هناك بعض الأشخاص الذين يحتاجون لشرب كوب من القهوة في الصباح الباكر، قبل القيام بأي نشاط خلال اليوم، وغالباً ما يتم استهلاك القهوة الجاهزة التي تباع في الأكواب الورقية، سواء من المقاهي، أو الماكينات التي تقدم قهوة سريعة التحضير.
إلا أن شرب المشروبات الساخنة، سواء كانت قهوة أو شاياً، في هذا النوع من الأكواب، قد يكون خطراً على الصحة، وذلك حسب ما توصلت إحدى الدراسات التي أجريت سنة 2020.
وقد تم إجراء هذه الدراسة من طرف باحثين من الهند، الذين أشاروا إلى أن وضع مشروبات ساخنة في الأكواب الورقية يؤدي إلى إفراز عشرات الآلاف من الجزيئات البلاستيكية الضارة في المشروب، التي قد تكون سبباً في الإصابة بعدة أمراض خطيرة، من بينها السرطان.
ما هي أكواب الورق التي تستخدم لتقديم القهوة؟
أكواب الورق تستخدم بشكل كبير في المقاهي التي تقدم خدمة "سيلف سرفيس"، وماكينات القهوة المتواجدة في الأماكن العامة وبعض المؤسسات مثل المستشفيات والإدارات.
وتتم صناعة هذه الأكواب من خليط معقد من المواد الاصطناعية والمواد الكيميائية، إذ يضيف المصنعون مساعدات المعالجة، ومثبتات الحرارة، ومواد أخرى، يُعرف الكثير منها بأنها سامة.
وحتى لو تم استخدام مواد مشتقة من النباتات، مثل حمض البوليلاكتيك، وهي مادة مشتقة من الذرة أو الكسافا أو قصب السكر تستخدم لتغليف الأكواب الورقية، إلا أنه غالباً ما يضيف صانعو الأكواب عدداً من المواد الكيميائية الأخرى أثناء المعالجة.
يمكن للتحليلات الكيميائية في بعض الأحيان أن تلقي الضوء على تركيبة المواد الموجودة في الكوب البلاستيكي أو الورقي، ولكن حتى هذه الاختبارات لا يمكنها دائماً تحديد ما هو موجود بها.
وحسب جين مونكي، عالمة سموم بيئية في مؤسسة الغذاء، ومنتدى التعبئة والتغليف، وهي منظمة اتصالات علمية مقرها سويسرا، تقول: "غير معروفة ليس فقط للعلماء الذين يقومون بهذه التحليلات، ولكن أيضاً للأشخاص الذين ينتجون ويبيعون العبوات، وذلك لأنه أثناء تصنيع المنتجات التي تحتوي على البلاستيك، يمكن أن تحدث تفاعلات كيميائية غير مقصودة بين المواد المستخدمة لتكوين مواد جديدة".
وتضيف مونكي أن المواد الكيميائية يمكن أن تكون ضارة أيضاً بسبب التركيبات المحددة التي يتم استخدامها فيها، وهو ما يُعرف باسم "سمية الخليط".
صناعة الأكواب من مخلفات ورقية ملوثة وغير صحية
هناك بعض الأكواب الورقية التي يتم تصنيعها من مخلفات ورقية ملوثة وغير صحية، مثل الورق المستخدم في الصحف والمجلات والكتب والمناديل والملصقات والمغلفات والأوراق المالية والفواتير والإيصالات والتذاكر والبطاقات الائتمانية والدبلومات والوثائق الرسمية والخاصة.
هذه الأوراق التي تم ذكرها تحتوي على مواد كيميائية ومعادن ثقيلة وميكروبات وفطريات، وحشرات، وبقايا طعام، ومواد أخرى ضارة بالصحة، كما أنها تتعرض للتلوث بالغبار والرطوبة والحرارة والأشعة فوق البنفسجية والأوزون والأوكسجين والماء والهواء، الشيء الذي يؤدي إلى تآكلها وتمزقها.
وبهذا فإن كل هذه العوامل تؤدي إلى تدهور جودة الورق وزيادة خطر انتقال الأمراض والعدوى والتسمم والحساسية والالتهابات والتهيجات.
أضرار الأكواب الورقية على البيئة
قبل الحديث عن أضرار الأكواب الورقية على صحة الإنسان، يجب الإشارة إلى ما يمكن أن تسببه للبيئة، ومخاطر كبرى قد تكون سبباً في التلوث، والضرر بالحيوانات.
إذ إن هذا النوع من الأكواب، حتى وإن كان يسوق لها على أنها صديقة للبيئة، إلا أنه في الحقيقة لا تزال مغطاة بطبقة رقيقة من البلاستيك، والتي اكتشف العلماء أنها يمكن أن تتسرب منها مواد كيميائية تضر الكائنات الحية.
ولأن كمية استهلاك الأكواب الورقية في العالم تقدر بالمليارات، ومعظمها لا تتم إعادة تدويره، فإنها تصبح عبارة عن نفايات مضرة بالبيئة ومساعدة على التلوث بشكل سريع.
كما أن هذه الطبقة البلاستيكية الرقيقة التي يتم وضعها داخل الأكواب، من أجل منع تسرب المشروبات إلى الورق، يمكن أن تنبعث منها مواد سامة.
وعند محاولة تقييم الأثر البيئي لأكواب القهوة الجاهزة، ركزت معظم التجارب على الأغطية البلاستيكية وأكواب البوليسترين، في الوقت الذي تم فيه غض النظر عن تلك الورقية التي لم يتم تدقيقها.
