خلال الأسابيع الماضية، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي ببعض الوثائق التي فضحت العديد من الشخصيات العالمية التي كانت على تواصل مع جيفري إبستين، المدان بارتكاب العديد من الجرائم الجنسية وتهريب بشر لأغراض جنسية، والذي انتحر في زنزانته سنة 2019.
شملت هذه الوثائق أسماء متهمي جيفري، بالإضافة إلى كل من الموظفين لديه والشركاء العمل، إذ اتهم باستغلاله العديد من الفتيات القاصرات لممارسة الجنس في منازله في منهاتن وفلوريدا، بالإضافة إلى جزيرته الخاصة التي توجد بالقرب من سانت توماس.
لم تقتصر هذه الوثائق على إثباتات تدينه فقط، بل أيضاً ضمت العديد من الأسماء المشهورة عالمياً من سياسيين وممثلين، الذين ذهبوا إلى جزيرة إبستين الخاصة خلال العقود الأخيرة، لتصبح الجزيرة محط جدل عن مكان وجودها وقصتها.
أين تقع جزيرة ليتل سانت جيمس "جزيرة إبستين"؟
تتواجد ليتل سانت جيمس كجزيرة صغيرة في قلب المياه الزرقاء الزاهية لجزر فيرجن الأمريكية، حيث تحيط بها الشعاب المرجانية الرائعة. تقع هذه الجزيرة قبالة الطرف الجنوبي الشرقي لجزيرة سانت توماس، وهي إحدى أكبر الجزر الثلاث في أرخبيل الكاريبي.
يتسم المشهد بمداخلها المحمية وبساتين غاباتها التي ترتفع نحو تلال تتلاعب بها الرياح، بالإضافة إلى منحدرات صخرية تضيف للمنظر طابعاً مثيراً.
تاريخ ليتل سانت جيمس يعود إلى ذروة الحرب العالمية الأولى، حيث تم شراء جزر فيرجن من الدنمارك من قِبل الولايات المتحدة لمنع استخدامها كقاعدة للغواصات الألمانية. في الوقت الحالي، تعتبر جزيرة إبستين من قبل العديد من الخبراء الماليين ملاذاً ضريبياً، حيث توفر خصومات كبيرة على الضرائب للشركات والأفراد.
يمتلك مستثمرون عديدون في جزيرة إبستين، وخاصة في إبستاين، المعروفة أيضاً باسم ليتل سانت جيمس. تتكون إبستين من فيلات فاخرة تمتد على مساحة 72 فداناً، وتقع على بُعد حوالي 2 ميلاً من سواحل سانت توماس.
تعد إبستاين جزءاً من الولايات المتحدة، وتحظى بشعبية كوجهة استثمارية، حيث تمتلك حصصاً في عدة شركات في جزر فيرجن الأمريكية، بما في ذلك شركة هايبريون إير. ويُذكر أن قارباً يحمل الحروف LSJ كان يُستخدم لنقل الموظفين والإمدادات إلى هذه الجوهرة البحرية.
بداية جزيرة إبستين
حسب موقع "independent" البريطاني خلال سنة 2010، تم تسجيل جيفري إبستين كمجرم جنسي في جزر فيرجن الأمريكية بعد إدانته بتهمة دعارة الأطفال في عام 2008. وقد أسس إبستين شركات وهمية في مكتب صغير غير مميز في مركز تجاري على شاطئ البحر في سانت توماس، بما في ذلك شركة Sam's Mini-Mart وصالون باسم Happy Nails.
في عام 1998، قام إبستين بشراء Little St James من رأس المال Arch Cummin عبر شركة وهمية، وقد دفع ما يقرب قليلاً من 8 ملايين دولار. تم تغيير المنظر الطبيعي لجزيرة إبستين بسرعة، حيث تم استبدال النباتات المحلية بأشجار نخيل تبلغ طولها 40 قدماً.
