على مدار سنوات طويلة تعدَّدت وسائل وطرق المقاومة الفلسطينية، إلا أن جميعها كان يصب في هدف واحد، وهو التصدي لجرائم الاحتلال الإسرائيلي، وبالعودة إلى أكثر من 59 عاماً، في ليلة 31 ديسمبر/كانون الأول 1965، وفي يوم مشابه لما حدث في "طوفان الأقصى"، فاجأ مقاومون فلسطينيون الاحتلال بهجوم استهدف "نفق عيلبون" شمال فلسطين، رداً على مشاريع مائية للاحتلال آنذاك، ما أدى إلى إصابة جنديين للاحتلال وتدمير "نفق عيلبون" واستشهاد مقاتل فلسطيني يدعى أحمد موسى سلامة.
المقاومة الفلسطينية وجَّهت ضربةً للاحتلال بتفجير "نفق عيلبون" الذي يتم من خلاله سحب مياه نهر الأردن لإيصالها إلى صحراء النقب، لبناء المستوطنات من أجل إسكان اليهود المهاجرين فيها، وذلك بالتزامن مع فترة التحضير لإعلان تأسيس قوات "العاصفة"، الجناح العسكري لحركة فتح حديثة النشأة آنذاك.
إذ أصدرت قوات "العاصفة" أول بيان لها، وأعلنت فيه عن نجاحها في تنفيذ عملية عسكرية حققت أهدافها وعاد منفّذوها بسلام، وذكرت في البيان أن قوتها قامت بمهاجمة الاحتلال ومنشآت تحويل نهر الأردن، واستطاعت أن تصيب أهدافها في كل من نفق عيلبون وسهل البطوف.
وجاء في بيان المقاومة: "اتكالاً منّا على الله، وإيماناً منا بحق شعبنا في الكفاح لاسترداد وطنه المغتصب، وإيماناً منا بواجب الجهاد المقدس.. فقد تحركت أجنحة من القوات الضاربة في ليلة الجمعة 31/ 12/ 1964م، وقامت بتنفيذ العمليات المطلوبة منها كاملة ضمن الأرض المحتلة، وعادت جميعها إلى معسكراتها سالمة… وإننا لنحذر العدو من القيام بأية إجراءات ضد المدنيين الآمنين العرب أينما كانوا، لأن قواتنا ستردّ على الاعتداءات".
خطة المقاومة لتفجير نفق عيلبون
المقاومة الفلسطينية وضعت خطةً دقيقةً بكل تفاصيل المنطقة المحيطة بالهدف من بداية سير نفق المياه في الشمال الغربي لبحيرة طبريا، كما بيّنت الرسوم المرفقة مع التقرير أماكن وجود معسكرات الاحتلال، وبرنامج عمل دوريات الحراسة وتوقيتها الزمني، وقبل نهاية عام 1964م كان قد تم اختيار أربعة مقاتلين أشداء من ذوي الاختصاص لتنفيذ المهمة، وقد تم تأمين الدليل المتمكن من معرفته لطبيعة الأرض المحتلة في المنطقة ما بين طبريا ومدينة صفد، حتى الحدود مع شمال الضفة الغربية.
وبدأ تنفيذ الخطة بوصول المقاتلين إلى خربة ناصر الدين في قضاء طبريا بالزي المدني، وكان بانتظارهم العنصر الخامس، وهو الدليل الذي كان متخفياً على شكل راعٍ مع بعض من أغنامه، حيث توجهوا إلى نقطة كانوا يضعون بها ألبسة خاصةً بالعملية وحقيبة متفجرات وأسلحة، وهي عبارة عن بندقيتين سينوبال ورشاشين كارول وحقيبة قنابل يدوية ومجموعة مخازن ذخيرة.
وتحركت المجموعة عبر الوادي المؤدي إلى عين رافيد، وتحت ثيابهم البدوية أخفوا الأسلحة والمتفجرات، ومن بين شجيرات الوادي الكثيفة وصلوا إلى موقع العين ونصبوا كمينهم الأول، تحضيراً للانتقال إلى الموقع، ومع حلول الظلام تم توزيع المهام فيما بينهم، وأرسلوا أحد العناصر للاستطلاع ومراقبة الحراسة القائمة على موقع الهدف، وباشروا بتحضير المتفجرات والتأكد من سلامتها ومراجعة خطة التنفيذ بانتظار انقضاء منتصف الليل، لحين عودة الراصد الذي أكد لهم أن الخطة المرسومة تسير على ما يرام، وحدد لهم مواقع الحراسة القابعة في أماكنها، لأن الليل كان بارداً جداً، وأصبح الهدوء يسود المنطقة بعد نهاية الاحتفالات بقدوم العام الجديد.