وفي هذا الصدد كشفت الدراسة الهندية التي تمت الإشارة إليها سابقاً إلى تأثيرات الأكواب الورقية والبلاستيكية على يرقات الذباب التي تستخدم عادة في اختبارات السمية.
إذ تم وضع الأكواب في ماء معتدل أو رواسب وتركت لتترشح لمدة تصل إلى أربعة أسابيع، ثم تم حفظ اليرقات في أحواض السمك التي تحتوي على الماء أو الرواسب الملوثة بالأكواب الورقية والبلاستيكية. وبغض النظر عن مصدر التلوث، فقد نمت اليرقات بشكل أقل في الرواسب، كما أدى التعرض للمياه الملوثة إلى إعاقة نموها، الشيء الذي كشف عن مدى تأثير هذه المواد التي تفرزها هذه الأكواب الورقية على الكائنات الحية، والبيئة على حد سواء.
تأثير الشرب في الأكواب الورقية على الإنسان
في أول 15 دقيقة من وضع المشروب الساخن، سواء كانت قهوة أو شاياً، تبدأ الطبقة البلاستيكية الدقيقة الموجودة على الكوب الورقي بالتحلل.
وفي هذه المرحلة، يتم إفراز ما يعادل 25000 جزيء بحجم ميكرون في المشروبات الساخنة مهما كانت نوعيتها.
وفي المعدل، فإن الشخص يشرب ثلاثة فناجين عادية من الشاي أو القهوة يومياً، في كوب ورقي، الشيء الذي سيؤدي به إلى تناول 75000 جزيء بلاستيكي صغير غير مرئي للعين المجردة.
وفي هذا الصدد يقول الباحثون إن هذه المواد البلاستيكية الدقيقة غير المرئية تقريباً أصبحت تشكل تهديداً كبيراً لصحة الإنسان.
يبلغ عرضها عادةً أقل من 0.2 بوصة، ولكن يمكن أن يصل حجمها إلى جزء من خمسين عرض شعرة الإنسان.
إذ هناك تخوف كبير من أن تؤدي هذه الجزيئات الدقيقة إلى السرطان أو العقم، ويشير الباحثون أيضاً إلى أن التلوث بالبلاستيك الدقيق يمكن أن يسبب التهاباً لدى الحيوانات.
أمراض يمكن أن تسببها هذه الأكواب
من بين أبرز الأمراض التي يسببها الشرب في هذا النوع من الأكواب، والمنتشر بشكل كبير في وقتنا الحالي، هو أنها تقلل من المناعة العامة وتسبب الحساسية بسبب الألوان والصبغات التي تستخدم في عملية التزيين وإضفاء الجمالية والجاذبية عليها.
هذه الألوان والصبغات تحتوي على مواد كيميائية سامة ومهيجة ومحسسة تنتقل إلى الجسم عند شرب المشروبات أو لمس الأكواب أو استنشاق الروائح التي تنبعث منها.
ومن بين المواد الكيميائية التي تسبب هذه الأمراض نجد كلاً من مادة الأنيلين، ومادة الأزو، ومادة الفورمالديهايد، ومادة الفينول، ومادة الكادميوم، ومادة الزئبق، ومادة الرصاص، ومادة الكروم، ومادة النيكل، ومادة الكوبالت.
وكل هذه المواد قد تؤدي في أسوأ الحالات إلى الإصابة بمرض السرطان، كون أغلبها عبارة عن مواد كيميائية مسرطنة تتفاعل مع المشروبات الساخنة.
ما فائدة إعادة تدوير أكواب الورق؟
قد يكون تحسين ممارسات إعادة التدوير خطوة منطقية في محاولة منع وصول المواد الكيميائية الضارة إلى الطبيعة، لكنّ الباحثين يقولون إنه من الأفضل التوقف عن استخدام الأكواب الورقية التي تستخدم لمرة واحدة تماماً، إذ يصعب على معظم مراكز إعادة التدوير فصل الطبقة البلاستيكية عن ورق الكوب. في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، لا يستخدم سوى عدد قليل من مراكز إعادة التدوير الأكواب الورقية، إذ يتم في الولايات المتحدة الأمريكية تدوير 4 من أصل 100 كوب.
بالإضافة إلى ذلك، لا يمثل الترشيح الكيميائي مشكلة عند تناثر الأكواب الورقية فحسب، بل يمكن أن يبدأ عند استخدام الكوب.
الأكواب "القابلة لإعادة الاستخدام" ليست بالضرورة أفضل بكثير عندما يتعلق الأمر بالترشيح، لأنها غالباً ما تكون مصنوعة من البلاستيك؛ تعمل الحرارة والتآكل على تسريع عملية الترشيح، كما أن المشروبات الحمضية مثل القهوة تمتص المواد الكيميائية بسهولة أكبر.
عملية استبدال الأكواب الورقية
يعتبر الحل في استبدال الأكواب الورقية، هو العودة لاستعمال أكواب التيراكوتا التقليدية التي تستخدم لمرة واحدة والتي لا تزال مستخدمة في أجزاء كثيرة من الهند.
مع العلم أنه يعتبر من الصعب العثور على بديل جيد لأكواب الورق التي تحتوي على بلاستيك داخلي، وذلك لأن هناك عوامل أخرى تجعلها رائجة أكثر.
ومن بين هذه الأسباب أنها ذات كلفة أقل، وسهلة الاستعمال، وتحافظ على سخونة المشروب لوقت أطول من أي نوع أكواب أخرى.