لخطر تلف الكلى، والجفاف. ولم تعد محطة التحلية الكبرى تعمل نتيجة نفاد الوقود والقصف المتواصل.
كما تم استهداف خزان المياه الرئيسي في منطقة تل الزعتر شمالي قطاع غزة، وقصف مضخات المياه، مما أدى إلى تدفق المياه في الشوارع وإغراق منازل المواطنين.
ماذا يقول القانون الدولي الإنساني عن جريمة التجويع؟
لا تأبه إسرائيل منذ بدء عدوانها الحالي على قطاع غزة بأي من مواد اتفاقية جنيف الرابعة، والقانون الدولي الإنساني الذي يلزم الدول بمجموعة من السلوكيات والالتزامات خلال الحروب والصراعات، وأهمها أنه يحظر اتخاذ التجويع أسلوباً من أساليب القتال، أو إتلاف الأشياء الضرورية التي لا غنى للسكان عنها.
إذ تنص المادة 2 من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية على أن إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً، ينطبق عليه مفهوم الإبادة الجماعية.
وتنص المادة 55 و59 على ضرورة تموين السكان بالمؤن الغذائية وأن لا تحول الدول دون وصول الإمدادات الغذائية، والسماح لعمليات الإغاثة لمصلحة السكان.
وأشار نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والقاعدة 156 من القانون الدولي الإنساني العرفي إلى أن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني تشكل جرائم حرب. ويقع ضمنها استخدام تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، بحرمانهم من أشياء لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك إعاقة تزويدهم بالمؤن الإغاثية.
دول طبّقت سياسة التجويع ضد المدنيين في حروبها؟
تاريخ الحروب مليء بأمثلة على الخطط العسكرية المستخدمة التي استهدفت عمدًا تجويع جيوش العدو أو السكان المدنيين، فمثلا خلال الحرب الأهلية في الولايات المتحدة، اعتمد جنود الاتحاد تجويع المتحاربين المعادين المسلحين أو غير المسلحين.
كما وضعت ألمانيا النازية بقيادة هتلر ما اصطلح عليه بـ"خطة الجوع" خلال الحرب العالمية الثانية، وهي الخطة التي استهدفت تشكيل مجاعة تؤدي إلى مقتل نحو 20 مليون شخص أو أكثر في الأراضي التي يسيطر عليها الاتحاد السوفياتي، لكنها فشلت. ومع ذلك فقد قتلت مئات الآلاف جوعا أثناء الحصار الألماني لمدينة لينينغراد السوفيتية بين عامي 1941-1944، والذي يشبه كثيراً ما تفعله إسرائيل بقطاع غزة حالياً.
ومن الأمثلة الشهيرة على تطبيق المجاعة كعقاب، ما حدث في الثورة الفرنسية عام 1789،التي غذتها إلى حد كبير ضعف محاصيل الحبوب والضغوط الاقتصادية التي أدت إلى زيادات حادة في أسعار الخبز.