وقبل أذان الفجر كان مهندس المجموعة أحمد موسى الدلكي قد أتم زرع المتفجرات عند جدار النفق وبين المضخات وتوربينات الطاقة الكهربائية، وقد حدد توقيت التفجير لينطلق بعد 45 دقيقة، لكي تتمكن المجموعة من الانسحاب إلى المرتفعات شمال منطقة الهدف لمراقبة نجاح التفجيرات.
وبعد 10 دقائق دوّى صوت الانفجارات عالياً، وشاهدوا أنوار النيران المشتعلة بالمحطة، ويبدو أن الحراس قد أصابهم الفزع لمدة 20 دقيقة حينما بدأ صوت منبهات الإنذار يعلو.
فيما تمكنت المجموعة من التسلل عبر الوديان وخلف المرتفعات من شمال دير حنا، وأتموا مسيرهم حتى وادي عرابة، ومن خلف جبل البطوف تفرقوا للوصول بأمان، مستغلين قلة حركة السير على الطرقات، باعتباره اليوم الأول من السنـة الجديـدة.
وخلال العملية استشهد المقاوم الفلسطيني أحمد موسي، والذي تشير سيرته الذاتية إلى أنه مواليد 1923، بقرية ناصر الدين بمدينة طبريا، وهاجر في العام 1948 إلى الأردن بعد النكبة، الأمر الذي ولّد لديه شعوراً كبيراً بضرورة الانتقام من الاحتلال، ومنذ تلك اللحظات الرهيبة آمن بضرورة المقاومة المسلحة لتحرير الأرض الفلسطينية.
وقد التحق بالفدائيين في عام 1956، وفي عام 1964 التحق بحركة فتح، فكان الرجل السابع في جناحها العسكري (العاصفة)، حسب ترتيب المؤسسين لها .
ودفن الشهيد أحمد موسى سلامة بمنطقة الشونة الشمالية، ولا يزال قبره مزاراً للكثير من أبناء الشعب الفلسطيني.
قصة قرية عيلبون؟
أما عيلبون فهي قرية عربية فلسطينية تقع في منطقة الجليل، أقصى غرب بحيرة طبرية، ويسكنها كل من المسيحين والمسلمين، ويبلغ عددهم 5000 نسمة، وتبلغ مساحة أراضيها 4900 دونم.
احتلت القرية في 30 أكتوبر/تشرين الأول 1948، حيث سجل التاريخ يوماً مؤلماً وقعت به مجزرة عيلبون. قتل بها 14 شاباً بدماء باردة، هجر سكانها مشياً على الأقدام مسافة تقارب 150 كم إلى لبنان. وبعد مرور 50 يوماً خارج الوطن بدأت مسيرة العودة إلى القرية لبناء حياة جديدة تحت الاحتلال الإسرائيلي.
وعرفت الأمم المتحدة بما حدث، وبما عاناه أهل عيلبون، فقامت بالتحري عن المجزرة وأُرغمت الدولة على السماح لأهالي عيلبون بالعودة. وأرسل مبعوث من القرية إلى لبنان للبحث عن اللاجئين العيلبونيين، ليخبرهم بقرار السماح بالعودة.
فبدأت عندها مسيرة العودة بعد حوالي 50 يوماً من النزوح، والتي كانت شاقة أيضاً، حيث اضطر الأهالي إلى التسلل والسير ليلاً وبين الجبال خوفاً من تهجيرهم من جديد أو من التعرض لهم من قبل الجيش.
فيما استغرقت عودة الأهالي عدة أشهر، وقد تم اعتقال ونفي العديد من العائدين إلى عيلبون. أثناء مسيرة العودة وصل الأهالي إلى عيلبون فوجدوها منهوبة وخالية، فدفنوا شهداءهم وأعادو إعمار القرية وانطلقوا بالحياة من جديد.
وقد قرر أهالي عيلبون البقاء في قريتهم رغم الأوضاع التي سادت البلاد في ذلك الحين، ورغم المجازر التي ارتُكبت بحق الشعب الفلسطيني، والتطهير العرقي الذي ارتكبته العصابات الصهيونية، وتهجير القرى الفلسطينية.