في قلب القارة الأفريقية نسجت حكاية فريدة ترويها القبائل البدائية، محافظةً على تقاليدها وثقافتها عبر عصور طويلة، هنا يتقاطع التاريخ مع الطبيعة الخلابة، وتنبت الحياة بألوانها المتنوعة في أرجاء هذا القارب الساحر، تعكس هذه القبائل الروح الأصيلة لأفريقيا، حيث ينسج الأهل والأرض والتقاليد قصة لا تنسى.
تُعتبر القبائل البدائية في أفريقيا كقبيلة الدوغون المالية أعمق تجليات العيش البسيط والتفاعل الوثيق مع البيئة، تجتمع هذه القبائل على ضفاف الأنهار الجارية، وفي ظل الأشجار الكثيفة التي تلامس السماء، تتميز حياتهم بالاعتماد على مهارات الصيد والجمع، حيث تتداخل الحاجة مع المغامرة في رحلة الحياة.
من بين القبائل الأفريقية التي لا تزال تحافظ على نمط عيشها نجد قبيلة الدوغون، الضاربة جذورها في أعماق مالي الأفريقية، تبرز كإحدى الجماعات البشرية الكبيرة والمتنوعة في المنطقة، يتجاوز تعداد أفرادها الـ300 ألف شخص، حيث يستقرون على أرض هضبية صخرية.
يعيش أفراد قبيلة الدوغون المالية حياةً يوميةً هادئةً ومسالمةً تتميز بالتواصل الاجتماعي والاندماج الثقافي، وتتسم احتفالاتهم الموسمية بتنوع استثنائي، حيث يتجلَّى ذلك في باقة متنوعة من الألوان الزاهية، والرقصات الفلكلورية، والطقوس التقليدية.
قبيلة الدوغون.. أسرار وأساطير من قلب أفريقيا
في عمق حياة سكان قبيلة الدوغون في مالي يكمن سرٌّ مدهش لا يقتصر على حياتهم البدائية العادية. يتساءل المرء عن تلك المعرفة الكونية المدهشة التي يحملونها، حيث يظهر أن رؤساء الكهنة في هذه القبيلة يمتلكون علماً ومعرفة فلكية تفوق التوقعات.
رغم بساطة حياتهم، تكمن ثقافتهم الدينية بأكملها في معرفة الفضاء، وتحديداً النظام النجمي، والذي يتجلَّى في نجم "سيريوس"، هذا النجم الذي لا يمكن رؤيته بالعين المجردة، يحمل أسراراً ومواقع محددة بالنسبة لسكان الدوغون، ويعتبرونه المفتاح لعلومهم السماوية عبر العصور.
اللافت للانتباه هو ربطهم لتلك المعرفة بتواصلهم القديم مع كائنات فضائية، ما يضفي جواً من الغموض والتساؤلات على تلك الحكايات. تندرج حياة سكان الدوغون في إطار من الأساطير القديمة التي تحكي عن نشأة الكون على يد إلههم "أمّا"، وكيف خلقوا الكريات الأرضية وأرسلوها في الفضاء لتتحول إلى نجوم.
تتفرد تلك الأساطير بالحديث عن ثمانية كائنات، قدمت من نجم يُعرف باسم "سيريوس"، وكيف يعرفون عن نجم آخر يرافقه يُدعى "سيريوس ب". يثير الدهشة كيف يكونون على علم بتلك التفاصيل حول نجم لم يُكتشف إلا في العام 1836، وتسميته بالقزم الأبيض في عام 1915.
علوم غريبة ودراية بالفلك
في عام 1931، شرع عالمان فرنسيان متخصصان في الأنثروبولوجيا، مارسيل وجيرمين، في رحلة استكشافية إلى قلب مالي للعيش مع شعب الدوغون ودراسة ثقافتهم. رغم التحديات الابتدائية التي واجهاها استطاعا خلال مدة 20 سنة أن يكسبا احترام سكان المنطقة وقبولهم لهم. في عام 1946، وبعد مدة من الاقتراب والتعايش مع القبيلة وافق حكماء الدوغون على تعليمهما علومهم الكونية.
