شكَّل تصاعد عنف المستوطنين في الضفة الغربية منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، صدمةً للدول الغربية وبالخصوص الولايات المتحدة الأمريكية التي وجدت نفسها محرجةً أمام العالم بسبب ارتفاع عدد الضحايا الفلسطينيين الذي وصل حتى الآن إلى نحو 500 شهيد، 8 منهم على الأقل قُتلوا على يد المستوطنين الإسرائيليين.
ووسط قلق وضغطٍ كبيرين عبَّر عنه عددٌ من المشرعين الديمقراطيين من انتهاك إدارة الرئيس جو بايدن لـ"قانون ليهي"، الذي ينص على حظر توريد الأسلحة للجهات الأمنية، التي تخالف المعايير الأمريكية للحفاظ على حقوق الإنسان، طالبت الحكومة الأمريكية، مطلع هذا الأسبوع، السلطات الإسرائيلية بتقديم توضيحات عاجلة، حول انتهاكات ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق فلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.
ورغم ما يمثله "قانون ليهي" من مدخل لزيادة الضغط وحظر السلاح عن إسرائيل لإجبارها على وقف حربها ضد الفلسطينيين، فإن تل أبيب كانت فوق جميع القوانين والأعراف التي تحظر تقديم المساعدات العسكرية الأمريكية، سواء أكانت إدارة البيت الأبيض بيد الديمقراطيين أم الجمهوريين، فما هو هذا القانون؟
ما قانون ليهي؟
وفقاً للموقع الرسمي للحكومة الأمريكية، يشير مصطلح "قانون ليهي (Leahy Law)" إلى حُكمين قانونيين أقرهما الكونغرس في عام 1997، ويحظر القانونان على الحكومة الأمريكية تقديم مساعدات لقوات أو وحدات أمن أجنبية، في حال وجود معلومات موثوقة تشير إلى تورط تلك الوحدات في ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، هذا القانون أصبح دائماً في المادة الـ362 من الباب الـ10 من قانون الولايات المتحدة.
ويرجع اسم القانون إلى السيناتور الراحل من ولاية فيرمونت، باتريك ليهي، ويتطلب تنفيذه من وزارتي الخارجية والدفاع وقف نقل المساعدات العسكرية الأمريكية إلى "أي وحدة من قوات الأمن في دولة أجنبية، إذا كان لدى وزير الخارجية معلومات موثوقة بأنها ارتكبت انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان".
ويسمح القانون باستثناءين لهذا الحظر، الأول في الحالات التي يقرر فيها وزير الدفاع (بعد التشاور مع وزير الخارجية) أن حكومة ذلك البلد قد اتخذت جميع الخطوات التصحيحية اللازمة، أمّا الاستثناء الثاني، فهو إذا كانت المعدات الأمريكية أو المساعدات الأخرى ضرورية للمساعدة في عمليات الإغاثة في حالات الكوارث أو حالات الطوارئ الإنسانية أو الأمنية الوطنية الأخرى.
كيف يعمل "قانون ليهي"؟
بموجب القانون، تقوم الولايات المتحدة بفحص الوحدة العسكرية الأجنبية (في كل بلد تقريباً) التي وقع عليها الاختيار لتلقي المساعدة الأمريكية، وتقود السفارة الأمريكية في ذلك البلد تحقيقاً. بعدها، تتم مراجعة المعلومات التي تصدرها السفارة -إلى جانب مواد مصادر أخرى- من قبل المحللين في وزارة الخارجية.
يبحث هؤلاء المحللون عن أدلة "موثوقة" عما إذا كانت الوحدة قد ارتكبت انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان، والذي يتم تعريفه للمناسبة عادةً على أنه: تعذيب، أو قتل خارج نطاق القضاء، أو اختفاء قسري أو اغتصاب، ويمكن تفسيره أيضاً على نطاق أوسع.
أكثر من ذلك، يمكن أن تأتي هذه المعلومات من مجموعة متنوعة من المصادر الموثوقة، من ضمنها تقارير وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية. ووفقاً للقانون، من الأفضل أن يتم تأكيدها من خلال مصادر متعددة.
وبناءً عليه، إذا ثبت هذا الدليل، فيجب على الولايات المتحدة قطع المساعدات عن تلك الوحدة بحسب قانون ليهي، لكن من الممكن إعادتها لاحقاً إذا قررت وزارة الخارجية أن تتخذ البلاد خطوات فعالة لتقديم الأعضاء المسؤولين إلى العدالة.