بدأ إبستين ببرنامج ضخم للبناء وإعادة التصميم في عام 2007، ما أثار شكوك المسؤولين المحليين. توسع مجمعه الرئيسي بشكل كبير، متحولاً إلى قصر فاخر يتضمن شرفة خارجية تربط غرفة النوم الرئيسية بالمسبح، ونظاماً لتحلية المياه.
صور الأقمار الاصطناعية تظهر شبكة معقدة من المدرجات والمنازل وحمامات السباحة والأرصفة ومرافق أخرى. وكان لدى إبستين مهبط للطائرات الهليكوبتر وملعب تنس وشبكة من الطرق؛ حيث تنقل عربات الغولف الضيوف.
تقدم لقطات الطائرة بدون طيار التي نُشرت على يوتيوب لمحة فاحصة، مع آثار طولية لعلمين أمريكيين على طرفي جزيرة جيفري إبستين المتقابلين.
على الجانب الآخر من قصر إبستين، يوجد هيكل مربع الشكل مخطط باللونين الأزرق والأبيض، والمعروف باسم "المعبد". تحيط به شرفة ذات شكل متاهة حمراء، وكان لديه قبة ذهبية وتماثيل ذهبية على سطحه، التي قيل إنها تضررت في إعصار ماريا.
يشهد المبنى الذي أقامه جيفري إبستين تحولاً كبيراً عن التصميم الأصلي الذي قدمه لتصميم جناح موسيقي ذي شكل مثمن. أصبح المبنى محل تكهنات متنوعة، حيث وصفه البعض بأنه مدخل إلى مخبأ تحت الأرض، أو مذبح لإله مصري، أو مكان لدفن والديه، أو موقع لطقوس الاعتداء الجنسي.
ورغم هذه التكهنات المتنوعة، أظهر تحقيق أجراه موقع Business Insider أن المبنى كان على الأرجح غرفة دراسة ومكاناً للموسيقى الخاص بإبستين.
ماذا حدث في جزيرة جيفري إبستين؟
حسب موقع "cbsnews" الأمريكي في عام 2019، أفزعت وفاة جيفري إبستين في أحد سجون نيويورك الرأي العام، حيث اتهمته السلطات الفيدرالية بالتآمر للاتجار بالجنس وتهمة أخرى بالاتجار بالجنس مع قاصرات. تم التأكيد على براءته، ولكن وفاته في السجن قبل المحاكمة أثارت تساؤلات حول الظروف التي أدت إلى انتحاره.
بعد وفاة إبستين، تسلمت جورج، المدعية العامة، مهمة رفع دعوى قضائية ضد ممتلكاته. انتهت هذه القضية بتسوية بقيمة 105 ملايين دولار نيابة عن جزر فيرجن الأمريكية.
وفي تصريحاتها، أكدت جورج أن ليتل سانت جيمس كانت مكاناً لإبستين لإخفاء نشاطه الإجرامي. وفيما يتعلق بدعوى قضائية بعد وفاته، أشارت إلى أن قوة وثروة إبستين كانت تمنحه القدرة على تغطية الكثير من تلك الأنشطة.
جورج كشفت أيضاً أن إبستين كان يسافر إلى سانت توماس بطائرة خاصة، وكان يستخدم طائرتي هليكوبتر لنقل الفتيات القاصرات بين سانت توماس وليتل سانت جيمس. هذا الاتهام أثيرت حوله شكوك من قبل مراقبي الحركة الجوية وموظفي المطار.
قالت ضحية مزعومة، التي تحدثت مع نفس المصدر، إنها تعرضت للاستغلال الجنسي على يد إبستين، وأكدت أنها حاولت الهروب بوسائل متنوعة، لكن الحواجز كانت عالية نظراً لقوته وتأثيره في المنطقة.
التحقيقات حول جزيرة إبستين
قبل أن يواجه جيفري إبستين اتهامات بالاتجار بالجنس في عام 2019، أبرم اتفاقاً مع المدعين العامين في عام 2008 بعد اعترافه بالذنب في تهمتين على مستوى الولاية في فلوريدا، تتمثلان في التماس الدعارة من قاصر.