باستخدام عصي ورسومات على التراب قام الكهنة برسم سماء تعبر عن تصوراتهم الفلكية، لكن المفاجأة كانت عندما بدأ الكهنة في رسم جسم ضخم يدور حوله نجم أصغر، وهو النجم الذي يدور حول نجم سيريوس كل خمسين سنة، والذي يحتفل به سكان الدوغون بمهرجان "سيجي" لتجديد العالم.
استغرب العالمان من مصدر هذه المعرفة الدقيقة، فأخبرهما الكهنة بأنها وصلت إليهم عبر تواصل مع كائنات فضائية برمائية تشبه حوريات البحر تُدعى "النومو"، وأكدوا أن هذه الكائنات هي أدلاء الكون وآباء البشرية.
تظهر رموز تصوير هبوط تلك الكائنات في معظم أرجاء الدوغون، حيث يحددون بدقة مكان هبوط سفنهم، ويشير التصوير إلى أن الهبوط كان في شمال شرق الدوغون، قرب الهضبة الصخرية التي يسكنونها.
بعد اكتساب العالم مارسيل لهذه الأسرار، اكتشف أن قبيلة الدوغون تتقن العديد من العلوم الفلكية الأخرى، وهي معارف يعلمونها منذ قرون. يعلمون، على سبيل المثال، عن أقمار المشتري الأربعة الرئيسية وحلقات زحل، وأن الأرض تدور حول الشمس، وأن النجوم تتحرك باستمرار.
يعتبر الدوغون أيضاً أن القمر هو كوكب ميت، ويمتلكون معرفة بحركة درب التبانة الذي ينتمي إلى نظامنا الشمسي، يعلمون أيضاً أن لدى النجم سيريوس نجماً آخر غير سيريوس ب، الذي لم يكتشفه علماء الفلك حتى الآن، وإذا تم اكتشافه في يوم من الأيام فسيؤكد ذلك صحة أساطيرهم حول تواصلهم مع الكائنات الفضائية.
فرضيات تدور حول الدوغون
فرضية نزول كائنات فضائية وتبادل المعلومات معها تظهر بشكل غير مقنع، خاصةً مع وجود تفاصيل غير محددة ورموز غامضة في حكايات قبيلة الدوغون. تلك القصص قد انتقلت شفوياً من جيل إلى جيل، ما يزيد من احتمال ضياع المعلومة أو تغييرها بشكل كبير، مماثلة للعديد من الأساطير الأخرى المليئة بالرموز والتي يصعب فهمها أو إعطاؤها تفسيراً عقلياً.
هناك آراء متنوعة حول هذه الفرضيات، فمن جهة هناك مؤيدون لفكرة الكائنات الفضائية، مثل العالم روبرت تمبل، الذي استنتج بجرأة أفكاره حول هذا الموضوع. ومن جهة أخرى، هناك من يرفضون تلك الفرضية ويقدمون تفسيراً أكثر بساطة، مُفترضين أن علوم الدوغون مستمدة تماماً من التأثير الفرنسي العلماني، دون التأكيد على وجود تواصل فعلي مع كائنات فضائية.
على الرغم من أن هذا التفسير يبدو منطقياً إلى حد كبير، فإن هناك تحفظاً يجب مراعاته. فأساطير الدوغون قد وُجدت قبل فترة الاستعمار الفرنسي، ولا يُعقل أن يكون المعلمون الفرنسيون في تلك الفترة قد قدموا دروساً في علم الفلك للدوغون، خاصة فيما يتعلق بمسائل دقيقة مثل النجم سيريوس ب.
هناك فرضية أخرى تُعتبر أكثر احتمالاً، حيث يُفترض أن الناس في العصور القديمة كانوا يهتمون أكثر بعلوم الفلك، وأن قبيلة الدوغون لم تكن معزولة عن العالم، بل كانت تملك طرقاً تجارية تصل حتى إلى مصر، وقد استمدت معرفتها من الأديان القديمة، سواء في مصر أو بلاد ما بين النهرين أو حتى اليونان. يُشار أيضاً إلى أن نجم سيريوس كان محوراً للانتباه في العديد من الحضارات القديمة.