عند الحديث عن أجمل الفنادق وأكثرها شهرةً حول العالم فإن من الطبيعي تسليط الضوء على الإطلالة الرائعة، والمساحة الشاسعة، وتصميم الغرف المميز، الذي غالباً ما يغلب عليه الطابع العصري، من خلال توفير أحدث التقنيات والأجهزة.
إلا أن هناك فندقاً واحداً يفتقر إلى كل هذه المميزات التي يراها الزبون مهمة، لكنه تمكن من استقطاب أعداد كبيرة من الزوار من مختلف دول العالم، وذلك لأنه صاحب لقب أسوأ إطلالة في العالم.
وهنا الحديث عن فندق الجدار، أو "The walled off Hotel"، الموجود على بعد ثلاثة أمتار فقط من "الضم"، وهو الجدار الفاصل بين مدينة بيت لحم في فلسطين ومدينة القدس المحتلة، وبالقرب من مخيم عايدة للاجئين الفلسطينيين.
من بناء مهجور بعد الانتفاضة إلى فندق شهير
تم افتتاح فندق الجدار ابتداء من سنة 2017، وقبل ذلك كان هذا البناء عبارة عن منزل مهجور منذ سنة 2000، بعد أن شهد محيطه عدة اشتباكات بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال، خلال أحداث الانتفاضة الثانية.
وقد أُعيدت الحياة لهذا البناء المهجور من طرف الرسام البريطاني العالمي روبرت بانكسي والفلسطيني وسام سلسع، اللذين عملا على تسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني، والظلم الذي تعرضوا له على مر السنين من خلال رسومات وتماثيل عديدة موجودة في كل مكان، انطلاقاً من مدخل الفندق، وصولاً إلى الغرف.
وقد عمل الرسام البريطاني بشكل شخصي على صناعة ورسم كل التماثيل والرسوم الموجودة داخل الفندق، وذلك لإيمانه الكبير بحق الفلسطينيين في أرضهم، واعترافه بالظلم الذي تعرضوا له، والذي يتم دعمه بشكل عالمي، لصالح إنشاء دولة خاصة بالمحتل.
ومن خلال الرسالة التي يحملها فندق الجدار، وموقعه الذي يجعله صاحب إطلالة، كونه مقابل الجدار الفاصل بين بيت لحم والقدس، تمكن من الحصول على لقب أحسن فندق في العالم لسنة 2017، بحسب ما جاء في صحيفة "independent arabia"، فيما وصل عدد زواره إلى ربع مليون زائر من حول العالم منذ افتتاحه حتى سنة 2019.
واقع فلسطين.. رسالة فندق الجدار في بيت لحم
يتكون فندق الجدار من ثماني غرف وجناح واحد، كلها تطل على الجدار، وغرفتين منفصلتين تحتويان على صور ولوحات تروي جزءاً من الأحداث، إضافة إلى متحف خاص يعرض آثار الدمار في فلسطين، من خلال سرد قصة الاحتلال منذ فترة الانتداب البريطاني ووعد بلفور، وصولاً إلى وقتنا الحالي.
وعند الوصول إلى فندق الجدار سيكون أول ما يستقبلك تمثال لقرد يحمل بعض الحقائب، وذلك كنوع من الترحيب بالزائر الذي يدخل إلى مغامرة جديدة، ستقوده لاكتشاف الواقع الفلسطيني، وظلم الاحتلال الإسرائيلي.
عند الدخول ستجد مطعم الفندق، الذي يعرض رسوماً وأدوات على الجدار، وذلك لعرض ما يتم استعماله من طرف قوات الاحتلال لقمع الفلسطينيين، من بينها القنابل الغازية، وكاميرات المراقبة التي تحيط بهم في كل مكان، وأشياء أخرى كثيرة.
وعند الدخول إلى الغرف ستجد لكل واحدة حكايتها الخاصة، من حكايات التهجير، والقمع، والاحتلال، التي يعاني منها سكان الأرض الأصليون، منذ سنة 1948، أي بعد النكبة.
إذ تم سرد هذه القصص بريشة الرسام البريطاني بانكسي، الذي كان قد زار مدينة بيت لحم لأول مرة سنة 2007، وتعرف خلالها على وضع الفلسطينيين ومعاناتهم وقلة السياح الزائرين للمدن الفلسطينية، وقرر حينها وضع لمسته على الجدار، قبل أن تتحول إلى داخل الفندق.
ومن بين الرسائل التي عمل على إيصالها من خلال أعماله أحداث النكبة، والتهجير، والمقاومون الشهداء الذين قدموا أرواحهم فداءً للوطن.
وقد كانت بعض الأعمال تعبيرية، من خلال استعمال سلاسل الحديد لتحيط بها، كنوع من أنواع القمع، أو أجنحة الملائكة للأطفال، الذين استشهدوا بدون ذنب أو حق، وهم مازالو لم يكوّنوا فكرةً عن حقيقة الأوضاع.
رسوم بانكسي مصدر جذب السياح للفندق
تمكنت رسوم البريطاني روبرت بانكسي من تحويل مدينة بيت لحم إلى مدينة سياحية، وذلك لأنه اشتهر بفنه الموجود في شوارع عدة دول عبر العالم، خصوصاً في مدينتي بريستول ولندن.
إذ إن السياح أصبحوا يزورون الفندق خصيصاً من أجل مشاهدة أعماله الخاصة، والتي جاءت هذه المرة للدفاع عن قضية مهمة جداً، وهي حرية الفلسطينيين، وحقهم في استرجاع أرضهم من الاحتلال الإسرائيلي.
وبحسب ما صرَّح به مدير الفندق، وسام سلسع، فإن رسوم بانكسي هي ما يجذب السياح إلى المكان، فيما يأتي اختيار الموقع بالقرب من جدار الضم، الذي يعكس بدوره الواقع الفلسطيني مع الحصار والاحتلال.
ويضيف أنه من خلال هذه الأعمال والرسوم يتم إدخال الزائر في واقع وحقيقة معاناة الشعب الفلسطيني، لذلك فإن كل ما يحتويه فهو مقصود.
إذ يتم من خلال الفندق تصحيح صورة الشعب الفلسطيني، الذي يحاول الإعلام الغربي تشويهها، وذلك من خلال معرض صور يتغير كل شهرين حسب الأحداث، من خلال عرض صور تم التقاطها لفنانين مختلفين من داخل فلسطين.
فيما أكد مدير الفندق أنه يتم السماح للسياح الإسرائيليين بالدخول إلى الفندق كذلك، ولا يتم منعهم أبداً، وذلك لأن بعضهم لا يكونون على دراية بدوره بالحقيقة، وما تفعله قوات الاحتلال في فلسطين، لذلك يتمكنون بهذه الطريقة من التعرف على الحقيقة من خلال الأعمال الفنية المعروضة بشكل مجاني أمامهم.