بموجب هذا الاتفاق مع الادعاء، أقر إبستين بالذنب في تهم أقل خطورة وأمضى 13 شهراً في السجن، حيث قضى معظم هذا الوقت في الإطلاق المؤقت من العمل، وقدم تسويات للضحايا. كما كان ملزماً بتسجيل نفسه كمرتكب جريمة جنسية.
تناقلت أنباء الصفقة إلى جزر فيرجن الأمريكية، حيث أكد الكابتن جيم كويري، مالك القارب المستأجر، في تصريحات لشبكة cbsnews في عام 2020، أن هناك حديثاً عن أن إبستين حصل على "صفقة مجنونة". وأضاف كويري أنه لم يكن يعلم ما إذا كانت العقوبة في الجزيرة قصيرة جداً أو إقامة جبرية، مشيراً إلى عدم وجود عقوبة ملموسة.
على الرغم من ذلك، فقد تمت تسمية ليتل سانت جيمس بـ"جزيرة الاستغلال الجنسي للأطفال" من قِبل بعض الأشخاص. ورغم أن الوثائق الصادرة لا تحتوي على قائمة فعلية لشركاء إبستين، فإن سجلات رحلات طائرته الخاصة، الملقبة بـ "Lolita Express"، كانت تضم العديد من الأسماء المعروفة عالمياً من بينهم سياسيون وفنانون وعلماء، رغم أن العديد منهم نفوا أي سوء سلوك أو تورط في أنشطة إبستين.
الجزيرة وربطها بفيلم ديزني
بعد تسريب عدة وثائق حول جزيرة إبستين بدأ رواد مواقع التواصل الاجتماعي بربط اسم الجزيرة الغربي أو ما يطلق عليها هناك "جزيرة المتعة" بلقطة في فيلم ديزني بينوكيو في إصداره القديم، والذي يحكي من خلاله عن استقطاب أطفال أغبياء إلى جزيرة المتعة، وأنهم لن يعودوا أبداً، مشيرين إلى أن الفيلم تطرق بشكل غير مباشر إلى ما يجري في الجزيرة.
رغم ذلك، لا توجد أي إثباتات حول ما إذا كانت هناك علاقة بين هذا الترابط والجزيرة في الواقع، خاصة أن التحقيق بخصوص ما كان يجري بداخلها لا يزال جارياً بعد انتحار صاحبها جيفري إبستين في زنزانته سنة 2019.
من هو جيفري إبستين؟
اسمه جيفري إدوارد إبستين، وُلِد في بروكلين، نيويورك عام 1953، من والدين مهاجرين، حيث كان والده يعمل جامعاً للقمامة، بينما كانت والدته مساعدة في مدرسة. على الرغم من أنه حضر جامعة نيويورك، فإنه لم يحصل على شهادة، إلا أنه كان يتمتع بمهارات فائقة في الرياضيات.
في منتصف السبعينيات، استقر إبستين في إحدى المدارس المرموقة، حيث برزت شخصيته بشكل لافت. وفقاً لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز، كان الطلاب يتفاجأون بمعلم جديد يتجول في القاعات بمظهر فريد، حيث كان يرتدي معطفاً من الفرو وسلاسل ذهبية، مما جعله يلفت انتباه الجميع.
وفي هذه الفترة، لم يكن هناك مشاكل جنسية غير لائقة ملاحظة مع الفتيات، ورغم ذلك تم فصله من المدرسة بسبب سوء أدائه. بعد ذلك، استفاد إبستين من شبكته في دالتون لينخرط في سوق الأسهم بوول ستريت، حتى انضم في وقت لاحق إلى بنك الاستثمار بير شتيرنز.
خلال فترة قصيرة جداً، تمكن إبستين من تجميع ثروة كبيرة وإنشاء شركته الخاصة، حيث كان يتعامل فقط مع أصحاب المليارات. يعكس هذا الملخص جزءاً من حياة إبستين، ولكن يمكن البحث عن مصادر إضافية لفهم أكثر تفاصيل حياته ومسيرته المهنية.