وتبعاً لذلك، قال تيم ريزر، أحد كبار مستشاري السيناتور السابق باتريك ليهي (ديمقراطي من ولاية فرجينيا)، والذي يعتبر مهندساً رئيسياً للقانون: "إن القانون مصمم لمعالجة مشكلة الإفلات من العقاب وبناء قوات أمنية أكثر عرضة للمساءلة".
لماذا "قانون ليهي" مهم رغم عدم فعاليته ضد إسرائيل؟
في حالة إسرائيل، فإن أي مزاعم بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تطال الوحدات الإسرائيلية تعرض أمام منتدى تدقيق يضم ممثلين من مختلف مكاتب وزارة الخارجية الأمريكية التي تتعامل مع حقوق الإنسان والمصالح الأمنية والقضايا القانونية، إضافة إلى متخصصين إقليميين في مكتب شؤون الشرق الأدنى التابع للوكالة والسفارة الأمريكية في القدس.
الغريب أن هذا المنتدى لا يمكنه الفصل في حدوث انتهاك جسيم لحقوق الإنسان إلا إذا توصل إلى توافق في الآراء، وهو ما لا يحدث في الغالب، لذلك تتوقف أي عمليات تحقيق ضد الوحدات الإسرائيلية.
لذا فإن فعالية القانون مع تل أبيب غير مجدية، حتى مع الوضع الحالي الذي تتضح فيه انتهاكات الاحتلال ومستوطنيه باعتراف الحكومة الأمريكية نفسها، على الرغم من محاولة عدد من النواب الديمقراطيين التقدميين وفي مقدمتهم النائبة رشيدة طليب، تفعيله في أعقاب العدوان على غزة لعرقلة المساعدات العسكرية لـ"إسرائيل".
وكما سبق ذكره، فإن إسرائيل استثناء حتى اللحظة من القوانين الأمريكية، فلم يسبق أن طبّق عليها "قانون ليهي" رغم الانتهاكات الواسعة التي يقوم بها جيشها وأفراد شرطتها العسكرية ضد المدنيين الفلسطينيين، مع ذلك ينظر إلى "قانون ليهي" على أنه ذو أهمية كبيرة في الحرب الحالية الدائرة في غزة والضفة الغربية.
فوفقاً للقانون، إذا تلقت وحدة من قوات الأمن الأجنبية الدعم الأمريكي ثم ارتكبت فظائع مثل الإبادة الجماعية والتهجير والقتل العمدي، فسوف يُنظر إلى حكومة الولايات المتحدة على أنها متواطئة في الجريمة، مما يقوض سلطتها وقيمتها الأخلاقية.
أين تم تطبيق قانون ليهي الأمريكي؟
وفقاً لـopen society foundations، أظهرت برقيات ويكيليكس أن وزارة الخارجية الأمريكية طبقت القانون في جميع أنحاء العالم إلا مع تل أبيب، إذ علقت الولايات المتحدة بموجب القانون مساعداتها لوحدات أمنية في كولومبيا، وإندونيسيا، وباكستان، وبنغلاديش، وعدد من الدول الأخرى على الرغم من ربط واشنطن ذلك بأسباب دبلوماسية وأسباب أخرى؛ لكون وزارة الخارجية الأمريكية لا تنشر بشكل عام، قراراتها بتعليق المساعدات المقدمة إلى أي وحدة أجنبية معينة.
نعم. تماشياً مع الاستثناء بموجب "قانون ليهي"، اعتمدت وزارتا الخارجية والدفاع سياسة مشتركة بشأن الإصلاح تحدد عملية استئناف المساعدة الممولة من وزارة الدفاع والدولة لوحدات قوات الأمن الأجنبية غير المؤهلة للحصول على المساعدة بموجب قوانين ليهي. يمكن أن يحدث هذا عندما يقرر وزيرا الدفاع والخارجية أن حكومة ذلك البلد قد اتخذت، أو تتخذ، تدابير فعالة لتقديم المسؤولين إلى العدالة. وقد تشمل هذه التدابير إجراء تحقيقات محايدة وشاملة؛ أحكام قضائية أو إدارية ذات مصداقية؛ والعقوبات المناسبة والمتناسبة.